اخر الاخبار

يعتبر موقف الحزب الشيوعي العراقي من الصهيونية امتدادا تاريخيا لموقف الحلقات الماركسية التي نظمت أول مظاهرة ضد الصهيونية عبر نادي التضامن وقادها طلاب دار المعلمين وشارك فيها أكثر من 20 ألف داعم وتضامنا مع الشعب العربي الفلسطيني في 8 شباط 1928 أثناء زيارة وزير خارجية بريطانيا الفريد موند الصهيوني وصاحب وعد بلفور المشؤوم الذي قسم فلسطين ومهد لتأسيس الكيان الصهيوني (إسرائيل) إلى بغداد.

وقد نشرت جريدة الحزب المركزية كفاح الشعب عام 1935  ابتداءً من العدد الثاني العديد من المقالات التي تناولت القضايا العربية وخصوصا القضية الفلسطينية، وعلى الرغم من الهجوم الذي تعرض له الوطنيون والديمقراطيون والشيوعيون بعد انقلاب بكر صدقي، نظم الشيوعيون مظاهرة حاشدة في 16 تموز 1937 ضد قرارات اللجنة الملكية البريطانية التي شكلتها الإدارة الاستعمارية للتحقيق في أحوال الشعب العربي الفلسطيني والإضرابات التي عمت فلسطين، وكانت اللجنة المذكورة  قد خرجت بقرارات شكلت الأساس لتقسيم فلسطين والتأسيس لدولة الكيان الصهيوني ( إسرائيل ).

إن الحزب الشيوعي العراقي بقيادة الرفيق الخالد فهد ساهم في الكفاح ضد الصهيونية منطلقا من الموقف الماركسي من القضية اليهودية باعتبارها قضية دينية وليست قومية، وأن الحركة الصهيونية حركة رجعية توظف الدين لخدمة مصالح رأس المال ولشق صفوف الطبقة العاملة وتحويل الصراع الطبقي إلى صراع ثانوي مما يساهم في تقويض التضامن الأممي وتمزيق صفوف الطبقة العاملة.

وقد ساهم الرفيق فهد مساهمة كبيرة في فضح الصهيونية وتعريتها باعتبارها حركة عنصرية لا تختلف في ممارستها السياسية والفكرية عن الفاشية في التميز العرقي والعنف والإرهاب ضد الآخرين من مخالفيها ومعارضيها من العنصر البشري الآخر ووفق نظرية تفوق العنصر البشري، كقومية وشعب مختار، وتستخدم الخطاب الديني في تبرير ممارستها السياسية ولتوفير قناعات فكرية لاتباعها.

وانطلق الحزب في تحليله وتوصيفه للصهيونية بالفاشية من المنهج الماركسي باعتبارها حركة أيديولوجية رجعية، ولم يكن ذلك تحليلا سياسيا وحسب ولكنه قراءة فكرية لطابع الحركة الصهيونية الرامية إلى إبادة عرق معين واحلال محله مستوطنين قدموا من مختلف بقاع العالم وكذلك استخدامها العنف المفرط وتهجير السكان الأصليين من بيوتهم ومزارعهم ومدارسهم ومعاملهم، بالإضافة إلى التمييز العرقي والديني ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني واعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية.

إن الصهيونية تمثل مصالح رأس المال الامبريالي وهي ركيزة للدفاع عن مصالحه في المنطقة لذا عملت الامبريالية في فترة الاستعمار للتمهيد لولادة إسرائيل منذ وعد بالفور وقرار التقسيم في 1947 بالتعاون مع الأنظمة الرجعية العربية والوكالة اليهودية الدولية التي تمت أجازتها في العراق منذ 1919 لبث دعايتها الصهيونية بين أبناء الطائفة اليهودية في العراق وباقي البلدان العربية والشرق أوسطية.

ومع تعاظم نشاط الحركة الصهيونية في العراق وعلى ضوء اقتراح إحدى الخلايا الحزبية، شكل الحزب عصبة مكافحة الصهيونية التي كانت تضم في صفوفها الشيوعيين والوطنيين والديمقراطيين العراقيين، وأشرف على تأسيسها وكتابة نظامها الداخلي وبرنامجها السياسي الرفيق فهد، وساهم في الكتابة إلى صحيفتها (العصبة)، وكتب في مقالته في صحيفة العصبة عام 1946 (إننا في الحقيقة لا نرى في الفاشية والصهيونية سوى توأمين لبغي واحدة وهي العنصرية محظية الاستعمار. إن الفاشية والصهيونية تنتهجان خطين منحرفين يلتقي طرفاهما وتتشابه أهدافهما، وكل منهما نصبت نفسها منقذة وحامية لعنصرها، فالأولى بذرت الكره العنصري ونشرت الخوف والفوضى في أنحاء المعمورة وورطت شعوبها وأولعت بهم نيران حرب عالمية لم تتخلص أمة من شرورها. والثانية الصهيونية بذرت الكره العنصري ونشرت الخوف والفتن والإرهاب في البلاد العربية وغررت بمئات الألوف من أبناء قومها وجاءت تحرقهم على مذبح أطماعها وأطماع أسيادها المستعمرين الإنكليز والأمريكان) (1)

إن عصبة مكافحة الصهيونية منذ اليوم الأول لتأسيسها وتقديمها طلب الاجازة الرسمية إلى وزارة الداخلية12/9/1945 لعبت دورا هاما في التصدي للدعاية الصهيونية وجذبت إلى جانبها عشرات الآلاف من أبناء الطائفة اليهودية ودعت إلى مساندة الشعب الفلسطيني لمواجهة التقسيم وعدم القبول بقوانين التهجير التي سنت من قبل الحكومة العراقية وأرسلت رسائل إلى ستالين طالبته بوقوف الاتحاد السوفيتي ضد قرار التقسيم ، فقد أثارت بعملها هذا حفيظة وحقد الحكام الرجعيين وأسيادهم المستعمرين مما حدا بهم إلى شن حملة إرهابية ضد العصبة وسحب اجازتها ووقف صحيفتها من الصدور واعتقال قادتها وقيادة حزب التحرر الوطني وقيادة الحزب الشيوعي العراقي  (فهد وحازم وصارم ) في عام 1947 .

لقد أحدث قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني 1947 المعروف بقرار التقسيم والمرقم 181 (د -2) تغيرا جذريا في موازين  قوى الصراع في فلسطين بتصويت الاتحاد السوفيتي لصالحه والذي ينص انشاء دول يهودية على 78 بالمائة من الأراضي العربية الفلسطينية الصالحة للعيش والزراعة وتحتوي على الثروات المادية والمياه، بينما ترك للسكان العرب الفلسطينيين من أرضهم  22 بالمائة لإقامة دولتهم العربية، لقد كان تصويت الاتحاد السوفيتي لصالح القرار خروجا عن الموقف السابق للأحزاب الشيوعية العالمية والذي لا يعترف بتقرير المصير لليهود باعتبارهم ديانة وليس قومية ومفاجئا للرفيق فهد ورفاقه في قيادة الحزب الشيوعي العراقي الذين كانوا يرزحون في السجون، وعند قراءة رسالة الرفيق يوسف إسماعيل والتي  يوضح فيها موقف الحزب الشيوعي الفرنسي من قرار التقسيم والتي احتوت  على العديد من المغالطات التاريخية والموضوعية، أوقف الرفيق فهد في سجن الكوت الاستمرار في قراءتها حسب شهادة عزيز الحاج الذي قال إن الرفيق فهد أمتعض من محتوى الرسالة .

وأًصدر الحزب رسالة داخلية في كانون الأول 1947  بعد أيام من صدور قرار التقسيم أوضح فيه موقفه من التقسيم مشيرا إلى أن موقف الاتحاد السوفيتي سمح للقوى الرجعية التشهير به وبالحركة الشيوعية في البلدان العربية، مجددا التأكيد في النشرة على أن الحركة الصهيونية حركة رجعية دينية عنصرية، و أن الهجرة اليهودية ليهود أوربا لا تحل مشكلة اليهود بل هي غزو منظم تديره الوكالة اليهودية الدولية لإخراج السكان الأصليين الفلسطينيين من بلادهم، وأن تقسيم فلسطين مشروع امبريالي قديم يستند إلى استحالة مفترضة  للتفاهم بين اليهود والعرب ، وأن شكل حكومة فلسطين لا يمكنه أن يحدد الا من قبل الشعب الفلسطيني، الذي يعيش في فلسطين فعلا، وليس من قبل الأمم المتحدة او أي منظمة او دولة او مجموعة دول أخرى، وأن التقسيم سيؤدي إلى إخضاع الأكثرية العربية إلى الأقلية الصهيونية في الدولة اليهودية المقترحة، إن التقسيم وخلق دولة يهودية سيزيد من الخصومات العرقية والدينية وسيؤثر جديا على آمال السلام في الشرق الأوسط ، ولكل هذه الأسباب فإن الحزب الشيوعي يرفض بشكل قاطع خطة التقسيم. (2)

لقد أحدث موقف الاتحاد السوفيتي المؤيد للتقسيم هزة فكرية للقناعات والتحليلات الفكرية المبنية على النهج الماركسي الذي أنتهجه الحزب الشيوعي العراقي منذ تأسيسه عام 1934، والذي جسده في وثائق مؤتمره الأول عام 1945 من خلال مواقفه وتعامله مع المسألة اليهودية والقضية الفلسطينية والقضايا القومية العربية، وكان لابد من الحزب وقيادته التصدي لآثار هذا الموقف وانعكاساته على الجانب الفكري للمنظمات الحزبية التي كانت تخوض صراعا فكريا على جبهات عديدة ومنها:

1- الجبهة الداخلية: حيث أحدث موقف الاتحاد السوفيتي بلبلة وتشويشا في داخل الحزب وشجع العناصر التروتسكية والانشقاقيين إلى التعريض في الحزب والتشكيك في موقفه الماركسي من القضية القومية.

2- القوى الحليفة: من القوى الوطنية والديمقراطية التي استهجنت موقف الحزب واعتبرته خللا في استقلاليته ووطنيته.

3- القوى الرجعية الحاكمة وأذناب الاستعمار: التي استخدمت هذا الموقف للتشكيك في وطنية الشيوعيين والتشهير بهم واتهامهم في التبعية للسوفييت وشن هجوم عنيف على منظمات الحزب وقادته وقادة حزب التحرر وعصبة مكافحة الصهيونية.

وقد كتب الرفيق رسالة إلى قيادة الحزب من سجن الكوت 1/11/1947 قال فيها (أما عن قضية فلسطين فلم نتوصل إلى أكثر مما توصلتم عدا شيء واحد هو ذكركم لقومية يهودية في فلسطين فهذا ربما كان غير صحيح فكل ما في الأمر ان الاتحاد ربما قال بوجوب الأخذ بنظر الاعتبار بضع مئات الألوف من اليهود الذين سبق وأصبحوا من سكان فلسطين فهذا لا يعني أنهم قومية ولا يعني عدم الاهتمام بهم ومع هذا فليس هذه النقطة جوهرية في الموضوع.) (3)

لقد حاول الرفيق فهد في هذه الرسالة تبرير موقف الاتحاد السوفيتي باعتباره جزءًا من مواجهة المخططات الامبريالية في المنطقة ودعم للقوى التحرر الوطني، ولكنه أكد في نفس الوقت أن الحل الوحيد لهذه القضية هو الدولة الديمقراطية المستقلة وإنهاء الانتداب البريطاني وإخراج الجيوش الأجنبية من فلسطين، ودعا المركز القيادي للحزب للتشاور حول الموقف مع الاشقاء الفلسطينيين والسوريين.

إن موقف الحزب الشيوعي العراقي منذ تأسيسه حتى يومنا الحاضر التي تشن فيه إسرائيل حربها الجنونية على غزة ينطلق من الموقف الماركسي حول حق الشعوب صغيرها وكبيرها في تقرير المصير، وقد تضامن حزبنا مع الشعب الفلسطيني بمختلف الأشكال والوسائل وفق إمكانياته وقدراته وأقام العلاقات مع مختلف القوى السياسية الفلسطينية التي قدمت لحزبنا في وقت الحملة الفاشية 1978 يد العون والتضامن الأخوي وساهمت في تدريب وإعداد وتسليح العديد من الرفاق الشيوعيين في حركة الأنصار الشيوعيين في كردستان العراق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- د. كاظم حبيب.. د. زهدي الداوودي.. فهد والحركة الوطنية في العراق ص 340.. الطبعة الأولى 2003- دار الكنوز الأدبية – لبنان بيروت

2- حنا بطاطو -العراق ..الحزب الشيوعي العراقي - الكتاب الثاني ص257الطبعة الأولى 1992 بيروت مؤسسة الأبحاث العربية -عفيفة الرزاز

3-الرفيق فهد.. المؤلفات الكاملة ص 448.. منشورات الثقافة الجديدة -مطبعة الشعب - بغداد 1973

عرض مقالات: