في الآونة الأخيرة، أعلنت مجموعة من المنظمات المدنية والقوى المجتمعية في العراق عن تشكيل تحالف جديد باسم (التحالف 188، لا لتعديل قانون الأحوال الشخصية) للمطالبة بعدم إدخال الإشكالات الدينية المختلف عليها في القانون المدني العراقي ورفض التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959. يعتبر هذا القانون أحد أهم القوانين المدنية في العراق، وقد شكل لسنوات طويلة أساساً للعدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع العراقي، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو المذهبية.
أكد (التحالف 188) الذي يحظى بدعم طيف واسع من المجتمع العراقي، أنه لن يدخر جهداً في معارضة التعديلات المقترحة على القانون. وقد شن التحالف حملة قوية تستهدف سحب مسودة مشروع القانون بشكل كامل. ويأتي هذا التحالف في وقت تسعى فيه بعض الكتل البرلمانية ذات التوجهات الطائفية إلى تعديل القانون بحجة أنها تتماشى مع المذاهب الدينية المختلفة. لكن الحقيقة هي أن هذه التعديلات تهدد النسيج الاجتماعي واستقرار الأسرة العراقية.
يتضمن التعديل في إحدى فقراته منح الزوج الأحقية في اختيار المذهب الذي يتم على أساسه عقد القران، مما يفتح الباب أمام تفسيرات دينية قد تكون غير منصفة. ينص القانون الحالي على أن للأم الحق في حضانة الولد وتربيته حال الزواج وبعد الفرقة، ولا تسقط حضانة الأم المطلقة بزواجها. بينما يسلب التعديل الجديد الأم حق حضانة الولد إذا تزوجت، ويمنح الولد المحضون حق الاختيار عند بلوغ السابعة من العمر، بدلاً من الخامسة عشرة.
التعديلات المقترحة لا تهدد فقط حقوق المرأة، بل تضرب في صميم كيان الأسرة، التي تُعتبر النواة الأساسية لأي مجتمع مزدهر. إدخال الوقفين السني والشيعي في قضايا الخلع والتفريق يعد خطوة نحو ترسيخ الطائفية في إدارة الدولة والقضاء، وهو ما يتعارض مع الدستور الذي نص على مدنية الدولة العراقية. هذا التعديل يعيد العراق إلى المربع الدموي الأول، ويفتح الباب أمام تفكك العلاقات الأسرية وتفاقم الخلافات والصراعات داخل الأسرة.
إن قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 النافذ، الذي يعتبر من أفضل القوانين في المنطقة، يجب أن يبقى بدون تعديل. القانون الحالي يضمن حقوق الجميع بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية، ويحقق العدالة والمساواة بين أفراد الأسرة. أي تعديل يهدف إلى تقليص هذه الحقوق يعتبر انتهاكاً صارخاً للمبادئ الدستورية والمواثيق الدولية التي صادق عليها العراق.
الدولة العراقية ملزمة بحماية الأسرة وتقوية روابطها، وهو من واجباتها تجاه المواطنين. يجب على الحكومة والبرلمان العراقي الاستماع إلى أصوات الناس، الخبراء، ومنظمات المجتمع المدني الرافضة لهذا التعديل. هذه التعديلات لا تخالف فقط الدستور، بل تشكل تهديداً خطيراً للنسيج الاجتماعي واستقراره. الحفاظ على وحدة الأسرة وتعزيز الاستقرار الاجتماعي هو السبيل الأمثل لبناء مجتمع قوي ومستدام.
المجتمع العراقي، بكل اختلافاته وانتماءاته، يجب أن يقف صفاً واحداً ضد هذه التعديلات. العراق ليس قندهار، ولا يمكن أن يكون تابعاً لدول الجوار في سياساتها الداخلية. الشعب العراقي يستحق قوانين عادلة تحترم حقوق الجميع وتعزز من وحدة المجتمع. يجب على الجهات المعنية تشريع القوانين التي تلبي احتياجات المواطنين وتحقق لهم العدالة والمساواة، بدلاً من التلاعب بالقوانين لأغراض طائفية وسياسية.
في ظل هذه التحديات، من الضروري أن يستمر (التحالف 188، لا لتعديل قانون الاحوال الشخصية) في حملته ضد التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية. يجب على المجتمع المدني، وأعضاء النواب في البرلمان، المنظمات الحقوقية، والأحزاب الديمقراطية في العراق أن تتكاتف للدفاع عن حقوق الأسرة والمرأة والطفل. الحفاظ على قانون الأحوال الشخصية رقم 188 بصيغته الحالية هو الضمانة الأساسية لحماية النسيج الاجتماعي وتعزيز العدالة والمساواة في المجتمع العراقي.