اخر الاخبار

أشارت المادة ٣٣ من الدستور العراقي إلى أنه:

أولاً:- لكل فرد عراقي الحق للعيش في ظروف بيئية سليمة.

ثانياً:- تكفل الدولة حماية البيئة والتنوع الأحيائي والحفاظ عليهما.

تبلغ مساحة البوادي والصحاري العراقية حوالي ٢٠٠ الف كيلومتر مربع، وقد بلغ عمر البوادي العراقية حوالي ٨٠٠٠ عام اي قبل الميلاد بحوالي ٦٠٠٠ عام، وطيلة هذه السنين كانت مصدرا أساسيا للثروة القومية، وكذلك المصدر الاساسي لتوفير الغذاء للثروة الحيوانية وتحقيق جانب أساسي من الأمن الغذائي  كما وردت في قانوني الرعي رقم ٦  لسنة ١٩٦٥ ورقم ٣ لسنة ١٩٨٣، وقد عرفها القانونان بأنها المناطق جنوب الخط المطري ٢٠٠-٢٥٠ ملم، ومن حيث نسبة تساقط الأمطار، أي أن كمية الأمطار تكفي لرطوبة التربة فقط عدا مناطق الوديان التي تزداد فيها نسبة التساقط المطري. ويستمر التعريف من انها المناطق التي ليست ذات جدوى اقتصادية للزراعة وبالتالي منع الزراعة فيها، وكذلك حفر الآبار الارتوازية حيث سيؤثر ذلك على الخزين الاستراتيجي وكذلك الخزين المتجدد الذي هو اعلى من الخزين الاستراتيجي مع العلم أن الخزين الإستراتيجي لا يتجدد ،ومتحرك والذي تبلغ كميات المياه الجوفية فيه المتحركة حوالي ٥ مليار متر مكعب، وهذا لكل العراق، ويتغير بتغير الظروف المناخية من شدة الأمطار ودرجات الحرارة والجفاف، وكميات المياه الواردة في نهري دجلة والفرات مع الاسف الشديد كما هو ملاحظ في العقود الاخيرة انه تم حفر اكثر من ١٠٠ الف بئر  ٨٠ بالمائة  منها غير مجازة، تصريح لمدير عام الهيئة العامة لمشاريع الري في ٢٠٢٣/٩/١٤ بغداد اليوم،  وكذلك تصريح الاستاذ عوني ذياب وزير الموارد المائية عندما كان الناطق الرسمي باسم الوزارة بتاريخ ٢٠٢١/٥/٤من ان الخزين الإستراتيجي قد انخفض، وكالة الانباء العراقية .

ليس هذا وحسب فقد تعرضت البوادي العراقية لظروف قاسية جداً لأسباب عديدة منها المناخ الجاف والقاسي المهيمن عليها مع تكرار مواسم الجفاف في السنين الاخيرة مع زيادة الحمولة الرعوية مما أدى إلى انتهاء النباتات الحولية نتيجة استمرار الرعي وعدم السماح لها بإنتاج البذور لكي تنبت عند توفر المياه، وهذا أيضاً أدى إلى قلة النباتات المعمرة.

مضاف لما ذكرناه الحروب في العقود الاخيرة ودخول الآليات الضخمة  كالدبابات والمدرعات  الامريكية وغيرها أثناء الحروب على العراق نتيجة سياسات النظام البائد مما أدى إلى تفتيت التربة وتجريفها مع وجود التيارات الهوائية العالية التي أدت إلى الكثير من العواصف الترابية والتي أثرت بيئياً على عموم مناطق العراق وعلى الصحة العامة للمواطن العراقي، وهذا هو السبب الرئيسي  الذي دفع بالمشرع لقوانين الرعي في العراق بعدم السماح للزراعة ودخول المحراث لتفتيت التربة فيها ووضع عقوبات صارمة على كل من يتجاوز على أراضي المراعي وزراعتها ومنها العقوبة بالسجن لمدة عام اضافة  للغرامة او العقوبتين معاً، وكذلك على من يقوم بحفر بئر دون إجازة  فإن هذه العقوبة تنفذ بحقة.

إضافة لذلك فأن من أهداف قوانين الرعي هي:

اولاً:- تحديد المساحات لأغراض الرعي.

ثانياً:- تنظيم الرعي وفق أسس علمية.

ثالثاً:- حماية النبات الطبيعي.

رابعاً:- صيانة الموارد المائية في المراعي الطبيعية وتنظيم استغلالها.

خامساً:- تأمين الخدمات اللازمة للمراعي الطبيعية بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة.

سادساً:- القيام بالدراسات والأبحاث لتطوير المراعي وحمايتها.

ورغم هذه الضوابط والمحددات التي وضعتها قوانين الرعي وكون البوادي مصدر من مصادر الثروة القومية ومصدر لتوفير الغذاء للثروة الحيوانية العراقية كونها من مستلزمات الأمن الغذائي ومتخصصة فيه، نرى كما نوهنا خلال العقود الأخيرة تجاوزات كثيرة على هذه البوادي والصحاري ومن اهمها:

أ- حفر أكثر من مائة ألف بئر فيها منها ٨٠ بالمائة غير مجازة وهو ما أثر على المياه الجوفية المتجددة والخزين الإستراتيجي أضافة إلى زيادة نسبة الملوحة فيها.

ب- التجاوز على الأراضي فيها من قبل الغير والقيام بالزراعة وحفر الآبار فيها.

ج- قيام وزارة الزراعة بتأجير أراضي البوادي والصحراوية استثناء من قانون الرعي وهذا غير جائز وبمساحات بملايين الدونمات في محافظات البصرة والسماوة والنجف والانبار، وطرد وعدم السماح لمربي الأغنام والماعز من الرعي فيها مع العلم ان اعداد الأغنام قد بلغت ستة عشر مليون واربعمائة الف رأس والماعز مليون وأربعمائة الف رأس مما اضطرهم للتظاهر في محافظة السماوة ولكن دون جدوى، وهذا دفعهم للخروج والهجرة إلى بوادي دول الجوار الأردن وسوريا والسعودية والكويت مما رفع سعر لحوم الأغنام العراقية إلى ٢٤ الف دينار للكغم الواحد بعد ان كانت ١٢ الف دينار مما شكل عبئاً اقتصادياً إضافياً على كاهل المواطن أضافة إلى التأثير البيئي نتيجة تفتت التربة بواسطة استخدام المحراث ثم تجريفها نتيجة التيارات الهوائية الشديدة وتحولها إلى عواصف ترابية نتيجة هذا التجريف للتربة، مما يؤثر على صحة الانسان العراقي في عموم العراق حيث أصبحت في السنوات الاخيرة شديدة وترابية وبأوقات متقاربة ولا يؤثر ذلك على الانسان بل أن الحيوان والنبات لا يسلم منها  أيضاً، و التنوع الاحيائي فيها بدأ يتغير وحيث تم جرد ١١٥ نوعا من النباتات الرعوية والطبية والسمية والعطرية مع ٤٠ نوعا من الطيور وكذلك ١٥ نوعا من الزواحف وهذا مثبت في البومات في المحمية الطبيعية في النجف. ان انتهاء هذه الكائنات الحية من الصحاري والبوادي سيؤثر حتماً على البيئة عموماً ومن ثم تأثيراتها على الانسان.

د- قيام دول الجوار بحفر الآبار والزراعة بالمناطق الحدودية المحاذية للأراضي العراقية لأغراض الزراعة، حيث قامت السعودية بزراعة وانتاج ٨ مليون طن من الحنطة وعلى الرغم من فشل التجربة بسبب ان التكاليف كانت أكثر من وارد الانتاج لسعر الطن عالمياً   مما خفض من مناسيب المياه وزيادة نسبة تملحها بالأخص في باديتي السماوة والنجف، ولم يكن هناك اي اعتراض من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة ٢٠١٠-٢٠١٧.

إن هذا الحال يتطلب من الحكومة العراقية ووزارتي الزراعة والموارد المائية القيام:

اولاً:- تفعيل قانون الرعي رقم ٣ لسنة ١٩٨٣ والالتزام به وعدم التجاوز عليه وخرق مواده وبنوده.

ثانياً:-  محاسبة الغير من قام بالتجاوز على أراضي البوادي والصحاري وزراعتها او من قام بحفر آبار غير مجازة وهي حوالي ٨٠ ألف بئر والعمل على غلقها.

ثالثاً:- الغاء كافة العقود الاخيرة التي أعطيت استثناء من قانون الرعي والتي تبلغ ملايين الدونمات حيث تأثيراتها على البيئة وصحة الانسان العراقي وكذلك تأثيرها على الأمن الغذائي للمواطن وبالتالي على عموم العراقيين اقتصادياً نتيجة هجرة مربي الاغنام إلى دول الجوار وتهريب الأغنام العراقية ذات الاصناف والجودة العالية إلى خارج الوطن.

رابعاً:- التعامل مع دول الجوار وفق قوانين المياه الدولية وعدم السماح لهم بالاستثمار في المناطق المحاذية لحدود البوادي العراقية لما له من تأثيرات على ارتفاع وانخفاض مناسيب المياه الجوفية العراقية وكذلك تملحها.

خامساً:- تفعيل دائرة التصحر والمراعي وتوفير الموازنات والمستلزمات اللازمة لعملها.

سادساً:- وضع الخرائط اللازمة للمراعي والصحاري العراقية لدى الهيئة العامة للأراضي العراقية والهيئة العامة للمساحة وعدم تركها في مديريات الزراعة عرضة للاجتهادات ومن ثم التجاوزات عليها.

سابعاً:- وضع خطوط الرعي المحددة جنوب الخط المطري ٢٠٠-٢٥٠ ملم متر في البوادي والصحاري وعدم السماح بعد ذلك بالتجاوز عليها وكما ورد في قانون الرعي.

ثامناً:- عدم السماح بالتجاوز على الآبار الحكومية المخصصة للشرب وسقي الحيوانات ومحاسبة المتجاوزين وفق القانون وتكليف مسؤولي الهيئات الادارية للنواحي والاقضية المحاذية للبوادي او من ضمنها صلاحية تنفيذ القوانين والتشريعات اللازمة لذلك.

تاسعاً:- تنشيط البحث العلمي في مجال التصحر وتقديم الدعم اللازم له مع ايفاد المتخصصين من المهندسين الزراعيين إلى الدول المتقدمة علمياً في مجال التصحر وكيفية الاستخدام الأمثل للرعي في البوادي مثل استراليا والصين و……

واخيراً تبقى صحة الانسان وتحقيق الأمن الغذائي له والبيئة النظيفة هي من اهم المعاير لتطور لشعوب وان حجة الاستثمار الزراعي في البوادي والصحاري هي حجة واهية لأنها متخصصة لتوفير الرعي والغذاء للثروة الحيوانية العراقية وليس من حق أحد بعد ثمانية آلاف عام على نشوء البوادي الرعوية على تغيير هذا التخصص لأن هذه الارض ليست ملكاً للأجيال السابقة والحالية بل هي ملك للأجيال القادمة ايضاً.

ــــــــــــــــــــــــــــ

*مهندس زراعي استشاري