اخر الاخبار

كل الكلام الدائر في البلاد، من قبل قوى السلطة وصولاً إلى عدد من قوى المعارضة، يدور في عالم يبدو متخيلاً بالنسبة للأولويات المطلوبة في ظلّ انهيار اقتصادي ونقدي ومصرفي تاريخي هائل في كل المقاييس المحلية والدولية.

المواطنون اليوم يحتفلون بالحصول على علبة حليب لأطفالهم أو غالون زيت لعائلاتهم أو وقود للسيارات أو التدفئة. إنهيار الليرة الصاروخي قضى على قوتهم الشرائية حتى بات إصلاح براد أو ترميم شاشة هاتف يستحوذ على ضعفي الحد الأدنى للأجور، في بلد يسجل أعلى نسب البطالة، فيما ثلث العاملين هم غير نظاميين ولا يتمتعون بأي تغطية صحية أو نظام تقاعدي.

مصرف لبنان مستمر في تعاميمه الهمايونية حيث يصدر كل بضعة أسابيع فرماناً يغير فيه بشكل دراماتيكي من قوانين السوق المصرفية وأسعار الصرف المتعددة ونسب تغطية الاستيراد بالعملة الأجنبية. آخر الابداعات تمرير بضع مئات نقدية من الدولارات النقدية مقابل تخلي المودع عن حقه بالمطالبة بباقي وديعته بالعملة الاجنبية، وإغراق السوق بليرات لا قيمة لها. يضرب مصرف لبنان عمداً سعر الصرف وما تبقى من قوّة شرائية واحتمالات حياة للبنانيين.

طابور المحروقات ينافس طابور الدواء، حيث بات المواطن يتنقل من طابور إلى آخر لتأمين أبسط مقوّمات الحياة المزرية الرخيصة في هذا البلد المتهاوي.

أما أحزاب السلطة بفروعها المتعددة، فتعيش في عالم آخر. لا نقاش في البلاد عن سبل الخروج من الأزمة. لا حلول سوى خطابات ترقيعية مضجرة وبضعة كراتين إعاشة، وجلّ النقاش هو تنافس على حصص حكومية هو أقرب إلى صراع الديوك على مزبلة. الإعلام مرتهَن في خدمة مموليه الداخليين والخارجيين. الحياة السياسية منفصلة عن أي علاقة بالواقع أو بالحلول، وهذا ما يسرّع الانهيار ويعمقه ويؤدي وظيفة تدميرية شديدة الفتك على لبنان واللبنانيين، ما عدا القلة القليلة المتنفّذة في السياسية والمال والأعمال.

ما خلا بعض الطروحات الإنقاذية التي قدمتها بعض قوى التغيير وتحديداً القوى اليسارية منها، تعيش البلاد حالة إنكار سلطوية، كالذي ينكر ضوء الشمس في ظهيرة يوم من آب.

بين الموت والذلة اختارت الشريحة الأكبر أن تنذل لتأمين العيش، لكن الخيار الوحيد للتقدم وعكس مسار التجويع والتدمير السائد هو قلب الطاولة على تحالف الأحزاب الطائفية مع رأس المال ورعاتهم في الخارج، لوضع برنامج إنقاذي يقي ذوي الدخل المحدود شرور المأساة الآتية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

“النداء” اللبنانية – 17 حزيران 2021