اخر الاخبار

في ظل النضال ضد الأزمة الشاملة التي يعاني منها نظام المحاصصة والفساد، ومع تنامي الوعي الجمعي بضرورة تغيير الحال، وتصحيح مسار العملية السياسية، بشكل تحل فيه الهوية الوطنية الجامعة محل المحاصصة، وتصان فيه السيادة، وتضمن مستويات مناسبة من تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية والحريات العامة والخاصة، وتحمى الثروة الوطنية وتستثمر لخدمة جميع العراقيين، وتزامناً مع تطور وتنوع أشكال الحراك الشعبي المعارض، الذي يخوضه أبناء العراق من كل الأطياف الإجتماعية والفئات الطبقية، ومع إقتراب موعد الإنتخابات البرلمانية المبكرة، والتي أيقنت قطاعات جماهيرية واسعة، بعدم جدواها أو تعليق أي آمال عليها، الا إذا ما توفرت الشروط الضرورية لإنجاحها، والتي بادر الحزب الشيوعي العراقي إلى تشخيصها، بدأ الزعيق مرة أخرى ضد الحزب، سواءً في عودة الإسطوانة المشروخة التي تحاول تشويه موقف الشيوعيين من الدين وتسعى لتكفيرهم، أو في نبش الماضي وتزوير الأحداث والمواقف التي أعقبت ثورة 14 تموز 1958.

ويتوقع أصحاب هذا الزعيق المقرف والمكرر، للأسف، النجاح في تسويق بضاعتهم الفاسدة، عبر إستغلال إنشغال الناس بهمومهم المعاشية الصعبة وعزوفهم عن الإهتمام بالأمور السياسية المباشرة، أو عبر الإعتماد على تقادم تلكم الأحداث وضعف الذاكرة جراء ظروف التخلف الإجتماعي الذي كرسته حروب وجرائم النظام البائد، والذي عمقه ووسعه نظام المحاصصة والفساد.

وإذا كان طبيعياً أن يأتي هذا الزعيق من بوق أمني، لم يحتمله حتى أسياده البعثيون فطردوه من الخدمة لإسباب لا تشّرف أحداً، فإن المثير للدهشة والسخط، مشاركة قناة الدولة في هذا الزعيق، عبر إفتعال لقاء مع أحد الديناصورات البعثقومجية، ليشتم الشيوعيين بإعتبارهم معادين للدين، ولإنهم قتلوا “ظلماً” نفراً من المختلفين معهم في الموصل إثر حركة الشواف.

ورغم دهشتي من هذا اللقاء، فقد واصلت الإستماع لهذه الشتائم وبعض العنتريات، معتقداً، أو موهماً نفسي، بأن القناة لم تستضف هذا المواطن، كي يشتم فصيلاً وطنياً، بل لأن له ربما، مساهمة مهمة في تاريخ البلاد، وإن حديثه عن خطأه مفيد للأجيال الجديدة. لكن خيبة أملي تضاعفت حين إعترف الرجل بإنه كان مجرد ملازم في الجيش ولم يكن له أي دور يذكر حينها، ماعدا الوشاية بالعسكريين من شيوعيين ووطنيين وديمقراطيين!

فإشتدت حيرتي! إذن، لماذا نستضيفه ونصرف على هذه الإستضافة غير المجدية مالاً (فالقناة تُمّول من ثروة العراقيين) وجهداً ووقتاً، ونساهم بتشويه التاريخ وتبييض صفحة جلادي شباط الأسود، الذين ينص دستور البلاد على تجريمهم؟!

ورغم يقيني بأن هذا الزعيق سيلقى مصير حملات سبقته وذهبت أدراج الخزي، فيما بقي الشيوعيون زهوراً على صدور العراقيين ونبضاً لقلوبهم الطيبة، وددت الإشارة لنقاط سريعة، قد تهم منصفا ما، باحثا عن الحقيقة:

  • يميّز الشيوعيون دوماً، بين الدين كمعطى ثقافي وحضاري وتراثي محترم، وكحاجات روحية مقدسة للأفراد بشكل عام، وبين الفكر السياسي الديني، الذي يطرح نموذجاً ومثالاً للسلطة، ويسعى لتأطير المجتمع بكل السبل المشروعة ـ وأحياناً غير المشروعة ـ لكي تُقبل سلطته. وهنا يتعامل الشيوعيون بكل إحترام مع الدين والمتدينين، في ذات الوقت الذي يخوضون فيه صراعا ديمقراطياً سلمياً مع الفكر السياسي الذي يتلفع بعباءة الدين، ويطرحون خلال هذا الحراك السياسي، تصوراتهم حول إدارة البلاد، بشكل يخدم أبناءها. وقد أثبتت تجربة السنوات الماضية، حق الشيوعيين وغيرهم في الكفاح ضد الأزمات الشاملة التي أوقعت قطاعات واسعة من اصحاب هذا الفكر البلاد فيها.
  • إن كثيرا من المتدينيين يستمدون من الدين مبادئ العدالة والخير، وقد ينخرطون في العمل السياسي والنضال الوطني الديمقراطي،على أساس تلك المباديء، دون أن يدعوا إلى نموذج سياسي مبني على أساس الإيديولوجية الدينية، ودون أن يطالبوا بدولة الخلافة أو الإمامة، رغم كونهم متدينيين. ومن ضمن هذا الجمهور نجد رجال الدين المتنورين الذين يجدون توافقاً فكرياً في دعوتهم للإصلاح الديني، وإنخراطهم في العمل السياسي داخل أحزاب وطنية ديمقراطية، كالحزب الشيوعي العراقي. وكذلك إنخراط غالبية الفلاحين المتدينين في النضال، ولهذا فالحركات الدينية تختلف عن جمهور المتدينين وتسعى لطرح نموذج أخر للتدين.
  • إن من أبرز ما يؤخذ على الشيوعيين مقولة ماركس (الدين أفيون الشعوب)، التي نجح الخصوم في تشويهها وإجتزائها، فهي تشير في الحقيقة، إلى التأثير الإيجابي للدين على الفرد في مجتمع يكون الإنسان فيه مضطهداً. وتعتبر الدين عزاءً يعوض المضطهد نفسياً عما فقده بسبب إضطهاد المستغِلين له في الحياة الإجتماعية. أي أن الدين هو زفرة المضطهدين في ذلك العالم، كي لا يختنقوا، زفرة يمكن أن تكون حلما بالعدالة في المخيلة إذا ما غابت عن الواقع.
  • رغم عدم مسؤولية الحزب عن أخطاء حدثت بشكل فردي، إبان تفجير ثورة 14 تموز المجيدة، أو دفاعاً عنها في ما بعد، فقد أدان الشيوعيون هذه الأخطاء وإعتبروها، مخالفة لمنهجهم الإنساني وأخلاقهم الأصيلة، التي شهد لهم بها كل العراقيين، وعلى مدى عقود طويلة.
  • غير إن حدوث هذه الأخطاء الفردية، لا يبرر الجرائم البشعة التي إرتكبها دواعش تلك السنوات، وكانت الأخطاء، التي أشرنا لها، رد فعل غير سليم عليها. فكم شيوعي تم إغتياله في الموصل، وكم عائلة تم تهجيرها، وكم عرض إنتهك ونساء سبين وأموال نهبت. ثم ألم يستكمل هؤلاء الدواعش جرائمهم بعيد إنقلابهم الأسود عام 1963، وطيلة أربعين عاماً جثموا فيها على صدر بلادنا وقتلوا وشردوا وعذبوا طلائعها وأبناءها الخيرين، من شيوعيين وإسلاميين وديمقراطيين ووطنيين، فلماذا يتم التركيز على ردود فعل بعض الضحايا ضد قتلة محترفين، أدمنوا الإجرام؟ أسئلة برسم كل منصف يريد أن يستجلي الحقيقة، لأنه هو من يهمني وليس أي حاقد موتور، فأنا مدرك بأن الحقد يحرق مستبطنه فقط، عاجلاً أو آجلاً
عرض مقالات: