اخر الاخبار

ضمن الاختصاصات التي وردت في قانون المحكمة الجنائية الدولية، التي تم تشكيلها في الأول من تموز من العام ٢٠٠٢ انها تقوم بالتحقيق وإصدار قرارات الحكم فيما يخص جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحروب والجرائم ضد الإنسانية، وتنظر هذه المحكمة التي تتشكل من خمسة عشر قاضيا من دول مختلفة تميزوا بالجدارة والإمكانيات القانونية والنزاهة والسمعة القضائية الجيدة، أن تنظر أيضا في قضايا النزاعات القانونية بين الدول الأعضاء التي يتم عرضها امامها، وتنظر هذه المحكمة في القضايا والجرائم التي تحدث بعد قيامها في الأول من تموز ٢٠٠٢ ، أي أنها لا تشمل الجرائم باثر رجعي، وأيضا أنها تعمل بعد ان تبدي المحاكم الوطنية لأي بلد رغبتها او عدم قدرتها على انجاز التحقيق والمحاكمة في مثل تلك الجرائم .

وحين تم طرح مشروع قانون المحكمة الجنائية في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام ١٩٩٨ وتم التصويت عليه من قبل ١٣٠ دولة وامتناع ٢١ دولة عن التصويت، كان من بين أبرز تلك الدول التي امتنعت عن التصويت الولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل والصين والعراق وقطر وليبيا واليمن، وظهرت المحكمة إلى الوجود الفعلي في الأول من تموز ٢٠٠٢.

إن ما يحدث من جرائم الإبادة الجماعية وضد الإنسانية التي ترتكب من قبل الجيش الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة يمثل انعكاسا واضحا لاستمرار تلك الجرائم أمام انظار المجتمع الدولي، وتأكيدا على خطورة تلك الأفعال الاجرامية إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي ( بنيامين نتنياهو ) الاستمرار في ارتكاب تلك الأفعال، وما يمثله من سابقة خطيرة في الإصرار والتحدي لارتكاب الجرائم، ما يستوجب من المدعي العام للمحكمة الجنائية ان يفتح تحقيقا سريعا لخطورة الجرائم التي تطال المدنيين وتحاصرهم بقصد إبادتهم وقتلهم بشتى الوسائل والسبل العسكرية والنفسية، ومن خلال القصف العشوائي لبيوت المدنيين ومن خلال محاصرتهم وقطع الغذاء والماء والدواء عنهم، ومن خلال تشريدهم وابتعادهم عن مناطق سكناهم .

أمام المحكمة اليوم ملف غاية في الأهمية والخطورة، وعليها معالجة الأمر وفقا لتلك الأهمية، وأن تضع المحكمة وفقا لإمكانياتها القانونية والقضائية، أمام المجتمع الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن تلك القرارات التي توقف المزيد من جريان نهر الدم والموت جوعا أو عطشا للآلاف من المدنيين ، وأن تحاول ان تحقن دماء الناس وتحفظ حياة من تبقى منهم مهما كانت قومياتهم او أصولهم، وان تسقط ذريعة إسرائيل بحقها في ممارسة حق الدفاع عن النفس، وان تكون القرارات التي يصدرها نتنياهو المتتالية في ممارسة تلك الأفعال ليس فقط ضد عناصر منظمة حماس، انما ضد جميع أبناء المدن الفلسطينية في قطاع غزة، غير أن العائق الأساس الذي يواجه المحكمة اليوم النظام القضائي الإسرائيلي الذي يمكنه محاسبة نتنياهو ولم يصدر عنه ما يؤكد انه سيخطو أية خطوات تثبت عدالته او ممارسته القانونية بحياد وشجاعة، مما يعرقل جهود المحكمة الجنائية الدولية في هذا المجال، ويجعل المخطط الذي تنفذه حكومة نتنياهو مستمرا دون عقاب او ردع قانوني .

وبالنظر لعدم انضمام الدولة الإسرائيلية إلى معاهدة المحكمة الجنائية الدولية والتوقيع على معاهدة روما الأساسي، ما يجعل التحقيق ومحاكمة نتنياهو خارج عن اختصاص وصلاحية تلك المحكمة، إلا ان التفاتة قانونية لارتكاب تلك الجرائم على الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل يجعل النظر في التحقيق في مثل هذه الجرائم من اختصاص المحكمة فعلا، وتعلم المحكمة وجميع أعضائها من القضاة ان الأراضي التي يتم ارتكاب تلك الجرائم فوقها فلسطينية وان كانت تحت احتلال وسيطرة القوات الإسرائيلية، وان التصدي لتلك الجرائم يوجب على المحكمة ان تتخذ الإجراءات المتناسبة مع خطورة النتائج ، خصوصا وان دولة فلسطين انضمت إلى قانون المحكمة الجنائية الدولية، غير ان التدخل الذي تمارسه الولايات المتحدة اليوم لعرقلة جهود المحكمة في الإجراءات المتخذة بحق نتنياهو تثبت يوما بعد يوم انها تقف مع المتهم الأساس في الجريمة وتدافع عنه وتحاول بشتى السبل ان تمنع الإجراءات القانونية المتخذة بحقه، ولما كانت المحكمة تعرف تلك الحقائق فسيكون جميع قضاتها أمام امتحان تاريخي ليكونوا شجعانا وحياديين ولا يخضعوا لسطوة وإرهاب الولايات المتحدة في الدفاع غير المنصف والمبرر عن نتنياهو وإسرائيل، وأن قراراتها ستكون وفقا لما تمثله المحكمة من حيادية وتطبيق قانوني دولي سليم وعادل ، ومع ان نتنياهو يشعر بالقلق من الأصوات التي تطالب بمحكمته دوليا، وما يشعره بالقلق أيضا تلك الحقائق التي يدركها أهل القانون والتي تثبت إيغاله في الجرائم المرتكبة، ومثل تلك الجرائم لا تتقادم ولا يسقطها الزمن، لكنها ستبقى أبدا وصمة عار في جبين نتنياهو ودولة إسرائيل التي ترتكب الجرائم ليس فقط ضد عناصر منظمة حماس، إنما ضد الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين ممن لا يحملون السلاح وليس لهم علاقة بما يحدث بين القوات الإسرائيلية والمنظمة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية، وبانتظار ما تقرره المحكمة أمام آلاف الضحايا الذين يتساقطون يوميا أمام أنظار المجتمع الدولي دون توقف.

عرض مقالات: