تحتفل الصحافة الشيوعية العراقية بمرور تسعة وثمانين عاماً على صدورها، تلك الصحافة الرصينة بمواضيعها، الملتزمة بخطها، والتي تسير على مبدأ حلم الناس وتوقهم للعدالة والحرية والمساواة. منذ صدور العدد الأول لجريدة «كفاح الشعب» في 31 تموز 1935، وبعدها توالت أدبيات من صحف وكراسات حزبية لنشر الوعي الثقافي والارتقاء نحو وطن حر وشعب سعيد. من بين القامات المؤثرة في الصحافة الشيوعية العراقية الكثيرة، يبرز اسم عبد الرزاق الصافي (أبو مخلص). رجل له مكانة عالية بين الرفاق، فهم الوضع الذي يمر به الحزب وكان يسعى دائماً لتحقيق التوازن بين العمل الصحفي والحزبي. كان أبو مخلص يعرف كيف يقدّر إمكانيات جيل الشباب، وكان يدفع بهم نحو دورات صحفية والعمل في صحافة الحزب، معززاً فيهم حب العمل الصحفي والوعي الثقافي والسياسي.
عبد الرزاق الصافي، شخصية لن تتكرر. عندما تلتقيه، تشعر بروحيته المرهفة وتواضعه السمح، والأريحية في طرح المواضيع، وروح الفكاهة التي تضفي نكهة مميزة على حديثه. كان يمتلك قدرة على رواية القصص والنكت بمحبة وهدوء، وكانت «حسچته» تعكس نكهة أهل الفرات الأوسط والجنوب. ذات مرة، سألت إحدى الزميلات في الجريدة، وكانت ترتدي الحجاب، «رفيق ما تتذكرني؟ أني أم فلان، عملنا معاً سنوات بالجريدة في السبعينيات، كان شعري أشقر وقصيرا!» نظر إليها مبتسماً، وأجاب بهدوء، «إيه، طلعي شعرك الأشقر، خلي أشوفه حتى أتذكرك.» حينها ضحكنا جميعاً، وكان ذلك دليلاً على روح الدعابة التي كان يتمتع بها أبو مخلص.
تعلمنا من العزيز أبو مخلص الكثير من خلال ملاحظاته وتوجيهاته الصادقة. كان يمتلك لغة جميلة وتصحيحا لغويا لافتا يمكنه من إيصال معنى الكلمة بطريقة يفهمها المتلقي. كانت تعليقاته دائماً بناءة ومليئة بالحكمة، مما ساهم في تطوير مهاراتنا الصحفية بشكل كبير. أبو مخلص كان محباً للشعر والفن، ويمتلك حساً ثقافياً كبيراً. كان يجمع بين الصحافة والأدب بطريقة مبدعة، ويحرص دائماً على أن تكون مقالاته ومشاركاته غنية بالمعرفة والثقافة. فقدته الصحافة الشيوعية والوسط الثقافي العراقي، لكنه ترك وراءه إرثاً من العمل الصحفي الملتزم والتوجيه الحكيم.
نعبر عن شكرنا العميق للرفيق عبد الرزاق الصافي (أبو مخلص)، الذي أثرى حياتنا المهنية والشخصية بتوجيهاته ودعاباته وحكمته. إن تجربته الصحفية الفريدة وشخصيته المميزة ستظل دائماً مصدر إلهام لنا، ولأجيال من الصحفيين الشيوعيين الذين سيأتون من بعده. شكراً رفيقي أبو مخلص، فقد كنت دائماً نموذجاً يُحتذى به في الشجاعة والتفاني والإبداع.