منذ استعاد لويس إيناسيو لولا دا سيلفا السلطة قبل عام واحد، علق اليسار آماله على رئيس حزب العمال وعصره الجديد في البرازيل رغم التحديات الهائلة التي تواجهه. وقد راحت مخاوف اليسار جراء هيمنة اليمين على الكونجرس والركود في الاقتصاد العالمي، تتبدد تدريجياً، حيث تبدو المعطيات الاقتصادية أكثر إيجابية مما كان ينتظره أكثر المتفائلين حماساً.

تحديات سياسية

مرت البلاد في سنوات صعبة، جراء وباء كوفيد وحكم الرئيس اليميني المتطرف السابق جايير بولسونارو، فقد كان التدريس رقميًا على الرغم من أن الغالبية لا تتوفر لديها إمكانية الوصول إلى الإنترنت، مما أبقى جيلاً كاملاً من الشباب بدون تعليم. وألقت بهم هذه الظروف في جحيم المخدرات، حيث نرى جميع الشباب الذين تزيد أعمارهم عن اثني عشر عامًا تقريبًا يستخدمون الماريجوانا اليوم، ويترددون في العودة إلى المدرسة، وهو أمر كارثي تماماً.

يقول أنصار الرئيس لولا بأنه ورغم كل شيء، هناك أمل للعودة إلى مجتمع يسوده القانون والعمل، حيث صار توجيه الاتهام إلى رجال الشرطة العسكرية طبيعياً إذا ما أطلقوا النار على الشباب والفقراء بلا سبب، وهو ما كانوا قد اعتادوا عليه في عهد بولسونارو. كما انعكست نتائج الانقلاب الفاشل الذي قام به الرئيس المهزوم جايير بولسونارو، واقتحم فيه انصاره الكونجرس والمحكمة العليا والمبنى الحكومي، بشكل شديد السلبية على اليمين، وفقد بولسونارو حق الترشح في الانتخابات المقبلة، وبات يظهر كسياسي فاقد الأهلية.

غير إن ذلك ليس كل ما في المشهد، فهناك مخاطر جدية من بقاء التيارات التي أوصلته إلى السلطة فاعلة وتمارس حقدها الأعمى على اليسار والحركات الاجتماعية. ومن أكبر هذه التيارات حزب بارتيدو الليبرالي اليميني المتطرف، ومجموعة غير متماسكة من الأحزاب تسمى كتلة الوسط، والتي يقودها حالياً بشكل غير رسمي رئيس مجلس النواب، أرتور ليرا، الذي نقل ولاءه للرئيس لولا عند فوزه، وكان هذا الإنتقال مهماً لتتمكن الحكومة من تنفيذ سياستها، رغم إنه انتقال غير مضمون.

فساد مخيف

يوجد في البرازيل نظام يسمى «إيمينداس»، وهي مشاريع محلية مثل بناء الطرق أو المرافق الرياضية وغيرها، من التي ترصد لها الموارد ويقوم البرلمانيون بتنفيذها في دوائرهم الانتخابية للحصول على الدعم من ناخبيهم. ويشرعن هذا النظام الفساد، لأنه يوفر فرصة للاستيلاء على الموارد. وقد حاول الرئيس لولا التخلص من هذا النظام، إلا أنه اضطر لتخصيص نحو 10 مليار دولارلإدامته بغية ضمان ولاء ليرا وتمرير سياساته اليسارية، وهي أموال كان يمكن أن تتم الاستفادة منها في مشاريع وأماكن أخرى.

إصلاحات مهمة

ولكن على الرغم من ذلك، أقر وزير المالية فرناندو حداد أول إصلاح ضريبي، فشل كل من سبقوه منذ الدكتاتورية العسكرية في القيام به. ويهدف هذا الإصلاح إلى تبسيط الإجراءات وقلب المعادلة من ضرائب تنازلية، يدفع فيها الأغنياء أقل، إلى ضرائب تصاعدية يدفع فيها الفقراء أقل. كما واجه لولا البرلمان اليميني مراراً من خلال تبني عدد كبير من البرامج الاجتماعية التي تتضمن الإسكان المدعوم والأدوية المجانية وزيادة الحد الأدنى للأجور. ونجحت الحكومة بتحقيق نمو اقتصادي بنسبة 3 بالمائة وخفض التضخم إلى 4.5 في المائة، وهو ما بدا أفضل بكثير مما كان متوقعاً. وتمكنت الحكومة من خلق مليوني فرصة عمل وخفض البطالة، الأمر الذي تحسن معه التصنيف الائتماني للبرازيل في السوق المالية الدولية.

إصلاح صناعي

ومع تخفيض سعر الفائدة، وهو شرط أساسي للاستثمارات التي تحتاج إليها البرازيل بشدة، بدأت عملية انقاذ الإنتاج الصناعي من التخلف والركود الذي عاناه في فترة حكم اليمين. كما أعطت حكومة لولا الدولة دوراً أعظم في الاستثمار الصناعي، سواء من خلال الشركات المملوكة للدولة مثل شركة النفط العملاقة بتروبراس أو بالتعاون مع القطاع الخاص، الذي ما يزال متردداً في المشاركة.

حركة MST

ويستند الرئيس لولا وحزبه على قاعدة جماهيرية واسعة، تتكون من حركة العمال عديمي الأرض MST، التي تضم صغار المزارعين وعمال المزارع الفقراء، المنظمين جيداً والقادرين على التصرف بسرعة وتعبئة الحلفاء، حتى باتوا قوة حاسمة في البلاد. وبديهي أن يعتبرهم بولسونارو، أهم أعدائه الرئيسيين، حيث بذل، هو وحلفاؤه اليمينيون أقصى جهودهم لتجريم الحركة، لكنه فشل عندما وجدت المحكمة أن احتلال العمال للأراضي كان أمراً مشروعاً.

وتعتبر الحركة خسارة بولسونارو أمراً مهماً، لأنه شكّل دوماً تهديداً لما أنشأته من مستوطنات وتعاونيات ومدارس، مفتخرة بتنظيمها القوي واستثمارها للعلاقة الوطيدة مع بقية المجتمع، وخاصة الفقراء في المناطق الحضرية. لكنها ترى في حكومة لولا الإئتلافية ظرفاً أكثر تعقيدا مما كانت عليه في ظل حكومات لولا السابقة، معتقدة بأن عليها أن تواصل الكفاح لاستئناف إصلاح الأراضي من خلال المزيد من المستوطنات، خاصة بعد أن أعادت الحكومة إنشاء وزارة الإصلاح الزراعي، التي تحتاج إلى تمويل كاف لتنفيذ برنامجها.

تضم الحركة مليون ونصف عضو ولها منظمات في 23 ولاية من ولايات البرازيل الست والعشرين، ولديها اليوم مشروع نقل 65000 عائلة تعيش في الخيام والأكواخ، إلى السكن في بيوت مناسبة والعمل في الإنتاج الزراعي.

يقول جواو بيدرو ستيديل، المنظر الأبرز لحركة MST، بأن فوز لولا في الانتخابات كان انتصارا للديمقراطية ولاستعادة الدولة. وكان ذلك يعني أيضًا إعادة إنشاء جبهة واسعة من القوى التقدمية. ويضيف «لقد رأينا بالفعل خلال الحملة الانتخابية أن لولا يريد حقاً مكافحة عدم المساواة الاجتماعية والفقر والجوع. لكن ليس كل الوزراء ملتزمين بنفس الدرجة. إن الحركات الاجتماعية ترغب في رؤية مشروع شعبي جديد للبرازيل. إنهم يتحدثون عن الحاجة إلى إعادة تصنيع البلاد. في صندوق البيئة، نرى تقدما كبيرا. على سبيل المثال، انخفضت إزالة الغابات في منطقة الأمازون بنسبة 22 بالمائة، وهناك تخطيط لإعادة تشجير 50 مليون هكتار».

حفل التنصيب

في الحفل الذي تم فيه تنصيب لولا رئيسًا يوم 1-1- 2023، تم تسليم الشريط الرئاسي له بشكل رمزي من قبل ثمانية أشخاص من مختلف الفئات الضعيفة في المجتمع، مثل السكان الأصليين، وأحفاد العبيد، وجامعي العلب، والأشخاص ذوي الإعاقة وغيرهم.

وبعد مرور عام، قال أحد هؤلاء، وهو ممثل حركة السكان الأصليين بأن إنشاء وزارة للشعوب الأصلية بمثابة نجاح كبير، حيث تولت سونيا غواخارا من حركتهم منصب الوزيرة، وصار ممكناً أن تجرى حوارات مع الحكومة حول حقوقهم. ولكن غواخارا ما زالت قلقة من ألاعيب الكونغرس اليميني الذي يحاول تشريع قوانين تهدد أراضي السكان الأصليين، في تحد واضح للرئيس لولا.

خاتمة

ورغم سلسلة من الصعوبات، فإن العام الأول الذي قضاه لولا في السلطة حقق بعض النجاح. وقد أظهر الرئيس البالغ من العمر 78 عاماً براعته كمفاوض واستراتيجي، على الرغم من أن الطريق إلى الأمام لا يزال غير مؤكد. وعلى أية حال، تبقى تجربة لولا درساً للحكومات التي تملأ الدنيا ضجيجاً عن منجزاتها الوهمية، وتوظف عدداً لا يحصى من المطبلين لها والداعمين لضجيجها وأوهامها، دون أن يتذكر أحد منهم أن قرص الشمس لا يحجب بغربال.

عرض مقالات: