اخر الاخبار

لم يبقَ الكثير على موعد اجراء الانتخابات النيابية التي ارادتها القوى المتنفذة الفاسدة ان تكون غير مبكرة ووضعت الكثير من المعرقلات قبل تحديد موعدها المفترض ( الذي يمكن لهم تغييره في أي وقت ولأي مبرر)  وهي تعمل الآن على ترتيب اوراقها من اجل ادامة وجودها في البرلمان او ربما انتهت من مثل هذا الترتيب بالفعل.

 

ومن خلال نظرة سريعة الى دور هذه القوى الفاسدة في تقويض إرادة الشعب وعدم تنفيذ مطلبه بأن تكون هذه الانتخابات رافعة للتغيير، نرى هذه القوى برعت في تأخير انجاز متطلبات اجراء الانتخابات اولاً وسوّفت مطالب وشروط اجرائها ثانياً، فبعد ان تأخر إقرار قانون الانتخابات لأشهر عدة بحجة دراسته جيداً والاستجابة لمطلب الانتفاضة، (تبين لاحقاً) وجود عدة ثغرات فيه أهمها عدم وجود فقرة تشير الى حسن السيرة والسلوك للمرشح، وهذه الفقرة اعادت الفاسدين للمنافسة، وكذلك تداخل الحدود الإدارية للدوائر الانتخابية، فضلاً عن عدم استبدال المرشح في حال حدوث أي مكروه له، وتأخر بعد اقالة الحكومة السابقة انجاز تشكيل حكومة مؤقتة ذات صلاحيات واسعة لتدير عملية اجراء الانتخابات الحرة والنزيهة والبدء بمحاسبة الفاسدين وكشف القتلة ومعاقبتهم وغيرها من المطالب. وجرى لاحقاً خلاف قوي حسمته القوى المدنية الديمقراطية حول اختيار شكل المحكمة الاتحادية.

 ومنذ اندلاع الاحتجاجات في تشرين 2019 عجز مجلس النواب عن عقد أي جلسة فيها فائدة للشعب العراقي بتعمد من قبل قيادات الطغمة الفاسدة، وجاء قانون الموازنة ليكمل القبضة الحديدية على مقاليد السلطة كونه شرع لصالح هذه الطغمة وتحول الى قانون يتيح لها التحكم بموارد الدولة لإجراء الدعاية الانتخابية.

ولم تتوقف عمليات الاغتيال وترويع المحتجين وتغييب النشطاء والقمع الممنهج الحكومي لأي فعالية احتجاجية مروراً بما جرى في 25 أيار الماضي وصولاً الى رفع خيمة أم الوزني في كربلاء مؤخراً. ويطول الحديث عن الفلتان الأمني، وانتشار سلاح المليشيات التي تتحكم بها القوى السياسية المتنفذة، والتي تستعد بشكل او آخر الى جعل الانتخابات المقبلة مقبرة للديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وهي التي تتلاعب بملايين البطاقات الانتخابية الالكترونية المؤقتة ومفوضية الانتخابات ومكاتبها، وكذلك منعت ناخبي الخارج من المشاركة في الانتخابات، وشكلت أحزاباً رديفة، واخترقت الانتفاضة وقامت بتصفية ابرز ناشطيها، مع سعي محموم لتأجيج الوضع الطائفي.

من ناحيتها فأن الحكومة الحالية لم تنجز أموراً كثيرة يمكن ان يقال انها مهمة وهي وعدت بها لأثبات قولها انها ذاهبة الى ان تكون هذه الانتخابات حرة ونزيهة، لكنها كما يبدو الحال اضعف من ان تؤمن نفسها من خطر المليشيات والقوى الفاسدة التي تتحكم حتى بالقضاء.

إذن ما هي نتائج هذه الانتخابات، وهل ستكون حرة ونزيهة يتمكن فيها الناخب من الادلاء بصوته بصورة طبيعية، وهل ستتاح إلامكانية لمشاركة القوى الراغبة بالتغيير وازاحة طغمة الحكم الغاشمة الفاسدة؟.

إن جميع المعطيات أعلاه تؤكد بلا ريب، ان هذه الانتخابات لن تكون رافعة للتغيير، بل هي في جميع الأحوال لن تكون الا إعادة تدوير وجوه مقابل حصول من يدعي بتمثيل القوى المدنية والشعب على فتات الأصوات، وهذا لن يؤدي الى عملية التغيير الجذري الشامل الذي طالبت به الجماهير الواعية في انتفاضة تشرين العظيمة.

فهل يصح المشاركة في انتخابات لا تحقق المرتجى والمؤمل منها، واهم ما في ذلك العيش الكريم واحترام حقوق الانسان.

لم يتخلَّ الحزب الشيوعي العراقي يوماً عن المطالبة باجراء الانتخابات المبكرة وفق متطلبات المرحلة، فلا انتخابات شكلية لعودة الوجوه القديمة بل يجب ان تكون رافعة للتغيير بعد تنفيذ شروطها واشتراطاتها.

وظل الحزب وهو يهيئ أعضاءه ومناصريه للمشاركة في الانتخابات، يتحدث عن مشاركة مشروطة بتحقيق مطالب الانتفاضة، وتحدث حينها إمكانية مقاطعة الانتخابات في حال لم تتوفر الشروط المناسبة للمنافسة فيها.

وجاء بيان الحزب في 9 أيار الماضي ليصعد هذا الموقف ويؤكده وقد ورد فيه:

- فشل وعجز الحكومة واجهزتها الامنية ليس فقط عن الايفاء بوعودها ..... بل حتى عن الحيلولة دون سقوط المزيد من الشهداء.

-  في ظل هذه الاجواء المحملة بالمخاطر، لم يعد الحديث عن توفير اجواء مواتية لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، ..... الا ضربا من الخيال، وكلاما تدحضه الوقائع والاحداث يوميا.

- ..... وفي غياب هذه الشروط لن تكون المشاركة في الانتخابات الاّ تواطؤا لإعادة انتاج المنظومة السياسية ذاتها، المسؤولة عن الحال الكارثي الذي انتهت اليه البلاد.

- ..... نعلق مشاركتنا في الانتخابات على ما ستتخذه الحكومة والسلطة التشريعية من اجراءات حازمة ورادعة، لوضع حد لمسلسل الاغتيالات والجرائم الأخرى.

من المناسب هنا تجديد الإشارة إلى أن أسباب اندلاع انتفاضة تشرين لم تنته، بل تفاقمت وزاد الوضع سوءًا. كما أن ما قبل تشرين لن يكون مثل ما بعدها ليس من الناحية السياسية فحسب بل كذلك من النواحي  الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ولأن الانتخابات هذه المرة تختلف عن السابقة فهي تأتي في وقت حرج جداً، وبعد انتفاضة جبارة، وعلى واقع رغبة شعبية واسعة للتغيير.

 أن موقف الحزب الذي اتخذه في بيانه الاخير،  بعد اجراء الاستفتاء الداخلي للتنظيم، والذي جاء لصالح مقاطعة الانتخابات هو فعل سياسي إيجابي، وهو شكل من اشكال الضغط الشعبي لتحقيق الأهداف المطلوبة. والمقاطعة لا تسعى الى الغاء العملية الانتخابية، بل تهدف الى بناء أرضية لتغيير سياسي من اجل ان تكون الانتخابات ديمقراطية حقيقية.

ففي حال استمر الوضع كما هو عليه، من نمو نشاط فرق الموت المنظمة واستمرار تغييب الناشطين ودور المليشيات وقوى اللا دولة مع ضعف الإجراءات الحكومية واستمرار الإفلات من العقاب وتواصل القمع الحكومي للمحتجين، وجميع الإشارات تدل على ذلك، فأن البديل عن الانتخابات في هذه الحالة هو الاحتجاج السلمي الجماهيري الواسع الذي يفرض معطيات سياسية جديدة تكون قاعدة أساسية لبناء الديمقراطية السلمية وإعادة تكوين الدولة المدنية الديمقراطية على قاعدة العدالة الاجتماعية.

ان الخطوة الثانية التصعيدية التي تسبق الفعل الجماهيري الواسع هو الموقف السياسي (المقاطعة الإيجابية) يتبعها الفعل الجماهيري للقول بأن هذه الانتخابات لا تحقق الغاية بل هي وسيلة فقط، وبالتالي نزع الشرعية السياسية منها واستمرار الوقوف الى جانب الجماهير المكتوية بنار المحاصصة

عرض مقالات: