تسجل العقود التسعة الماضية من عمر حزب الثقافة والفن والجمال، بزوغ ضوئه مع ظهور أولى تباشير التشكيل العراقي المعاصر حين منح أسلافنا وهج أرواحهم لتصوغ ستائر للنوافذ التي يمر من خلالها الضوء، ولترمم خارطة المدونات البصرية عبر تسعين عاما، فاستطاعت أن تؤسس تقاليد وأعرافا ثقافية متحررة من كل القيود وتقترن بالابداع والجمال.
هذه السنوات بوصفها مختبرات تجريب أدت إلى احتضان الأجمل والأنبل والخيار الأصوب في اجتراح النموذج الجمالي، الممثل للأصول الاجتماعية ويقينها الشعبي وانعكاسها في الفن، وهي تتفاعل مع هواجس الفنان وظروفه الخاصة ومعطيات العصر. الصيقان لا يفترقان هما الشيوعي العراقي والجمال المنزه من كل منفعة، نمت على أعتابهما المشتركة مئات الخمائل والأزاهير لتنشر عطرها في ثنايا قاعات العالم ومتاحفه، حاملة هوى عراقيا يترطب بماء الرافدين خالدي الأثر.. وان أية مشتركات وأواصر بهذا الألق تجعل افتراهما مستحيلاً.
بلا خجل أو مماحكة يحمل صناع الجمال خطاباتهم لتكون ملاذا وحيداً لقيم الروح وتجلياتها في أروقة القاعات وفرصة لتعريف الذات من دون أدنى إشتراطات أو هواجس الكتابة مدوناتنا بهذه الصيغة أو تلك إلا إشتراط المحبة الوحيد والمعنى الإنساني الذي يلف أضلاع الجميع، واعلان الانتماء إلى الوطن عبر نافذة لا يؤول ما يأتي منها إلا بذلك.
في هذا المعرض الذي يتسق مع جمالية الذكرى التسعين لميلاد الحزب الشيوعي العراقي، تتسع الرؤيا ويتأطر المنهج، وتتشظى الصياغات خدمة للغرض الجمالي الذي ينفتح على الأطراف ويجعلها تلتحم بالمركز، ليصنعا خطابا مختلفا باختلاف المكان وزوايا النظر إلى الواقعة الخارجية.. الاختلاف الذي تصنعه صيغ التجسيد مرة، وتمنحه الأجناس الفنية مضمونا آخر في المرة الثانية، لأنها تحتفظ بخصائص النوع الممثلة بالتقنية والأسلوب، فضلاً عن الخامات وطرق التشييد والمعالجة البصرية، وهي توشح بياض الجدار بأعرافها وترسم أحلامنا على تلك الخامات، إنطلاقا من هموم الناس وهواجسهم في القرية والمدينة والشارع المؤدي إلى أعماق الأشياء وجوهرها المرتبط بفكرة الحياة والأمل والإشراق.. ذاتا خلاقة مبدعة تحل بديلاً عن المجموع وتطلعاته، للامساك بملام تغيير الواقع إن لم نقل تغيير العالم، لتصبح اللوحة والمنحوتة خطابا يتمظهر على هذا النحو المعبر عن صورة الوطن، الحالم بمثابات جديدة ترسم خارطة الشروع نحو المستقبل الأمن.
ــــــــــــــــــــ
* كلمة دليل المعرض