اخر الاخبار

للأسف لا أذكر اسم الفيلم الذي يتساءل فيه الفنان القدير “محمود حميدة” – مغنيا- عن معني السعادة، ويقول كلنا «عايزين سعادة, بس ايه هي السعادة”.

يبدو لي ولآخرين – أحيانا- ان مثل هذه الاسئلة تعبر عن انشغالات أناس مرتاحين لا هموم كبيرة لديهم، أو هذا على الأقل هو الاتهام- ان جاز أن يكون اتهاما يوجهه الناس عادة للمرتاحين المطمئنين الذين لا هموم كبيرة لديهم، ولا يساورهم اي قلق يخص المستقبل.

وفي ظني ان مثل هذه الأسئلة تدل علي نزعة عميقة لدي البشر للتفلسف، والتلفلسف هنا بمعناه البسيط هو الشوق لسبر اغوار العالم، والخوف من الانزلاق الى الحافة ثم الى القاع دون أن يتاح لهم الوصول الي اجابات تقنعهم وترضيهم ولو عن بعض اسئلتهم الوجودية الكبري.

ولطالما اقترحت على أصدقائي وصديقاتي ونحن نناقش هذا الموضوع الذي لم يختف ابدا من اجندتنا ان نبحث عن السعادة اولا في داخلنا، ثم ننطلق لنعرف- دون خداع للنفس- كيف يرانا الآخرون، لان مثل هذه الرؤية لانفسنا من خارجنا غالبا ما تكون الأدق والأصدق.

وقد عرف البشر منذ دب الانسان على الارض جهودا متنوعة، بدأت بسيطة وساذجة ثم تطورت بتطور الواقع من اجل تحقيق السعادة، والوصول الى غاية ظل ينشدها الجميع كل بطريقته، اي تمكين الانسان من السيطرة على مصيره في كل الظروف، ومن ثم تعظيم قدراته المبدعة.

وتبلورت في هذا السياق مدارس متنوعة للفكر الاشتراكي بدءا من الطوباوي الخيالي وصولا الي الفكر العلمي.

ونمت هذه المدارس كافة مواكبة لحركة نضال تنوعت اشكاله ضد كل صور الاستغلال والظلم والعنصرية والاذلال, وعرفت شعوب المستعمرات – علي نحو خاص- ابداعا ملهما في اشكال الكفاح ضد الاستعمار ومن اجل  الحرية والاستقلال.

وكثيرا ما تزاوج كفاح الشعوب من اجل استقلالها مع حركة منظمة ومتصاعدة من اجل العدالة الاجتماعية، ومن اجل الاقتسام العادل للثروات، وحدث ذلك مباشرة بعد انهيار مجتمعات المشاعية البدائية التي تقاسم فيها البشر في ظل ما يمكن أن نصفه  بالمساواة التامة للثروات الشحيحة للمعمورة، هذه الثروات التي كانت رغم شحها تكفي الجميع اذ لم تكن مطالب البشر الا الاحتياجات الاولية البسيطة التي نسميها في زماننا حد الكفاف.

واضافت تعقيدات التطور بعدا جديدا مع التقدم العلمي الهائل حيث تتضاعف المعرفة كل سنة ونصف السنة، وتتضاعف الكفاءة التكنولوجية كل سنتين وكأنما دخل البشر في سباق كوني من أجل عالم جديد لا يعرفون عنه شيئا لكنهم يجرون اليه بشوق.

ولأن التقدم العلمي والتكنولوجي يحملان للانسانية وعودا تبدو كالاحلام التي يتحقق بعضها بسرعة فقد سارع بعض الباحثين والمؤرخين وعلماء الاجتماع بالقفز الى نتيجة – لم يقدم لنا التاريخ بعد دليلا على صحتها, الا وهي انه لم تعد الانسانية بحاجة الى الاشتراكية التي باتت تنتمي للتاريخ.

وسوف يدلنا التحليل النزيه لهذا الاستنتاج على حقيقة كثيرا ما يخفيها العمى الايديولوجي الا وهي ان الانقسام في العالم بين شمال غني وجنوب فقير، والانقسام في كل بلد على حدة بين الذين يملكون والذين لا يملكون، ان هذا الانقسام يتأسس على واقع الانقسام الطبقي, وهو الانقسام الذي يمنح الاشتراكية راهنيتها وقدرتها المتجددة لا على تلبية الاحتياجات المادية للبشر من اجل عيش كريم حسب، وانما ايضا تلبية احتياجاتهم الروحية التي عجزت الفلسفات والافكار والديانات عن اشباعها تمام،, وان قامت بعملية الاشباع  هذه في بعض الاحيان بطريقة زائفة تنهض علي تبرير الانقسام الاجتماعي بدلا من العمل على ازالته.

والعمل على ازالة الانقسام الاجتماعي هو هدف الاشتراكيين الذين تعددت رؤاهم المبدعة واشكال نضالهم وافكارهم من اجله، وكانوا لذلك في كل العصور وفي كل البلدان هدفا اساسيا لضربات اصحاب المصالح الذين يتطلعون للابقاء على المجتمع الطبقي وتأييده, بينما يتطلع الاشتراكيون لازالته من اجل العدالة والكرامة الانسانية والمساواة بين البشر، وتأمين بيئة خالية من كل اشكال التلوث الطبقي والمناخي من اجل اسعاد الانسان الذي كرمه الخالق.

تفننت القوى المحافظة في تشويه الاشتراكية والاشتراكيين حتى تواجه النفوذ القوي الذي يحظون به في اوساط الجماهير العاملة، ومن اجل احباط قدرتهم على تنظيم هذه الجماهير حتى تستطيع ان تدافع عن مصالحها في مواجهة الاستغلال والعنصرية والتمييز، وطالت عملية التشويه الاحزاب السياسية التي تدافع عنهم على نحو خاص.

واستخدمت هذه القوى الدين على نطاق واسع متهمة الاشتراكيين بالالحاد ومعاداة الدين, ولكن الفكر الاشتراكي المبدع استطاع ان يضيء بذور المساواة والعدالة والكرامة الانسانية في كل الديانات ليوجه ضربات قوية للرجعية ولقوى الحفاظ على اوضاع الاستغلال، وعلى هذا الطريق الطويل المليء بالعقبات والصعوبات استطاعت قوى الاشتراكية مدعومة بتوق الشعوب للعدل والكرامة أن تحقق انتصارات كبيرة.

ومع ذلك يتواصل الصراع.. ولا يزال للاشتراكية مستقبل يحتاج للكفاح من أجله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

 «الأهالي» القاهرية – 4 آب 2021

عرض مقالات: