اخر الاخبار

بداية تستمد مادة الموضوع من وثائق “منظمة شلومو للتوثيق” والتي تأسست في كانون الاول ٢٠١٥ في القوش ونالت اجازتها في الاقليم يوم ١٢/١/٢٠١٦ ونالت اجازتها في بغداد يوم ٨/٧/٢٠١٩.

تمر هذه الايام بألم كبير الذكرى السنوية السابعة لجرائم الإبادة وضد الإنسانية والتطهير العرقي لتنظيمات الدولة الإسلامية في العراق والشام- داعش- بحق المواطنين العراقيين من الكلدو اشوريين السريان والارمن (المسيحيين) في الموصل وسهل نينوى.. ولا زال الجناة المجرمون من التنظيمات الإسلامية المتطرفة إما خارج قبضة العدالة أو في قبضتها ينتظرون المحاكمات العادلة وفق القوانين الوطنية أو المواثيق الدولية، والضحايا لا زالوا ينتظرون تحقيق العدالة لهم التي لن تأتي بسهولة ولا تعويض ما فقدوه سيكون سهلا أيضا.

مارست عصابات الإجرام من داعش جرائم الإبادة بحق المسيحيين في الموصل قبل 3/8/2014 في سنجار وقبل 6/8/2014 في سهل نينوى.. فالمعلوم أن التنظيم الإجرامي داعش بعد استباحته الوحشية لمدينة الموصل والذي عكس هزال وبؤس تدابير الحكومات العراقية آنذاك في توفير الحماية للمواطنين العراقيين بشكل عام وللأقليات الدينية بشكل خاص، فأصبحوا نتيجة ذلك هدفا مستمرا للعصابات المتطرفة الإسلامية المتمثلة آنذاك ببربرية وهمجية تنظيم القاعدة الإرهابي الذي تضخم لاحقاً وأصبح أكثر همجية ووحشية، وصار (داعش) الذي تمكن من السيطرة على مدينة الموصل في يوم 10/6/2014

 وفي 4/7/2014 نصب أبو بكر البغدادي نفسه خليفة على المسلمين بطريقة دراماتيكية شابتها تساؤلات كثيرة من كان وراء ذلك؟ 

  وبعد شهر من سقوط مدينة الموصل أبلغ التنظيم الإجرامي -داعش- رجال دين الطوائف المسيحية في الموصل بحضورهم لقاء مع قادة التنظيم لترتيب أمور المسيحيين في ولاية الموصل التي تديرها تنظيمات الدولة الإسلامية في العراق والشام وفق الشريعة الاسلامية حسبما جرى، وكان مفترضا عقده في قاعة ابن الأثير إلا أن رجال الدين المسيحيون كما بدا آنذاك ادركوا مخاطر هذه الخطوة بسبب من جرائم تنظيم القاعدة (الأب اللقيط لداعش بالتعبير السياسي) لسنوات خلت منذ 2003 بالإضافة إلى تجارب التاريخ المّرة التي عاناها مسيحيو بلاد ما بين النهرين طيلة القرون الخمسة عشر الماضية، بالإضافة إلى ما كانت تقوم  به داعش من جرائم لا تعد ولا تحصى كما أن ذكرى وحادثة استشهاد المطران فرج رحو رئيس أساقفة الموصل الكلدان في شباط ٢٠٠٨ لا زالت طرية في الاذهان فآثروا عدم حضور اللقاء، أغاظ ذلك قادة التنظيم الإجرامي فألحقها ببيان رقم 40 بتاريخ 17/7/2014 الموافق حسب التاريخ الهجري ليوم 19/ رمضان/ 1435هـ الصادر من ديوان القضاء ( تحتفظ منظمة شلومو للتوثيق به) وفي هذا البيان يوضح ما كان في خطة قادة داعش الإجرامي عرضه على رجال الدين لترتيب شؤون المسيحيين وهي إحدى ثلاث:

الإسلام 1-

2-عهد الذمة (وهو اخذ الجزية منهم)

3- فإن هم أبوا ذلك فليس لهم الا السيف

أجبر مسيحيو الموصل بترك أماكنهم واملاكهم ومقتنياتهم وحاجاتهم وحتى أدويتهم بمهلة أعطيت لمدة ثلاثة أيام فقط لمغادرتهم مدينة الموصل وبعدها إن لم يغادروا لن يكون امامهم الا السيف كما يوكده بيان التنظيم الإجرامي.

 بدأ المسيحيون يخرجون من المدينة يملأهم الخوف مما يجري. وفي السيطرات التي نصبتها داعش في مخارج المدينة تمت سرقة كل الأشياء التي بحوزتهم وتعرضوا إلى التعذيب والضرب والقسر والإهانة والسرقة والاعتداء ولم يفرقوا بين امرأة أو رجل بين طفل أو كبير في السن، هنا تكمن حقيقة القائمين على التنظيم الإجرامي ومخيلتهم وتفكيرهم  في القصدية والإمعان في إبادة ومحو شعب وجد منذ وجود بلاد ما بين النهرين في التاريخ وتتجلى القصدية المتعمدة في تغيير جغرافية وسكان المنطقة بإجبارها على ترك أماكنها ومنعها من ممارسة حياتها الطبيعية لأسباب ظاهرها دينية متطرفة، أما باطنها فهو الاستيلاء والسرقة على ممتلكاتهم ومقتنياتهم بفرض شروط ورغبات التنظيم الإجرامي القسرية والاكراهية والعنفية الواضحة في بيانهم المشار اليه أعلاه  والذي كانت له امتدادات دولية.

  انها أول مرة في تاريخ مدينة الموصل يجبر أهلها الأصيليون والأصليون على ترك مدينتهم عبر التاريخ. ولأول مرة يحصل في الموصل أن لا يوجد فيها مسيحيون

  انسحبوا إلى بلدات سهل نينوى، وكانت هذه الجرائم بمثابة دق ناقوس الخطر لبقية المواطنين العراقيين من الأقليات الدينية والإثنية والمذهبية الأخرى القاطنة في بلدات سهل نينوى، فهاجم التنظيم الإجرامي بشكل مباغت مدينة سنجار بعد خمسة عشر يوماً في 3/8/2014 مرتكبا فيها جرائم إبادة ايضاً يندى لها جبين الانسانية بحق المجتمع الايزيدي وفرضَ تدابير قسرية غاية في البشاعة أدت إلى قتل وخطف الآلاف منهم دون تمييز بين امرأة ورجل أو طفل ومسن.

 وفي يوم 6/8/2014 هاجمت عصابات داعش بلدات سهل نينوى المسيحية والإيزدية مجبرا عشرات ومئات الآلاف من الناس على ترك مدنهم وبلداتهم واللجوء إلى مدن إقليم كردستان – العراق- وكانت أكثر المناطق التي احتضنت المسيحيين هي بلدة عنكاوا في أربيل.

  وعلى إثر جرائم التهجير القسري وجرائم الإبادة الجماعية وضد الانسانية والتطهير العرقي بكل ما تعنيه الكلمة من استعباد جنسي أو خطف أطفال أو فرض شروط تغيير من طبيعة الانسان بحق المسيحيين في الموصل وسهل نينوى، تمكنت منظمة شلومو للتوثيق من توثيق الخسائر المهولة ويمكن ايجازها بالأرقام التالية:

1-المفقودون الذين تأكد استشهادهم بلغ عددهم (38) منهم (14) امرأة و (24) رجلا واسماؤهم موجودة لدى المنظمة.

2- المختطفون من قبل تنظيمات داعش الذين لم يعرف عن مصيرهم شيء إلى اليوم (34) مواطنا مسيحيا.

3-عدد العوائل التي هجرت قسراً ودونت حالتها في منظمة شلومو لتوثيقها بلغ 15076- خمس عشرة ألف وستة وسبعين عائلة، وبلغ عدد أفراد هذه العوائل 53610 ثلاثة وخمسين ألف وستة مئة وعشرة من الأفراد.

4-عدد المختطفين الكلي الذين وثقتهم المنظمة بلغ 277 مواطنة ومواطنا مسيحيا.

5-عدد الناجين الذين تم انقاذهم بلغ 185 مواطنة ومواطنا مسيحيا.

6-عدد المفقودين 54 مواطنا إلى اليوم

7-الأموال المسروقة من المواطنين المسيحيين الذين سرقت أموالهم في سيطرات داعش بعد التهديد بشروط تنظيمات الدولة الإسلامية في العراق والشام -داعش- بموجب توثيق حكومي بلغ 7,600,000,000 مليار دينار عراقي حسب كتاب مصدق من محافظ نينوى السابق ذي الرقم 5176 بتاريخ 15/8/ 2014 وكتاب آخر ذي الرقم 5183 بتاريخ 19/8/2014. وهذا المبلغ يعود ل 450 عائلة فقط الذين أبلغوا السلطات بما حصل لهم.

8- تدمير 79 كنيسة ودير في الموصل وسهل نينوى وبعضها يعود إلى بدايات دخول المسيحية إلى العراق في القرون الأولى ولها مكانتها الروحية والتاريخية والدينية والاثارية.

9- تدمير 7 مقابر تعود للمسيحيين وتحطيم قبور الآباء والاجداد ورجال الدين في الموصل وفي كل البلدات المسيحية التي دنستها عصابات داعش الإرهابية في سهل نينوى، وهذه تصنف من ضمن الجرائم ضد الإنسانية في القانون الدولي.

10- الخسائر المادية كالدور والعمارات والأراضي والمحلات والمشاريع الصناعية والتجارية والزراعية والورش الصغيرة والاليات وحقول الدواجن والبساتين والمعاصر والتي استطاعت منظمة شلومو توثيقها وفق استمارة خاصة بذلك حيث بلغ عدد المشاريع المدمرة كالاتي:

أ - 742مشروعا زراعيا

ب- 1628 مشروعا صناعيا

ج- 2653 مشروع تجاري

الخسائر التخمينية بالدولار لهذه المشاريع بلغت 868103256 ثمانية مئة وثمانية ستين مليون دولار ومئة وثلاثة آلاف ومئتين وستة وخمسين لمسيحيي الموصل وسهل نينوى. وإذا ما أضيفت خسائر الدور والممتلكات الشخصية والنقود والأموال والمقتنيات الذهبية والودائع ستتجاوز الخسائر بالتأكيد المليار دولار، علما أن العدد التقريبي للذين تعرضوا إلى التهجير القسري والخطف والاستعباد الجنسي والقتل والمفقودين والذين هاجروا خارج البلد والناجيات والناجين بلغ في سهل نينوى والموصل حوالي ال 150000 المئة وخمسين ألف مواطنة ومواطن مسيحي.

ولهذا تكون اللوحة القاتمة لأوضاع مواطنينا العراقيين من الكلدان الاشوريين السريان والارمن (المسيحيين) بالشكل الذي يثبت أن ما حصل لهم كان جرائم إبادة جماعية وضد الإنسانية وجرائم التطهير العرقي على يد تنظيمات داعش الاجرامية.

بلغ عدد المسيحيين في إحصاء 1987 ما يزيد عن مليون ونصف المليون مواطن عراقي مسيحي، من هؤلاء حوالي 450 ألف كانوا يسكنون الموصل وسهل نينوى واليوم لا يتجاوز الرقم 150 ألف في سهل نينوى والموصل وحوالي 400 ألف – 500 ألف مواطن في عموم العراق حسب تقديرات غير دقيقة لعدم وجود إحصاءات معتمدة بذلك من جهات مختلفة حكومية وغير حكومية بسبب التهجير المستمر والتغيير في السكن والانتقالات من منطقة إلى أخرى والهجرة المستمرة إلى الخارج.

نزف شعبنا في العراق أكثر من مليون مواطن مسيحي خلال 30 سنة الماضية ولأسباب شتى مما يعني أن هناك خللا كبيرا في أداء الحكومات العراقية وخللا في المجتمع الدولي والذي عليه وضع ترتيبات بالتنسيق مع الحكومة العراقية والمنظمات المختلفة لوقف نزيف التهجير والهجرة بخلق ظروف مواتية من أمان وسلام وتطور اقتصادي وفرص عمل متاحة للقادرين عليه لتشجيع عودة المهجرين المسيحيين خارج العراق إلى بلادهم رغم صعوبة ذلك ولكنه ليس مستحيلاً. والعدالة للضحايا بجبر الضرر لهم وجلب الجناة إلى العدالة.

لا بد من الإشارة هنا في هذا السياق إلى تشريع “قانون الناجيات” الذي شرعه البرلمان العراقي في اذار 2021 وينتظر الضحايا تنفيذه بعدالة وأن يتسم جبر الضرر للضحايا بالعدالة وأن لا يشوب تطبيق القانون أية مؤشرات فساد أو سرقة لتخصيصات الضحايا التي من المفترض أن تكون إحدى وسائل توفير الأموال اللازمة لجبر الضرر ماديا هي الأموال والممتلكات المنقولة وغير المنقولة للجناة الدواعش الذين تمت وتتم محاكمتهم حسب القوانين والمحاكم المختصة وهنا ستبرز الصعوبات الفنية بملاحقة هذه الأموال والممتلكات لتداخلها مع الدول الأخرى التي توجد شكوك كبيرة حولها بتسهيل تحويل أموال الإرهابيين الدواعش والاحتفاظ بها في بنوك ومصارف ومكاتب التحويل والصرف في هذه الدول، وعدى التي كانت بحوزة التنظيم الإرهابي بشكل نقدي عند التنفيذ وستكون هذه أمانة بيد المخلصين، والقانون يعتبر بدايات حلول سليمة لأوضاع الضحايا الناجيات خاصة من ايزيديات ومسيحيات وتركمانيات وشبكيات (اتباع المذهب الشيعي) وغيرهن وكل ضحايا داعش من أطفال ورجال ونساء. وكان لمنظمة شلومو للتوثيق مع 24 منظمة مجتمع مدني أخرى دور مهم في تفعيل مشروع هذا القانون بالاستفادة من خبراء دوليين ومدافعين عن ضحايا الحروب والنزاعات بتقديم مواد تفصيلية لمشروع هذا القانون لمدة سنة تقريبا وكانت منظمة ژيان في أربيل مشكورة قد نظمت ورش عمل هذا المشروع المهم خلال سنة 2019.

كما لا بد من الإشادة بفريق التحقيق الدولي الخاص بجمع الأدلة والتحقيقات (اليونيتاد)  لمساءلة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام - داعش- حول الجرائم التي ارتكبوها بحق الضحايا وما حققه فريقها لأكثر من ثلاث سنوات (2018-2021) من نتائج مهمة بجمعها الأدلة الملموسة ميدانيا وماديا بالتعاون والتنسيق مع الدولة العراقية ومع منظمات المجتمع المدني المهتمة بهذا الأمر وأظهرت تقاريرها المستمرة  في مجلس الامن بشكل دامغ حجم الجرائم المهولة التي ارتكبت بحق ابناء شعبنا العراقي جميعا وبالأخص الأقليات الدينية والاثنية منهم ومن ضمنهم مسيحيو العراق، في مسعى لملاحقتهم جنائيا ومحاكمتهم على ما ارتكبوه بمحاكم عادلة ومختصة. والعمل لا زال جاريا والتعاون مستمرا بين المنظمات المعنية والدولة العراقية وفريق التحقيق الاممي لحين الانتهاء من مهامه بشكل كامل حول ملف الجرائم الخطير هذا والكبير بسعته والذي نسعى جميعا فيه إلى:

“جلب العدالة لضحايا جرائم داعش وجبر الضرر لهم بجلب الجناة من مجرمي داعش إلى العدالة”.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رئيس منظمة شلومو للتوثيق

عرض مقالات: