اخر الاخبار

كلما أوغل التأريخ بيوم الرابع عشر من تموز عام 1958 كلما تجلت الأهمية التاريخية للفعل الثوري الذي نفذته كوكبة من ضباط ومراتب الجيش العراقي، بمساندة الشعب وقواه الوطنية وفي مقدمتهم الحزب الشيوعي العراقي الذي شكل الجيش السياسي للثورة، حيث تمكن أولئك الأشاوس وعلى رأسهم ابن الشعب البار عبد الكريم قاسم وفاضل عباس المهداوي ووصفي طاهر وعبد الكريم الجدة وجلال الأوقاتي وماجد محمد أمين وداود الجنابي وغيرهم، تمكنوا من اسقاط النظام التابع للإمبراطورية البريطانية، وحولوا العراق من مستعمرة بريطانية يديرها المندوب السامي، إلى جمهورية مستقلة وذات سيادة، ثم واصلوا تحرير العراق من حلف بغداد ومن الارتباط بالنقد الاسترليني ومنع شركات النفط من التنقيب في حوالي 98 بالمائة من أرض العراق، وسن قانون الإصلاح الزراعي وتوزيع آلاف الأراضي على الفلاحين وانهاء دور الاقطاع وظلمهم، وبناء مئات المستشفيات والمدارس وتوزيع آلاف الدور وقطع الأراضي، وسن جملة من القوانين الوطنية مثل قانون الأحوال الشخصية، وكانت قيادة الثورة تحضر لأجراء انتخابات لمجلس وطني، بغية التحول إلى الحياة المدنية وحل مجلس السيادة، ولو قدر لحكومة 14 تموز البقاء والاستمرار في مسعاها لبناء العراق لجعلت منه بلداً يثير الفخر والاعتزاز، بيد أن مؤامرات الاستخبارات الأمريكية والانكليزية وبقايا الإقطاع وبعض رجال الدين الكبار وحزب البعث الفاشي، تمكن هذا الحلف القذر من وأد ثورة الشعب وقائدها وأنصارها.

بيد أن الثورة تركت لنا دروسا بليغة من أهمها:

1- أهمية الاتفاق والتنسيق بين الجيش الجماهيري وقسم من طلائع الجيش الوطنية، الأمر الذي يسهل عملية تحقيق الانتصار على قوى النظام، كون انحياز قسم من الجيش مع المنتفضين، سيعطيهم زخما معنويا وقوة على الاستمرار حتى النصر.

2- استمرار الثورة في تحصين ذاتها والقضاء على إمكانية الانتكاس والردة، وهذا ما تلكأت به ثورة تموز ويجب أن لا يغيب عن البال في ثورة الشعب التي تطرق الأبواب.

3- الاعتماد على الشعب والثقة به في الدفاع عن الدولة والثورة، هذا ما لم يعمل به زعيم الثورة لشديد الأسف رغم حبه المعروف للشعب والوطن، ولم يعط السلاح للجماهير التي تهتف في باب وزارة الدفاع وتريد السلاح للدفاع عن الثورة، وهذا من دروس 14 تموز ما يفيد الثوار في الاعتماد المطلق على الشعب أولاً.

4- عدم التهاون في عقاب من يتطاول على ثورة الشعب، واعتماد مبدأ عفا الله عمى سلف كان ضاراً، واستثمره أعداء الثورة وخصوصاً البعثيين، الذين لم يجر عقابهم كما ينبغي، وهذا الدرس يجب وضعه في الاعتبار في أيام الثورة القادمة.

5- عدم السماح للتدخل الخارجي في شؤون العراق، كان من المبادئ الرئيسية لحكومة 14 تموز وكان خلاف الزعيم قاسم مع عبد السلام عارف والبعثيين هو حول تدخل جمال عبد الناصر، ولم يترك المجال لشاه إيران يكون وصياً على شيعة العراق، لذلك أصبح هدفاً لهذه الجهات، وهذا الدرس من حكومة تموز يجب ان يكون في الاعتبار لأهميته، لأننا قطفنا الثمر المرّ من تدخل إيران وغيرها لاسيما ونحن في وضع مخاض ينذر بولادة نظام جديد.

6- الموقف الواضح من القوى السياسية والأحزاب الفاعلة في ساحة البلاد، والموقف الواضح من القوى الديموقراطية واليسارية عموماً ضروري في تحديد السياسة الداخلي للبلاد لأنه يتجلى في السياسة الخارجية للدولة، مع الأسف لم يكن موقف قيادة الدولة منحازاً لقوى معينه بل كانت التوفيقية ومحاولة كسب رضا الجميع أو مداراة جانب على حساب الجانب الآخر مما أربك الرؤى في العلاقات السياسية، وفسح المجال لأعداء الثورة للنيل منها، وهذا الدرس من حكومة ثورة تموز يضع على عاتق  القوى المتصدية للتغيير الشامل بالعراق ان تأخذه بكامل الاعتبار .

عرض مقالات: