اخر الاخبار

الكتاب عبارة عن مجموعة مقالات ودراسات كما عرّفها الكاتب:» أفكار حرة في السياسة والحياة». تمثل تجربته الشخصية سواء كانت معايشة أو قراءة، فقد اعتمد عشرين مصدرا في دعم آرائه.

وبدأ منذ أن كان العراق عبارة عن ولايات تابعة للدولة العثمانية وغياب الدولة العراقية حتى عام 1920، إلا أنه يؤكد بأن عدم وجود دولة في العراق لا يعني عدم وجود الشعب العراقي ويشير إلى التسميات التي أطلقت على العراق القديم:» بلاد ما بين النهرين، وأرض الرَّي، وأوروك، وبابل، وسومر، وأكد، ونينوى، وأرض السواد، ووادي الرافدين، وموسوبتميا.» وفاته أن يعرّف ماذا تعني هذه المفردة؟ وظهر أنها: (ميزوبوتاميا) نسبة إلى نهري دجلة والفرات ومعناها « بلاد ما بين النهرين» والتي تسمى « بلاد الرافدين» أيضا نقلا عما ذكره جوشوا. ج. مارك.

ولم يتناول معنى كلمة عراق وكما هو معروف أن السومريين لا يلفظون حرف العين، فيقولون إن هذه الأرض أراك أي ليست جرداء ومن هذه الأرض اشتق اسم العراق.  

وتناول العهد الملكي منذ تتويج الملك فيصل في 23/8/ 1921 ملكا على العراق. وذكر الكاتب إيجابياته وأبرزها: (توحيد ولايات بغداد والبصرة والموصل لتكوين وطن، الإفادة القصوى من الإنكليز كحليف، الحصول على الاستقلال الكامل للعراق).

ولا أدري لماذا حشر « بناء مجد العائلة الهاشمية بين هذه الأهداف»؟!  وربما أفضل منجز حققه فيصل الأول هو إنهاء الانتداب البريطاني ودخول عصبة الأمم المتحدة...وما ذكره عبد الرزاق الحسني حول اعتراف الملك فيصل بفشله في توحيد الشعب العراقي الذي كان يتكون من تكتلات بشرية بعيدة عن أي فكرة وطنية تشكل حقيقة واقعية نشأت لأسباب عديدة وبسبب الاحتلال العثماني الذي دام طويلا ولأسباب أخرى كثيرة... 

وتناول شخصية نوري السعيد، وعده شخصية مهمة في الحقبة الملكية في العراق ووصفه « ملك العراق غير المتوج» ويرى أن ولاءه كان للعراق أولا وللعائلة المالكة ثانيا، وللتاج البريطاني ثالثا. لكنه من جهة أخرى تناول مساوئه الكثيرة ومنها: اتهامه باغتيال توفيق الخالدي متصرف بغداد، لأنه كان يحمل أفكارا جمهورية، دخل في حزب التقدم لعبد المحسن السعدون لتخريبه من الداخل. مارس كل الأساليب القذرة ضد كل الناشطين السياسيين بمختلف الاتجاهات لأنها أحزاب تمثل الروح الوطنية «ولم تكن عنصرية أو دينية أو طائفية أو مناطقية». وكان له دور في إعادة محاكمة فهد (يوسف سلمان يوسف) و(محمد زكي بسيم) و(حسين محمد الشبيبي) و(ساسون شلمو دلال). في 14- 15- شباط 1949 وهم من قيادة الحزب الشيوعي العراقي. إضافة إلى كثير من الجرائم التي ذكرها الكاتب، ولذا ليس من المعقول أن يرتكب الكاتب أو غيره من المؤرخين خطأ جسيما بالإشادة بهذا المجرم بعد أن وصفه الشعب العراقي بأبشع الصور والأهازيج والذي لم يتجاوزها الكاتب نفسه فذكر « نوري السعيد القندرة وصالح جبر قيطانها».

وتناول المقدمات التي سبقت الثورات التغييرية في العالم ومنها الثورة الفرنسية وتطرق إلى تفاصيل كثيرة مهمة من الأحداث التي شكلت التراكمات التي مهدت لقيام الثورة ومنها كمونة باريس التي تعد أول ثورة اشتراكية في العالم وصولا إلى ثورة 14 تموز 1789 الفرنسية وعدد منجزاتها ومنها: اسقاط الملكية المطلقة وتأسيس الجمهورية، إلغاء النظام الإقطاعي، وفصل الدين عن الدولة والتحول إلى العلمانية، وغيرها.

ثم انتقل إلى الثورة البلشفية في روسيا، ومر على الحركات الثورية التي سبقتها، 23 تموز تمهيدا للتغيير الشامل الذي حدثت بدايته يوم 25 أكتوبر 1917.وتوج «بإسقاط النظام القيصري الاقطاعي وتأسيس نظام جمهوري شعبي»، وامتد نجاحه إلى بناء مجمع اشتراكي «وتأسيس الاتحاد السوفيتي والذي دام أكثر من سبعين عاما». 

ثم ينتقل إلى ثورة 14تموز 1958 بعد أن ربط بينها وبين ما حصل في العالم وفي الوطن العربي وخاصة في مصر في 23 تموز 1952 بقيادة جمال عبد الناصر، وما حدث في العراق ومنها حركة بكر صدقي عام 1936، وحركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941.

وأكد على الحرية المحدودة للأحزاب الوطنية طيلة العهد الملكي من 1921 وحتى سقوطه في عام 1958 والتي شملت الأحزاب المعتدلة والأحزاب اليسارية وخص بالذكر الحزب الشيوعي العراقي ومساهمته بوثبة كانون الثاني 1948 وانتفاضة تشرين الثاني 1952، وجبهة الاتحاد الوطني 1957، ويذكر الكاتب أن عبد الكريم قاسم قد أبلغ الحزب الشيوعي العراقي عام 1956 بنيته القيام بحركة وطلب اسنادهم، وكذلك أبلغه ومعه الحزب الوطني الديمقراطي يوم 11 تموز 1958 بموعد قيام الثورة. لثقته العالية بهاذين الحزبين.

أتفق تماما مع ما توصل إليه الكاتب من أن « ثورة 14 تموز 1958لم ترتق لتكون الثورة العظيمة» ولكنها « ثورة تحرر متكاملة شارك فيها الجيش والشعب، هدفها الأساس تحرير العراق من النفوذ الأجنبي، وتحقيق إصلاحات اجتماعية واقتصادية لصالح الفقراء والمحتاجين».

وفي مقال بعنوان (الحوار بين الفكر الديني واليسار) وحسنا فعل عندما استخدم كلمة (الفكر) ليبعده عن التطبيقات والممارسات التي لا تنتمي لهذا الفكر حسب رأيه وشخص بعض الأحزاب او التشكيلات المتطرفة التي استخدمت الدين وسيلة لوصولها، ودعا الأحزاب المدنية والعلمانية وبخاصة الحزب الشيوعي العراقي إلى خوض هذه التجربة وأشاد بتحالف (سائرون)، والمقال كتب قبل خوض الانتخابات وكان يأمل أن يحقق هذا التحالف نتائج مثمرة وسماها: «نصرا للاثنين» وفي الحقيقة لم يحقق هذا التحالف نصرا ملحوظا مما دفع نائبي الحزب للاستقالة من عضويتهما في البرلمان. وذكر نخبة من أعلام القادة الإسلاميين الذين نصروا الفقراء ولم يفد أحدهم من منصبه ماديا، ولم يفد عائلته أو أقاربه على حساب جمهرة الفقراء والمحتاجين. وهذا ذُكِرَ من قبل المفكرين والأدباء الشيوعيين وغيرهم وربما ما قاله الشاعر الكبير مظفر النواب خير مثال» أنبيك عليا ما زلنا نتوضأ بالذل... لو جئت اليوم لحاربك الداعون إليك وسموك شيوعيا».

وتضمن الكتاب مجموعة مقالات كتبت ونشرت بين عام 2013 و2022 ماعدا مقالين كتب الأول في عام 2006 وهو عبارة عن مقترح مهم جدا وهو « إعادة تشكيل الجيش الوطني العراقي « دعا فيه إلى ضرورة إعادة قانون الخدمة الإلزامية لكل من بلغ 18 سنة من الشباب وأضاف إليه من النساء أيضا، ويشمل كل العراقيين بعيدا عن القومية والطائفية، الفقر والغنى، والعشائرية والحزبية. والثاني في عام 2007 وتناول فيه: حقوق الأكراد وسلامة العراق». ولم أجد أي مقال في هذا الكتاب نشر عام 2015 وأيضا في 2019 والغريب أن في هذا العام حدثت انتفاضة تشرين، ومع ذلك هناك إشارات إليها في مقالاته الأخرى.

وجدت في هذه المقالات كثيرا من الأفكار والمقترحات المهمة جدا، وجلها لها علاقة كبيرة في معالجة الوضع المتأزم والفاسد والمتراجع كثيرا عما يصبو إليه المواطن وما يعانيه من أزمات مستفحلة نشأت منذ الاحتلال ثم استفحلت مع الحكومات الفاسدة المتعاقبة على حكم العراق الجريح، وفي ظل غياب الحلول الصحيحة للأزمات ومنها: دور المواكب الحسينية وتاريخ الكثير منها وظف ضد الحكام الظالمين وفي الدفاع عن المواطن المظلوم وتحويل شعاراتها إلى مطالب حقيقية لرفع الظلم عن الشعب العراقي.

ومعالجة مشكلة الموارد المائية وضرورة الاهتمام ببناء سدود ونواظم وخزانات، وصيانة أو تجديد ما صار باليا، بدلا من أن تذهب لشط العرب ومنه إلى الخليج...

ودعا إلى ضرورة التخفيف عن اللامركزية في الحكم، وتقوية الدور المركزي، ولم يكن إلى جانب استمرار مجالس المحافظات وضرورة إيقافها لخمس سنوات على الأقل.     ونبذ أن تتشكل الأحزاب على أساس طائفي أو قومي وأن يمنع ارتباط أي حزب عراقي بطرف أجنبي. إضافة إلى فصل الدين عن الدولة.

وطالب بالبديل السياسي المناسب في العراق ووضع كثيرا من مقومات هذا البديل. بعد أن عجزت كل البدائل التي جاءت بعد الاحتلال عام 2003 والتي زرعت أمراضا مستعصيا لا يمكن علاجها بالترقيعات الشكلية التي لا تمس المشكلات المستعصية. ويبدو أن جميع المحاولات لم تكن جدية أو جذرية. ولم يعد بإمكان تقديم برامج عملية لحلها.

ودعا إلى إيقاف كل المليشيات الرسمية أو التابعة لأحزاب أو شخصيات بدون موافقات والتي سببت في عرقلة دور القوات المسلحة الوطني.

وعد مقاطعة الانتخابات البديل الأضعف. ولم يستخف بموقف الشيوعيين والصدريين في المقاطعة ويرى من الضروري تداول هذا الموضوع معهما. لكنه نسي أن المقاطعة شملت أكثر من 80 بالمائة من الشعب العراقي بغض النظر عما أعلن رسميا وهو 60 بالمائة وهي نسبة كبيرة لا يستهان بها.

هذه الملاحظات وغيرها وطبيعة دراستها جعلتني أتمتع بقراءة هذا الكتاب كثيرا، وأحترم كل الآراء والأفكار والمقترحات بغض النظر عن اختلافي أو اتفاقي معها ... لكني أجد من الضروري قراءة هذا الكتاب من قبل كل الحريصين على مستقبل العراق السياسي.

عرض مقالات: