اخر الاخبار

لم يكن مفاجئا ــ على الأقل لجماهير القوى المدنية ــ إقدام القوى السياسية المتنفذة في البرلمان العراقي على إلغاء يوم الرابع عشر من تموز، كيوم وطني للاحتفاء بانطلاقة الثورة التي أطاحت بالنظام الملكي، رغم كل جبروت قوى (حلف بغداد). فهذا الاجراء  يتوافق منطقيا مع طبيعة القوى التي تقود البلاد وتعتقد ان (دارها مأمونة)، مثلما كان الطاغية نوري السعيد يردد عشية إقدام الضباط الاحرار الشجعان، بقيادة الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم، بحركتهم، التي مهدوا لها بالاتصال بالقوى السياسية التي تنشد التغيير، مما جعلها، من الساعات الأولى ، تحظى بدعم شعبي حولها إلى ثورة حقيقية تعززت بإعلان النظام الجمهوري، وتحقيق إنجازات مهمة خلال سنوات قصيرة من عمر الثورة، منها الخروج من منطقة الإسترليني، قانون شركة النفط الوطنية، قانون الإصلاح الزراعي، قانون الأحوال الشخصية، وغيرها من القوانين التي عززت استقلال العراق السياسي والاقتصادي.

حين أقدمت قوى المحاصصة الطائفية والاثنية، على خطوتها، التي لاقت اعتراضا من شريحة كبيرة من أبناء شعبنا، ولأجل خلق فتنة اجتماعية وطائفية، فهل يظنون ان الأمور تدوم لهم و(الدار مأمونة)؟ هل يتناسون بأن الجمر تحت الرماد وان كل أسباب اندلاع انتفاضة تشرين الباسلة عام 2019 ما تزال قائمة، بل واضيفت لها أسباب جديدة؟ هل يظنون حقا أن يوما تاريخيا تجذر في ذاكرة أجيال عديدة، بكل المعاني المشرقة التي يحملها يمكن محوه بقرار من قوى محدودة، لا تمثل كل الشعب، وان امتلكت زمام قرار التشريع في غفلة عن التأريخ ووصلت إلى سدة الحكم والبرلمان وفق قوانين الانتخابات المجحفة التي سنوها بأنفسهم لإدامة وجودهم؟

يخبرنا تأريخ العراق، الحديث، ولا زال طريا في ذاكرة أجيال عاصرته، من ان المشير عبد السلام عارف، هاوي الانقلابات حاول الترويج كثيرا لما سمي بـ (عيد الشجرة)، الذي سن أيام النظام الملكي، كمحاولة للتغطية على عيد النوروز، الذي يحتفل به أبناء شعبنا الكردي، يوما قوميا، والذي يسميه أبناء شعبنا في مدن الجنوب (يوم دخول السنة)، ولن ننسى امهاتنا وهنّ يملأن البيوت بالزرع واغصان الأس، ومن لا ترد في باله الآن قصيدة مظفر النواب ... (يا دخول السنة بملگاك ...)؟!

وحاول الجنرال المزيف ابن العوجة، صدام التكريتي، الغاء صفة (العامل) عن آلاف العمال في المؤسسات الحكومية، وذلك بإصداره قرارا عام 1987، قضى فيه بتسميتهم (موظفون)، كمناورة لمنعهم من تشكيل أية نقابات عمالية، قد تطالب بحقوقهم وتثير مشاكل ما لنظامه.

أليس معروفا مصير مساع المشير والمجرم صدام واجراءاتهما القرقوشية؟ فما الذي يعتقده سياسيو المحاصصة الطائفية والاثنية، بقرار إلغاء الاحتفاء بثورة 14 تموز بوصفها عيداً وطنياً؟ هل يمكنهم اقتلاعه من ذاكرة أجيال من أبناء العراق؟

في أساطير وادي الرافدين، يهاجم خنزير بري، تموز أثناء وجوده في رحلة صيد، ويقتله، لكن قدر تموز أن يعود للحياة وينهض من موته كل عام، في أيام الربيع الأولى، وبهذا أصبح رمزا للخصب فأمتلك محبة قلوب العراقيين من عهد سومر وأكد وآشور وبابل. في الرسوم البابلية نجد تموز يقف وخلفه وعلان يتعاركان بحماس وفحولة وثمة نخلة سامقة تعبيرا عن الخضرة وبهاء الحياة، فمن آلاف السنين عاش تموز مع العراقيين معادلا لخصب لحياة وبهائها، فهو المخلص الذي ينتظرونه كل ربيع، فدخل اعتقاداتهم الروحية ونصوصهم الأدبية من اساطير واغان وملاحم.

هل ثمت حاجة للهمس بأن الربيع قادم رغم كآبة الخريف وقسوة الشتاء، وان حصان جواد سليم لابد ان يترجل عن جداريته ليملأ العراق صهيلا، من أجل نهوض تموز، من أجل بهاء الأرض وإحياء الكائنات والطبيعة!

عرض مقالات: