اخر الاخبار

في لقاء للسيد فؤاد حسين نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية مع سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية السيدة الينا رومانسكي قال لها السيد الوزير: (إن الولايات المتحدة “حامل القلم “ بالنسبة للعراق)، ومصطلح حامل القلم (Penholder) مصطلح جديد لم يسمع به الغالب من الناس لا بل لم يسمع به البعض من المختصين في القانون الدولي، وعليه ولما كان هذا المصطلح حديث العهد في التداول فإنه لم يدخل لدينا في مناهج التدريس الجامعي المتعلقة بالقانون الدولي.

وعن بداياته قيل إن المناقشات والحوارات وتبادل وجهات النظر المتعلقة به بدأت في سنة 2004 قبل ان يتبلور مفهومه القانوني وتستقر أحكامه لدى هيئة الأمم المتحدة والعاملين فيها سنة 2018.

وقيل بشأنه أيضا إن بعض الدول الفاعلة في مجلس الأمن الدولي تقوم به وهي ثلاث دول: الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا وفرنسا، كما ذهبت بعض وسائل الإعلام البعيدة عن الاختصاص في هذا الموضوع إلى القول إن هذا المصطلح هو نوع من أنواع الوصاية التي يفرضها مجلس الأمن على بعض الدول، ويعد العراق واحدة من تلك الدول. فلا بد والحالة هذه من الوقوف على الملامح الأولى لتشكيله بغية الوقوف على معناه والمقصود به ومدى فاعليته في مرحلة التداول والتطبيق:

قبل الدخول في مفهوم (حامل القلم) ومغزاه لا بد من الإقرار بأن هذا المفهوم لا يعد نوعا من أنواع الوصاية – كما قيل - لكون الأخيرة قد فصلت أحكامها وشروطها وأسبابها بموجب أحكام المادة (السابعة والسبعون) من الفصل الثالث عشر من ميثاق الأمم المتحدة.

ان نظام الوصاية قد حدد وبشكل دقيق الأقاليم التي يطبق عليها المشمولة بأحكامه وهي الأقاليم التي كانت تحت الانتداب في الفترة التي كانت تهيمن فيها عصبة الأمم على الوضع الدولي حينئذ. 

أو تلك الأقاليم التي اقتطعت من الدول الأعداء نتيجة الحرب العالمية الثانية، وأخيرا الأقاليم التي تضعها في الوصاية بمحض اختيارها دول مسؤولة عن ادارتها. ولا وصاية على غير ما ذكر اعلاه مطلقا. ومعلوم أن نظام الوصاية لا يشمل الأقاليم التي أصبحت أعضاءً في هيئة الأمم المتحدة إذ أن العلاقات بين أعضاء هذه الهيئة يجب أن تقوم على احترام مبدأ المساواة في السيادة (المادة الثامن والسبعون) من الميثاق ولا مساغ قانوني لأي نص من النصوص الواردة تحت أحكام الوصاية في ميثاق الأمم المتحدة ينطبق على العراق حتى يقال إنه يخضع إلى نوع من أنواع الوصاية، وبالنتيجة فإن مصطلح (حامل القلم) هذا لا علاقة له من قريب أو بعيد بنظام الوصاية المبسوطة أحكامه في الفصل الثالث عشر من ميثاق الأمم المتحدة.

 لا أتفق  مع من يقول إن المناقشات والحوارات بدأت عن هذا المصطلح سنة 2004، لأن المؤشرات والوقائع الدولية تقول بغير ذلك، إذ أن تشكيل الملامح الأولى لهذا المصطلح كممارسة داخل مجلس الأمن بدأت من قبل العضو الدائم للولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن بعد غزو النظام العراقي لدولة الكويت والدور الذي عهد به للولايات المتحدة الأمريكية في الصياغات الخاصة بقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بالغزو التي بدأت بقرار مجلس الأمن الدولي المرقم 660 في 2 آب 1990، اذ كانت هناك مساهمة فاعلة في الصياغة للجانب الأمريكي في القرار المذكور، ولم يكتف الجانب الأمريكي بالصياغة بل تدخل في وضع المضامين قبل صياغتها.

تعززت تلك الملامح  لهذا المصطلح بعد إعلان مجلس السوفييت الأعلى قراره  المرقم ( 125 – هـ) لسنة 1991 المفضي إلى انتهاء الوجود القانوني لدولة اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية ودخول العالم حقبة سياسية جديدة تحمل العديد من التداعيات والآثار السياسية، منها على سبيل المثال انتهاء حقبة الحرب الباردة، وتفرد القطب الواحد الذي بشر به فوكوياما بنهاية التاريخ، فضلا عن الهزة العنيفة  التي تعرضت لها منظمة الأمم المتحدة بكافة مؤسساتها والتي تعد الأكثر تأثرا بهذا الحدث المزلزل والذي أفضى  قطعا إلى طبيعة وظيفية جديدة ومختلفة للمؤسسة الأممية والتشكيلات الملحقة بها .

 في هذه المرحلة بالذات  دارت المناقشات والمفاوضات والمساومات  والمداخلات والأساليب المقترحة للوضع الجديد الذي أدى إلى توصيات مفضية إلى طريقة العمل في المؤسسة الدولية من حيث طريقة  توزيع الأدوار على العاملين في مجلس الأمن الدولي وتقسيم العمل الداخلي فيه، وهي مرحلة متقدمة لـ (حامل القلم )  خاصة وأن هناك تزاحما ناشطا للقوى الفاعلة في المنظمة الدولية بعد غياب الاتحاد السوفيتي والذي يوجب وجود تعامل تحكمه المتغيرات من حيث أعداد الموضوعات المطلوبة لقرارات مجلس الأمن ووضع الصياغات المطلوبة لها من خلال تكليف الجهة المختصة بذلك، اي تحويل الموضوعات المطروحة وصياغتها على شكل نصوص أو قواعد قانونية تأخذ شكلها النهائي  على شكل  قرارات لمجلس الأمن أو إعلاناته أو بياناته  المنوي إصدارها.

في هذه المرحلة بالذات اي مرحلة غزو النظام العراقي لدولة الكويت وآثاره المتزامنة مع انتهاء الوضع القانوني لاتحاد الجمهوريات السوفيتية، هنا وفي هذه المحطة بالذات تشكل موضوع (حامل القلم) وبموجبه تتكفل دولة فاعلة في مجلس الأمن او أكثر وتأخذ على عاتقها مسؤولية إعداد الصياغات المطلوبة لقرارات مجلس الأمن الدولي وإصدارها المتعلقة بهذه الدولة أو تلك. في هذه المرحلة بالذات تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية أن تأخذ على عاتقها حمل القلم بالنسبة للعراق اي ان تضع الصياغات لقرارات مجلس الأمن واصدارها المتعلقة بالعراق وإصدارها، أي أنها صاحبة الصلاحيات لهذا العمل المنوط بها وبمباركة المؤسسة الدولية لها، وهذه العملية بكاملها هي التي يطلق عليها (حامل القلم)، أي أن الولايات المتحدة الأمريكية حملت القلم في مجلس الأمن الدولي لتوظيفه في صياغة القرارات والإعلانات والبيانات التي يصدرها مجلس الأمن المتعلقة بالعراق.

لم يتوقف الأمر على هذا التوظيف حسب بل امتد إلى أنشطة أخرى يقوم بها الجانب الأمريكي كاستقبال البعثات وإدارة المناقشات وترؤس الاجتماعات المتعلقة بالجانب العراقي. ومصطلح “ حامل القلم “ لم يقتصر على الجانب الأمريكي بل تم استخدامه من قبل القائم بأعمال السفارة البريطانية في ليبيا “نيكولاس هوبتن “في أيلول من سنة 2019 باعتبار أن بلاده تتولى صياغة المشروعات والقرارات المتعلقة بالوضع المأزوم في ليبيا.

الولايات المتحدة الأمريكية (حامل القلم) بالنسبة للعراق مرت في مرحلتين: الأولى عندما كانت خصما للعراق التي بدأت بعد الغزو العراقي لدولة للكويت اعتبارا من تاريخ صدور قرار مجلس الأمن الدولي 660 في 2 آب 1990، وطيلة فترة الحصار التي انعكست سلبا على الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية على الشعب العراقي وسواها من الاوضاع الأخرى، إلى القرار 1472 والمؤرخ في 28 آذار 2003 والتي طلب فيها مجلس الأمن موظفيه مغادرة العراق قبل الغزو الأمريكي.

خلال هذه الفترة تمكن حامل القلم الأمريكي ان يصوغ ما يزيد على الستين قرارا عن مجلس الأمن تخص العراق منها على سبيل المثال القرار المرقم 670 في25 ايلول 1990 وبموجبه وضع العراق تحت أحكام الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة. والقرار المرقم 687 في 2نيسان 1991 اذ يناهز عدد صفحاته على العشر صفحات حجم A 4 والذي يعد أطول قرار يصدره مجلس الأمن الدولي وبموجبه وصل العراقي إلى مرحلة المجاعة وتدهور الوضع الصحي بسبب شحة الدواء.

ومن ضمن القرارات أيضا الصادرة في هذه الفترة ايضا القرار المرقم 706 في 15 آب 1991 وموضوعه النفط مقابل الغذاء.

أما المرحلة الثانية فقد جاءت مقسمة على حالتين الأولى عندما كان العراق تحت الاحتلال الأمريكي  والثانية بعد مغادرة القوات الأمريكية للعراق، ففي هذه المرحلة كانت الولايات المتحدة الأمريكية “ حامل القلم” بامتياز إذ تمكنت من صياغة قرارات عديدة لمجلس الأمن الدولي تتعلق بالشأن العراقي، ومن القرارات المهمة في هذه المرحلة هو القرار 1483 المؤرخ 22 آيار 2003، وبموجبه يناشد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تقديم المساعدات إلى العراق الرامية إلى إعادة إعمار مؤسساته وتلبية النداءات الإنسانية للشعب العراقي في الغذاء واللوازم الطبية ولزوم الالتزام باتفاقيات جنيف 1949 واتفاقية لاهاي 1907، وتحديد مواقع تواجد الكويتيين ورعايا الدول الأخرى بعد 2 آب 1990، وإعادة الممتلكات العراقية التي أخذت من العراق بما فيها تلك التي اخذت من المتاحف.

بعد ذلك صدر القرار رقم 1500 في 14 آب 2003 المتعلق ببعثة الأمم المتحدة (يونامي) والدور المرسوم لها من قبل الأمم المتحدة.

والقرار 1859 في 22 كانون اول 2008 بشأن إيداع عائدات مبيعات المنتجات النفطية والغاز الطبيعي في صندوق تنمية العراق، فضلا عن قرارات تتعلق بنشاط الدولة الاسلامية في العراق والانتصار عليها، وأخيرا وليس آخرا القرار المرقم 2621 في 22 شباط2022 عن إيفاء العراق بالتزاماته الدولية بتعويض جميع أصحاب المطالب الذي منحتهم لجنة التعويضات عن الخسائر والأضرار نتيجة لغزو العراق الكويت.

هذه اذن خلاصة المخاض للدور الأمريكي المتمثل في إعداد وصياغة قرارات مجلس الأمن ذات العلاقة بالشأن العراقي باعتباره حاملا للقلم في أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.