اخر الاخبار

منذ وصلت الصف الخامس الابتدائي في دراستي الحكومية واخذت أقرأ في كتب الجغرافية المدرسية عن قناة فرغانة الكبرى في الدولة الاوزبكية الشمال الشرقي للقارة الاسيوية باعتبارها واحدة من اكبر مشاريع الري في الكرة الارضية وقد منحتني الحياة فرصة ان اقف على هذا السد المشيد على فرع من نهر سيحون وأعبر عليه باتجاه الضفة اليسرى وأعود الى الضفة اليمنى في تموز 1975 عندما نظمت لنا نحن اعضاء الكروب العراقي في معهد العلوم الاجتماعية في موسكو زيارة براكتيك- تطبيقية- الى جمهورية اوزبكستان واستمع الى شرح تفصيلي من المهندس المسؤول عن إدارة ذلك السد عن تاريخ تشييده وكيف يدار عام 1975.

عام 1917 حال انتصار ثورة اكتوبر المجيدة ليلة 6/7 تشرين الثاني وبموجب بيان تاريخي أعده قائد الثورة – فلاديمير ايليتش اوليانوف لينين – عن منح حق تقرير المصير لكافة مستعمرات روسيا القيصرية بما في ذلك الانفصال واقامة دولها المستقلة، أعلن الأوزبك عن دولة اوزبكستان واختاروا لها النظام الجمهوري واختاروا لأدارتها الاسلوب السوفياتي واخذوا بتشكيل مجالس السوفيتات في الأرياف والمدن وصوتوا لانتخاب مجلس سوفييت الجمهورية، وشاءت الصدفة التاريخية أن ينتخب لعضوية المجلس المواطن الاوزبكي آخون بابا ييف وكان حينذاك أميا لا يعرف لا القراءة ولا الكتابة. وقد أثار استغرابه اصرار اعضاء المجلس على أن يتولى رئاسته أي أن يصبح آخون بابا ييف رئيسا للجمهورية الاوزبكية التي انتسبت عام 1922 للاتحاد السوفياتي الذي ضم آنذاك كلا من الجمهوريات الاتحادية: روسيا، بيلاروسيا، اوكرانيا. كزاخستان. طاجكستان، داغستان، قيرغيزستان، جورجيا، ارمينيا، أذربيجان، مولدافيا، لاتفيا، استونيا، والجمهورية التركمانية. واضطر للاستجابة لإصرار اعضاء المجلس ولمعالجة اشكال أميته كلفوا أحدا من من يجيدون القراءة والكتابة لمساعدته، وقد أكدوا لنا انه أخذ يجيد القراءة والكتابة خلال فترة لم تتجاوز الخمس واربعين يوما واستغنى عمن كلف بان يقرأ له ويكتب ما يريد ان يكتب.

آخون بابا ييف، خلال احدى جولاته  التفقدية، زار المنطقة التي شيد فيها السد ففوجئ بأن تلك المنطقة صحراء جرداء لا نبت فيها ولا ماء، سكانها يعيشون على تربية المواشي وتخزين الثلوج في كهوف لتناولهم لمياهها في الصيف عندما تذوب تحت تأثير ارتفاع درجات الحرارة التي تتجاوز الثلاثين مئوية قليلا، وقد أجابوه عندما وجه لهم السؤال عن السبب في الوضع الذي هم فيه وذلك النهر العظيم يجري في مناطقهم أن ( ذلك النهر هو سبب مشكلتهم)) فهو يفيض سنويا أول الصيف  فيضانا طاغيا يكتسح أمامه كل مزارع القمح التي يزرعونها شتاءا وعلى مياه الامطار وليس مياه النهر.

  حدثونا حينها أنه وبعد اطراقه تفكير قصيرة أجاب (( اذا لا حاجة لبقاء هذا النهر)) وابلغهم انه سيعمل سدا في منطقتهم وارسل رسالة الى موسكو يطلب من القادة السوفيات تنظيم حمله عمل شعبي من جميع جمهوريات الاتحاد للتوجه الى طشقند ومعهم آلاتهم وأدوات عملهم وما يستطيعون جلبه من مواد تستخدم في تشييد السد وقد تجمع في الموقع المحدد لذلك ما يزيد عن السبعين الفا من المتطوعين وتم تشييده خلال خمسة وسبعين يوما فقط وقد شيد في البداية من القش والحجر وتم فتح اربع قنوات جانبية لاستلام المياه من النهر وايصالها الى الاراضي الزراعية على جانبي النهر واستبدل عام 1936 وبقرار من حكومة موسكو ليشيد من الحديد والطابوق كما رأيته عام 1975 وافتتحت قنوات اخرى ليصبح المجموع ثمانية قنوات طول اقصر واحدة منها ثلاثين كيلو مترا لتتحول تلك الصحراء الجرداء الى حقول من الذرة والبطيخ والرقي والطماطم والباذنجان وعباد الشمس والعنب والخوخ والرمان والحنطة والشعير و.... الخ.

وعندما سألنا المهندس عن عمل السد والقنوات أجاب بان كل العمل يدار الكترونيا. ففي الدائرة يوجد الجهاز الأم الذي يحسب احتياجات كل قناة من المياه وعدد ساعات الإطلاق في كل قناة وسرعة تدفق المياه وكميتها حيث يوعز إلى الاجهزة المثبتة على بوابة كل قناة حيث ترتفع وتنخفض أوتوماتيكيا وفقا لإيعازات الحاسوب الرئيسي.

وفي بناء المتحف المشيد على مبعدة بضعة أمتار شاهدت بعيني الصور التاريخية لبدء العمل في تشيد السد وبين تلك الصور كانت أكثر من صورة لآخون بابا ييف وهو يمسك بفأس يضرب به الارض وفقا لمتطلبات العمل.

أنا هنا، وأنا اكتب عن قناة فرغانة الكبرى في اوزبكستان، أجدني اطمح واتطلع الى تشييد سد خزني على كل وادٍ ونهر يستلم المياه من الجبال الحدودية بيننا وبين الجارة ايران التي تتدفق بين حين واخر الى ودياننا التي تفيض بتلك المياه فتسبب لنا اضرارا مادية اضافة الى ضياعها هي كثروة نحن بحاجة ماسة لها. وكم سأكون مسرورا عندما تصلني الانباء عن تشييد سد خزني على نهر الجباب “ الذي يقع بين مدينتي العمارة وعلي الغربي حيث البدائية من جبل حمرين الذي يشكل خط الحدود بين العراق وإيران والمصب في نهر دجلة، وبالتأكيد سأتوجه حينها لمنطقة السد لأمتع انظاري بمنظر البحيرة التي ستتشكل في مقدمه مثلما تمتعت بمنظر سد قناة فرغانة الكبرى ومنظر آخون بابا ييف وهو يشارك ابناء الشعوب السوفياتية الذين توجهوا الى اوزبكستان ليشيدوا سدا خزينا واروائياً يحول الصحارى الجرداء الى جنة من جنان عدن.

عرض مقالات: