اخر الاخبار

الوسطاء الدوليون والاقليميون في السودان، وبعد أن حلوا محل مؤسسات المجتمع الدولي الرسمية وجعلوها مجرد أدوات لتقديم المساعدات الانسانية ورصد الانتهاكات، في الحرب السودانية، أخذوا يكيلون بعدة مكاييل، بهدف تحقيق أهداف سياسية بعيداً عن مقتضيات تحقيق العدالة المنصوص عليها في المواثيق الدولية. فتجدهم برغم كل ما حدث من جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب ارتكبتها قوات الدعم السريع، أو حدثت نتيجة قصف طيران الجيش لمراكز القوات المتمردة ومنصاتها المنصوبة داخل المنازل والأحياء السكنية، يدفعون بأن يكون مستقبل الانتقال في السودان عبر شراكة بين القوى المتحاربة والمدنيين. والانتهاكات المرصودة، والتي صدرت بها عقوبات من جهات دولية مثل وزارة الخزانة الامريكية وتدهور الحالة الانسانية غير المسبوق، سوف يتم استخدامها للضغط على الجميع حتى لا يحيدون عن المصالح الدولية. فقوات الدعم السريع تعلم انه لن تستطيع مواجهة جيش دولة يمكنها ان تشتري السلاح من السوق العالمي او من خلال اتفاقيات دفاع مشترك مع دول اخرى، في حين لن تستطيع أن تحصل هي على أسباب القوة إلا في السر. وان الدولة التي تساعدها يجب ان تخضع للعقوبات الدولية، عكس ما يحدث الآن، ولذلك هي تستفيد من المساواة بينها وبين الجيش في مصطلح طرفي الحرب الذي أطلقته القوى الدولية على القوتين منذ اندلاع الحرب. وهي تعلم أن هذا الموقف يمكن ان يتغير في اي لحظة إذا حاولت ان تلعب دوراً غير المرسوم لها في خارطة المصالح الدولية بالضغط على الجيش حتى يقبل بمشاركة القوى المدنية ويمتنع عن وضع العراقيل في طريقها وان يعلن رسميا ابتعاده عن فول النظام السابق. ويتم استخدام القوة العسكرية في الطرفين للضغط على القوى السياسية المدنية لشل تذبذبها باتجاه مطالب الجماهير، او محاولاتها لأن تلعب دوراً وطنياً لمقابلة الدعاية السياسية التي لا مناص من أن تواجهها من قبل قوى الثورة الحقيقية. وتشهر القوى الدولية في وجه الأطراف الثلاثة بأنهم لا يمثلون الشعب وانه مجرد ديكور من تقديم مراكز صناعة القرار العالمية، وان رفع الغطاء الدولي عنهم يعني مواجهتهم ثورة شعبية لا قبل لهم بها.

 لتحقيق هذا التوازن لا تميل القوى الدولية لتطبيق المعايير المعلنة والمعتمدة في المواثيق الدولية، لأنها سترتب عليها التزامات لا تستطيع القيام بها بسبب التوازنات التي تحكم العالم، وفي نفس الوقت لا تستجيب لمصالحها. ولذلك تفضل بعض الدول التوسط في الأزمة بدلا من تطبيق القانون الدولي الانساني. وحتى تضمن ان لا يجيء الانتقال لمرحلة ما بعد الحرب في شكل تحول وطني ديمقراطي بسياسات مالية واقتصادية تختلف عن تلك التي سارت عليها حكومة الفترة الانتقالية الاولى وعارضتها قطاعات شعبية واسعة. فالخبراء الدوليون يريدون أن يقولوا لنا انه لا يوجد طريق آخر لتجاوز حالة الاقتتال التي نعيش فيها غير الذي ترسمه لنا مؤسسات التمويل العالمية وفق شروطها التي لا تستجيب لمصالحنا ولا تعنيها في شيء. وأننا، طال الزمن أم قصر، سنأتي لهذا الطريق مجبرين بسلاسل الامتحان طالما أننا رفضناه بقلائد الاحسان، وعن طريق المعونات والدعم الاجتماعي. بعد تجريب ويلات الحرب التي جعلت قوى الثورة بين نازح ولاجئ. ولم تضع أمام الجميع من خيار آخر غير المطالبة بوقفها وبأي ثمن. في سبيل ذلك تخلت القوى الدولية التي تتوسط الآن في الشأن السوداني، وتتبعها جل القوى السياسية والمدنية السودانية، عن مطلبها القديم المتمثل في حل مليشيا الجنجويد، والذي كان سبباً في فشل كل جولات التفاوض بين حكومة البشير وحركات الكفاح المسلح. وبين عشية وضحاها اعتبرتها طرفا في النزاع وشريكا في الانتقال، فيا سبحان الله. او كما تقول بعض المذاهب السنية (من قويت شوكته، وجبت بيعته).

عرض مقالات: