في اطار النضال لمنع تمرير التعديلات المراد منها افراغ قانون الأحوال الشخصية 188 من محتواه الضامن لمعظم حقوق المرأة والطفل، شهدت وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً، نقاشات وصراعات حادة بين المؤيدين للتعديلات والمعترضين عليها، كشف البعض منها طرحاً ديمقراطياً للأراء وبمستوى لائق من احترام المختلفين، فيما عكس البعض الأخر نزعات عدوانية ورغبات استبدادية وتعصب مقرف ورفض مطلق لسماع المختلفين، بل وصل الأمر بهذا البعض لتخوين مخالفيه وتكفيرهم وتوجيه السباب والشتائم بهم، ربما استكمالاً لما فعله هذا البعض أو مناصرية من اطلاق التهديدات بالقتل والتشويه لكل من "تجرأ" وأبدى رأياً بقانون يمس حياة كل بيت عراقي تقريباً.
وفي الوقت الذي يجب أن نحيي فيه كل من تحاور بإحترام ولم يفسد الخلاف من مشاعر الود والتقدير تجاه مخالفيه، فإننا نرى بأن الأخرين لا يمثلون سوى شريحة مهووسة بالتشبه بأزلام الطاغية البائد، وأنها لن تتمكن مهما أوتيت من عدة وعدد من فرض التراجع على حركة التاريخ.
إن إتهام المختلفين بقلة الحياء والطعن بأخلاقهم وسمعة عوائلهم واللجوء الى تهديدهم، لا يعكس سوى عجزاً عن المحاججة ومسعى بليداً لتبرير الظلم والدفاع عن مرتكبيه، فالظلم يبقى مهما تم تجميله، جريمة منافية لحقوق الإنسان، في جميع التشريعات السماوية والوضعية. كما إن حقوق المرأة ليست مجرد قضية نسائية، فهي حق من حقوق الإنسان ومتطلب من متطلبات العدالة التي تهمنا جميعاً.
فرغم كل ما حققته النساء في بلادنا من مكتسبات مهمة، بعد سفر نضالي مجيد دام عقوداً من التضحيات، فإنها لا تزال تخضع للظلم ولهيمنة ذكورية غير عادلة، تُحرم بسببها الكثير من الفتيات من التعليم والرعاية الصحية المناسبة ويتم تزويج القاصرات بالقوة وبدون ارادتهن ويحرمن من العمل في تجاوز خطير لتكافؤ الفرص، ناهيك عن تزايد جرائم العنف ضد المرأة والطفل وهي أحدى أكثر أشكال انتهاكات حقوق الإنسان انتشارًا.
ولهذا، فإننا حين نرفع اصواتنا ضد التعديلات المراد فرضها على المجتمع، فإننا نساهم في إنهاء التمييز القانوني ضد النساء في مجالات عديدة كالزواج والطلاق وحضانة الأطفال، وعدم منح الأفضلية للرجال في التعامل القانوني مع المواطنيين. كما نقاوم اية مساعي لقوننة العنف الجسدي أو النفسي داخل المنازل أو في الأماكن العامة، والعمل على توفير الحماية القانونية والاجتماعية للنساء المعنفات، ولمنح المرأة الحق في اختيار الدراسة والعمل وتحقيق إمكاناتها الكاملة.
إننا لا نقف ضد التعديلات لتمسكنا بالقانون 188 لسنة 1959، بل لعلنا ندافع عن تعديل ما فيه من ثغرات، بعد حوار مجتمعي ديمقراطي، ودراسات قانونية واجتماعية كافية، شرط أن تقربنا أية تعديلات من تحقيق المساواة بين الجنسين بشكل حقيقي، وتغير المواقف والأعراف التي تدعم عدم المساواة، وخاصة في منظومة الأسرة وفي التعليم والدخل والعمل وبناء المستقبل، وأن لا تتضمن التعديلات أي تسامح مع العنف مهما كان شكله وحجمه ومصدره، وتؤسيس لمنظومة قضائية وامنية واجتماعية لإجتثاث العنف الأسري بشكل نهائي ولخلق مجتمع الحرية والعدالة والإزدهار.