اخر الاخبار

تداولت حركة التنوير نشرات بجانب الصحافة العراقية ووسائل الثقافة وقراءة الخبر والمعالجة لكن ولادة جريدة بهوية تنبع من وسط الكادحين من أجل لقمة عيشهم جاءت بوقت جد مبكر بصدور أقدم صحيفة مازالت مستمرة الصدور حتى يومنا..

يومها وقبل حوالي تسعة عقود، كانت الجريدة تُنسخ بالأيدي لإعادة توزيعها وتعزيز نشر معالجاتها وموضوعاتها كجزء من عشق القراءة والدفاع عن الحق في الحصول عليها بوصفها مصدرا رئيسا للمعلومة والخبر. ومع خطى التطور التكنولوجي باتت هذه الإشكالية (الطباعية) بمكان بعيد بوقت صارت الطباعة والاستنساخ تتم عبر اتصال إلكتروني ليس أسرع منه أية وسيلة للتنقل.

في تلك العقود الخالية كانت الناس تتلهف للحصول على نسخها من الجريدة وفي أنحاء كثيرة من الأحياء الشعبية كانت الصحف متاحة لكن وكالعادة يمارس من بيده سلطة الأمر الواقع وسائله، لحجب جريدة اليسار طريق الشعب عن أعين جمهور القراء، بينما يتابع القراء السؤال والبحث حتى يصلون إليها..

يومها كان من بين وسائل الرد على تلك المحاولات يتمثل بعمل مضاعف لشراء كميات منها وإيصالها لقرائها بوقت مبكر من صباحات العطل التي يتمكن بعض رفاق التنوير من التفرغ للمهمة.. لم يتململ أو يتذمر أو يأتي من كان يوزع الجريدة أو يخشى عيون السلطة ومضايقاتها بل مطارداتها وقبل أن تصحو المدينة يكون قد أتم التوزيع؛ وما أبهى تلك الفعالية في ملامسة أفئدة محبيها وعشاق قراءة المصداقية والنضج والثقة برجاحة التناول ومهنيته.

كان الاحتفال بهذا العيد يأخذ موقعه كما أروع تلك الأعياد الشعبية الكبيرة بأعمق معاني الاحتفال من صلات روحية وفكرية تتبنى نهج التنوير وخدمة الإنسان في حقه بالحصول على ما تتوافر عليه الصحف وما تنهض به من مهام. ويوم انفتح العالم عبر وسائل التواصل الجديدة وبات قرية صغيرة بحق باتت الناس على اطلاع على تجارب أخرى بينها تجارب كرنفالات الصحافة ومنها وبمقدمها كرنفالات الصحافة الشيوعية كما مهرجان اللومانتيه المعروف عالميا وليس بحدود باريس وفرنسا بالإشارة إلى جهة تنظيمه صحيفة اليسار الأولى..

من هنا، تأكدت توجهات حاملي مشاعل صحافة اليسار وأخذت المبادرة استثماراً لنافذة من نوافذ ممارسة الأنشطة الجماهيرية بيومنا، حيث تتعاظم الحاجة لصنع مناسبات الفرح والاحتفال واللقاء بالناس عبر منصات كرنفالية؛ تعد جريدة طريق الشعب الأداة الأروع والأكثر استحقاقا بالنهوض بالمهمة كونها الجريدة الأعرق التي مازالت على الرغم من كل ظروف الصراع وتفاقمه ووصوله حد نيل من يعتقل بتهمة حمل الجريدة أو قراءتها أو توزيعها أشد العقوبات وأقساها..

ونهض كادر تلك الصحيفة بين صحف اليسار والديموقراطية لينظم كرنفالات الطريق السنوية بنسخها المتصلة المتعاقبة بوصفها وسيلة جديدة للاتصال الجماهيري من جهة وأداة تفعيل لتجديد اهتمام بالقراءة والعودة للصحيفة والعلاقة البنيوية السليمة بها من جهة أخرى.. فضلا عن التذكير بأهمية المتابعة اليومية من جهة والمقارنة بين الصحف واشتغالها وهوية الاشتغال بين جريدة تتمسك بالمصداقية والأداء المهني الأنجع وأخريات تستغل مناهج مختلفة نوعيا ولا تنتمي لواقع الناس وتفاصيل يومهم العادي..

إذن، عيد الطريق وصحافة اليسار يجسد معاني روحية وفكرية عميقة وكبيرة وهو يتخذ من تفاصيل العيد ومفرداته وسائل ممارسة لنشر المسرة والسعادة وكسر رتابة العيش وأشكال المعاناة وتلك الهنيهة ليست عابرة كونها ليست فرحة متوهمة بل هي في صميم بحث العراقي المعروف بنهم القراءة والارتباط بها والباحث عن غنى التنوع ونضج المعالجة مما تثريه به الطريق كونها منصة لقاء للعمق الفكري المعروفة به وللمواقف المبدئية التي تتمسك بالإنسان بوصفه الثابت الجوهر الأساس لمسيرتها..

لقد تحدثت مرارا عما يجابه الصحافة من عقبات في ضوء متغيرات العصر والظرف العراقي المعقد لكن الحديث عن كرنفال شعبي بالمعاني التي أشرتُ إليها يبقى منفتحا على كل ما يتمسك به الناس ويحرصون على المساهمة به عيدا ككل الأعياد في مفردات الأداء مضافا إليه دلالات فكرية سياسية واجتماعية نوعية تنتمي للعصر بكل ما يحويه معجم زمننا..

أود بالمجمل أن أتوجه بالتحية والتقدير لكل من قدم تلك التضحيات الجسام من أجل استمرار صحافة التنوير وحركة التقدم والأنسنة وأن أحيي جهود كل رفيقة ورفيق في صنع هذا الكرنفال السنوي والارتقاء به ليضم أوسع جماهير محبي الحياة الحرة الكريمة وتفاصيل مناهجها وأن أؤكد أن الكلمة لم تكن يوما مجرد حدث عابر في حياة الإنسان بل انبجست من بين الشفاه بوصفها الانفجار الأعظم في تاريخ البشرية وهي اليوم محور القوانين التي ينبغي أن تنظم الحقوق والحريات وتفاصيل مشهد الإنسنة ومن هنا كانت أقرب تيارات الصحافة للتمسك بكل ذلك هي عنوان احتفالية العام الجاري للرد على ما يتعرض له العراق وأهله وشعوب المنطقة والعالم من حملات مضللة ومخاطرها ما سيكون الرد هنا عبر توسيع المشاركة الشعبية بوعي وإيجابية بكرنفال الطريق.

دعونا نبدأ استعادة الروح والعقل وعلميتهما بأنفسنا وثقتي وطيدة بأن يكون اللقاء بالعيد في هذا العام كبيرا بحضوره كبيرا بدلالاته لأنه عنوان اختيار الناس وتصويتهم لكل ما يؤكد إنسانية الهوية والقيم والمبادئ ولنتفكر في استثمار منصة الكرنفال في حوار نوعي لا يقف عند مسيرة الصحافة وتياراتها ومناهجها بل ويذهب عميقا بمناطق تدعونا لتلك الحوارات الأغنى والأكثر ثراء ونضجا وكل عام وأنتم البهاء والإشراق ومزيد المجاح والسؤدد..