اخر الاخبار

كثر الحديث في الأونة الأخيرة عن ظاهرة التعرض لحياء المرأة والتحرش بها، بعد أن تزايدت الشكوى خاصة من النساء العاملات وطالبات المدارس والجامعات اللاتي يتعرضن للتحرش، فيما أكدت التقارير أن 99.3 بالمائة من النساء يتعرضن لخدش الحياء والمساس بالكرامة والتحرش بهن. وعند سؤال النسوة عن مظاهر التحرش أفدن بأنه يجري بطرق متعددة مثل (فرض العمل لساعات إضافية بعد مواعيد العمل، الإصرار على توصيل الأنثى إلى المنزل بعد مواعيد العمل، التتبع، التصفير، معاكسات كلامية، كشف الرجل لبعض أعضاء جسده أو التلميح بها، أو التلفظ بألفاظ ذات معنى جسدي). وتتحمل النساء القسط الأكبر من عمليات التعرض لخدش الحياء والتحرش الجنسي بهن وذلك على الرغم من أن نسبة كبيرة منهن لا تجرؤ على الشكوى بسبب الخوف من الفضائح، الأمر الذي يجعل الصمت أكثر ما تلجأ إليه المرأة في تعاملها مع هذه المشكلة، حيث لا يمر يوم إلا ونطالع أو نسمع عن حادثة أو أكثر من حوادث التعرض لحياء المرأة، سواء داخل البيوت أوفي الشوارع أو في المواصلات وأماكن العمل والجامعات، وباتت هذه العادات ظاهرة تغزو مجتمعاتنا وتلقي بظلال كئيبة على أمن نسائنا وأطفالنا وسلامتهم.

إن جريمة التحرش الجنسي أصبحت تمثل مشكلة اجتماعية بل وتطورت لتصبح ثقافة تكمن خطورتها في قبول المتحرش به لسلوك التحرش الجنسي وعدم المبادرة إلى تقديم الشكوى إلى السلطات التحقيقية خوفا من تداول القصة بين الناس ومن ثم وقوع الفضيحة التي ستلحق بالمشتكي، وتصبح عاراً بسبب المعتقدات والعادات الخاطئة. ولهذا فنحن بحاجة إلى حلول اجتماعية وقانونية للحد من ارتكاب هذه الجرائم، خاصة وان هناك اساليب تعتمدها بعض المجتمعات تساعد على تأمين ارضية خصبة للمتحرش كتربية الذكور على مبدأ الذكورية المطلقة وإلقاء اللوم على المرأة في اعتبارها المذنبة، وأنها هي التي دفعت الرجل للتحرش بها نظرا لسلوكها، وبذلك فإن المرأة تلجأ إلى الصمت عندما تتعرض لمثل هذه السلوكيات غير الاخلاقية.

ومن الأسباب التي تؤدي إلى زيادة التحرش الجنسي، الخوف من رد فعل المجتمع إزاء الضحية الامر الذي أدى إلى عدم التبليغ القانوني، وكذلك عزوف الشهود عن الإدلاء بشهاداتهم ومساندة الضحية خوفا من ملاحقة الجاني لهم عشائرياً، وعليه نوصي بالآتي:

  1. في غالب الأحيان تكون شهادة الشهود هي الدليل الوحيد لإثبات التحرش الجنسي. ولكن خوف زملاء الضحية أو أصدقائها من أضرار قد تصيبهم أو من انتقام المتحرش، كتسريحهم من العمل أو بتطبيق عقوبات تأديبية تعسفية ضدهم تمنعهم من القيام بواجبهم على الرغم من إقرار المشرع حماية قانونية خاصة للشهود إلا انه خصها ببعض الجرائم الخطيرة، لذا نأمل تكريس نفس الحماية لشهود جريمة التحرش والاغتصاب وهي خطوة تشجع الضحية على التبليغ.
  2. كذلك طمأنة الضحية أن معالجة قضية التحرش والاغتصاب (الجرائم الجنسية) تتم بشكل سري بسبب ما تشكله هذه الجريمة من مس بسمعة المراة وشرفها والتأثير على محيطها العائلي، وذلك من خلال تخصيص مكاتب خاصة في مراكز الشرطة مسيرة من قبل شرطيات لتلقي شكاوى القضايا الجنسية حتى لا تنحرج الضحية من أداء شهادتها وبتفاصيل قد تكون مفصلية في الدعوى، وكذلك يجب على كل مؤسسة أو منظمة أو مدرسة أو جامعة ان تضع استراتيجية لمواجهة التحرش الجنسي وان يكون هدفا من أهدافها لحماية موظفيها أو عمالها أو طلبتها أو تلاميذها من آثارها المدمرة على الصعيد الشخصي والمهني والاجتماعي. وكذلك تعزيز المؤسسات العامة والخاصة بأجهزة المراقبة (الكاميرات) في الأروقة وكذلك الأماكن العمومية.
  3. نشر الوعي لمفهوم التحرش الجنسي لمختلف أشكاله لفظيا أو كلاميا أو معاكسات أو صور تهدف إلى المضايقة الجنسية.
  4. إذا اعتبرنا المتحرش مريضا نفسيا، نقترح اخضاعه لعلاج نفسي مكثف بادراج المتابعة النفسية للمتحرش أو المغتصب الجاني خلال فترة عقوبته، فالهدف من العقوبة أساسا ليس إيلام الجاني وإنما إصلاح الجناة وإعادة ادماجهم في المجتمع، لذا نقترح معالجة المتحرشين الذين يعانون مرضا نفسيا بإزالة الدوافع الشاذة الجنسية للجريمة، والأمر بتطبيق هذا الإجراء أيضا على مختلف الجرائم الجنسية خصوصا الشذوذ الجنسي لاسيما وتشكل السجون بيئة خصبة لإنتاج الشواذ الجنسيين.

 واخيرا إن المواجهة الفعالة للتحرش الجنسي لن تكون بمعزل عن تضافر جهود المنظومة القانونية والاجتماعية والدينية والثقافية معا، لأن التحرش الجنسي هو سلوك ينبئ بانحلال أخلاقي داخل المجتمع، فالأمر يتطلب توعية للمجتمع بكل فئاته التي أصبحت جميعها عرضة له بمساهمة الأجهزة القضائية والأمنية والإدارية، وكذلك المجتمع المدني في مكافحة هذه الجريمة، وتعتبر الآليات القانونية من أهم آليات المواجهة، فلن يكون للقانون اي دور اذا لم يكن معلوما للجميع ولم يتم تطبيقه بسبب إشكالات فيه أو قصور في صياغة النص التجريمي وتقديم المساعدة النفسية والمادية للضحية.

ـــــــــــــــ

* محامية عراقية

عرض مقالات: