اخر الاخبار

من المعروف في تقسيم القوى العاملة في أي مرفق انتاجي: صناعي، تجاري، زراعي، خدمي ..الخ يشغل العمّال النسبة الأكبر من مجموع مَلاك العاملين، حيث تصل هذه النسبة الى 90في المائة من هذا المجموع مهما كان نمط الانتاج، رأسماليّاً أو اشتراكيّاً . وإنَّ النسبة المكمّلة 10في المائة يشغلها الموظفون من ذوي التحصيل الدراسي.

العمّال هم القوّة الفاعلة والمؤثرة في العملية الإنتاجية ومكملاتها: التشغيل، الصيانة، الانتاج، التعبئة والتغليف، التخزين، النقل، التفريغ، التوزيع، التنظيف، الحراسة ..الخ . أما الموظفون، وحسب التحصيل الدراسي والتخصص، فتناط بهم الأعمال والخدمات الساندة للعمل والعمال والعملية الانتاجية بصورة عامة، وهي: الهندسية، الفنيّة، الإداريّة، الماليّة، التجاريّة، التسويقيّة، الرقابية، وكذلك: التخطيط والمتابعة، الفحص الهندسي، السيطرة النوعية، البرامج والمعلوماتية، البحث والتطوير، الجودة والآيزو، ادارة المشاريع، التصاميم، الطبابة، ادارة المخازن. ومثل هذا التقسيم، ماهو إلّا تقسيم قياسي مهني عالمي يعتمد الوصف الوظيفي، وتحدد بموجبه وفق معاييربيانيّة ورياضيّة، درجة الإنتاجيّة، وكلٌّ حسب عمله وما ينجزه.

إنَّ هكذا تقسيم، كان معمولاً به في العراق حتى عام 1987 - العام الذي تمَّ فيه تحويل العمّال الى موظفين بموجب قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 150 لسنة 87. وقد أثار هذا القرار استغراب الكثير من الدول بما في ذلك الاتحاد السوفيتي - الذي طلبَ في حينه بعض الإستيضاحات من الحكومة العراقية، حول كيفيّة هذا التحوّل والأسس المعتمدة.

قبل هذا القرار الغامض! وحتى خلال سنوات الحرب العراقية الإيرانية، كان العامل يحقق انتاجية عالية - وفق الطاقات المتاحة – نتيجة وعيه الطبقي والتصاقه الحِرَفي بالماكنة وخط الانتاج واعتزازه بمهاراته الذاتية المتراكمة، مما كان يوفّر له فرصاً سانحة في التطوّر المهني، والمكاسب الماديّة : بطل انتاج، نوط العمل، الخطورة، بدل العدوى، الحوافز، المكافآت، حتى أن راتبه أصبح يفوق راتب المهندس في بعض القاعات الانتاجية وبما يتناسب مع جهده وساعات العمل التي يقضيها وقوفاً على العكس من الموظف الذي يتمتع بمزايا العمل المكتبي – حيث نوعيّة العمل ومتطلباته. 

بعد أن تم تطبيق القرار وتحوّل العمال الى موظفين، حصل نوع من الاهتزاز الطبقي بطريقة غير مألوفة، وتدريجيّاُ تم الانسلاخ من (الطبقيّة العماليّة) وأصبح بريق الطبقة الوسطى الخادع آنذاك يشغل مدركات وهواجس العمال وبخاصة المتعلمين والنقابيين منهم، ويغريهم بمغادرة قاعات الانتاج صعوداً الى مكاتب الإدارات الساندة والتنافس الشديد مع شاغليها من أجل الحصول على موقع عمل مكتبي بعد أن تمَّ هيكلة ادارة شؤون العمال ودمجها مع ادارة شؤون الموظفين، وفعلاً تحقق للكثير منهم ما أراد بطريقة ٍ وأخرى محتجّاًومتعللاً بقوّة القرار ! وهكذاحدث النفورالمهني من موقع العمل الأساس وضعفَ التواجد فيه، كما رافق َ هذا النفور نفورٌ آخر يُثير الاستغراب، ألا وهو النفور من كلمة عامل! ...، (وأنا هنا لا أكتب من خلال مصادر كتبية أو نقل ٍ عن آخرين، وإنما من خلال خبرتي الهندسية العملية والادارية في المرافق الانتاجية الصناعية طيلة أربعين عاماً) ..، ونتيجة لما تقدّم، فقد تدهورت أعمال الصيانة والمراقبة والتشغيل السليم، وبالتالي تراجعت الإنتاجية تدريجيّاً، وأخفقت المرافق حتى في تحقيق طاقاتها الانتاجية المخططة كمّاً ونوعاً، وأصبح مفهوم الطاقات التعاقدية والتصميمية والمتاحة توصيفاً ورقيّاً لاغير، وتم اللجوء الى مفهوم الطاقة المتاحة العاملة كتوصيف بديل عن الأُخريات لعله يُعالج تدهور الانتاج والانتاجية، ومع ذلك إستمر الخط البياني بالهبوط وتحولت المرافق الانتاجية من الربح الى الخسارة وعلى مرأى ً من صاحب القرار !..، وإنَّ ما يشاع في حينه من تحقيق الارباح في سنوات الحصار كان وهماً بعد أن إعتمد النظام اسلوب الدينار المدعوم أمام الدولار في توفير مستلزمات الانتاج اضافة الى تحديد خطوط شروع انتاجية متدنية في نظام الحوافز والارباح، مما يتنافى مع الفهم الاقتصادي العلمي .

فإذا كان كل ذلك يحصل قبل عام 2003، فإنَّ الموقف الآن أكثر حراجة ً وتعقيداً، حيث توقّفت معظم المرافق الانتاجية وعاجلها الاندثار بعد أن عاجلها بتراجع الانتاج والانتاجية تحوّل العمّال الى موظفين.

إنّ مراجعة ً دقيقة ودراساتٍ عميقة لمضمون ذلك القرار الغريب! أصبحت ضرورية جداً، فمن غير الممكن أن تلغى طبقة انتاجية فاعلة في المجتمع بطريقة غير مسبوقة. وإذا كان تعديل الملاكات الوظيفيّة الحاليّة والعودة بها الى الأصل يواجه صعوبات فنية وادارية ومالية، فمن السهل جداً استحداث ملاكات عمّالية يتم التعيين بموجبها من جديد في كل مرفق انتاجي أو خدمي، مع الملاحظة أن َّ توصيف الدرجات العمالية يتضمنها نظام الوصف الوظيفي العراقي نافذ المفعول، وهكذا تتم استعادة الطبقة العمالية وتوصيفها المهني العريق، فكراً ووعيّاً وتطبيقاً.

عرض مقالات: