في مدن العراق القديمة، حيث تتناغم أصوات الباعة مع همسات التاريخ، وتتعانق الأرواح الثائرة مع جدرانها الصامدة، ثمة قصة تنتظر ان تُروى. قصة حزبٍ نبت في تربة العراق الخصبة، متجذرًا في عمق تسعين عامًا من النضال والأمل. هذه ليست مجرد ذكرى، بل هي رحلة عبر الزمن، تحكي مسيرة الحزب الشيوعي العراقي، الذي كان وما زال ينير درب الباحثين عن العدالة الاجتماعية والحرية والمساواة.

في الذكرى التسعين نقف لنستذكر أولئك الذين غرسوا بذور الفكر الشيوعي في أرض الرافدين، ونحن نتأمل كيف يمكن للحزب أن يواصل مسيرته في ظل تحديات المحاصصة الطائفية والقومية وشيوع الزبائنية التي تعصف بالمنظومة السياسية العراقية. هيا بنا نسافر عبر الصفحات لنرى كيف يمكن صنع التغيير، واعادة تشكيل مستقبل العراق بأيدي أبنائه وبناته الطامحين الى التغيير.

في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتشابك التحديات، يقف الحزب الشيوعي العراقي على أعتاب مرحلة جديدة من النضال الجماهيري، مسلحاً بتاريخه العريق ومبادئه الثابتة. لكن كيف يمكن للحزب أن يعزز نضاله ويوسع تأثيره بين الجماهير في ظل التحديات الراهنة؟

 ان ديمومة الأحزاب تعتمد بشكل أساسي على تفهمها لراهن المجتمع وقدرتها على التفاعل مع قضاياه والمشاركة الفعالة في الحياة السياسية، وعلى تبني مطالب الناس والتعبير عن مصالحهم من خلال تقديم البدائل السياسية والاقتصادية، والمساهمة في إيجاد حلول للمشكلات التي تواجه البلاد.

فالتغيير المنشود ليس مجرد شعار يتوجب رفعه، بل هو مسيرة مستمرة من العمل الدؤوب والتضحيات الجسام التي يجب على الحزب ترسيخ مفاهيمها، والاستمرار في الدفاع عن الديمقراطية والمساواة، والنضال من أجل بناء دولة تحترم حقوق مواطنيها وتوفر لهم العيش الكريم.

يدرك الشيوعيون أن الطريق ليس مفروشًا بالورود، وأن التغيير يتطلب جهدًا مضنيًا وصبرًا طويلاً. لكن بالإيمان، وبالقيم والمثابرة على النهج، يمكن للحزب أن يسهم في تحقيق الأماني والتطلعات.

ومن أجل أن يبقى حزبنا الشيوعي العراقي جزءًا حيويًا من نضال العراقيين، متجددًا ومتطورًا مع الزمن، محتفظًا براهنيته وأهميته في مسيرة البحث عن الحرية والعدالة، فان علينا العمل على تطوير قنوات تواصل مباشرة وفعالة له مع الجماهير، ليس فقط لفهم احتياجاتهم وتطلعاتهم، بل أيضًا لتعزيز وعيهم السياسي والاجتماعي. ومن خلال الحوارات المفتوحة والمنتديات النقاشية، يمكن للحزب أن يبني جسورًا من الثقة والتفاهم مع القواعد الشعبية.

كما يجب على الحزب أن يكون فاعلًا في المجتمع، ليس فقط ككيان سياسي بل كجزء من نسيج المجتمع ذاته. ومن خلال الانخراط في قضايا المجتمع والعمل على حل المشكلات اليومية، يمكنه أن يجسد التزامه بالتغيير الإيجابي ويكسب دعم الجماهير.

وعلى الحزب ألا يتهاون في عملية تطوير كادره، من خلال توفير برامج لتثقيف أعضائه بمبادئ الماركسية وتاريخ الحركات العمالية والوطنية، وتنظيم ورش عمل ودورات تدريبية لتطوير المهارات القيادية والتنظيمية للكادر الحزبي. ومن الضروري إجراء تقييمات دورية فعّالة لأداء الكوادر والقيادات الحزبية، وتحديد نقاط الضعف والقوة، مع ضمان تمثيل جميع شرائح المجتمع في الكوادر الحزبية لتعزيز التنوع والشمول.

كما أن تشجيع الابتكار والتفكير النقدي لتطوير استراتيجيات جديدة تتناسب مع التحديات المعاصرة، ضروريان لتطوير كوادر الحزب وتعزيز قدراتهم.

ويجب أن يظل الحزب ملتزمًا بالقضايا الطبقية والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية. من خلال الدفاع عن حقوق المهمشين، وان يبقى كما عُرف على الدوام صوتا للضعفاء والمستضعفين.

وكما هو معلوم واجه الحزب منذ احتلال العراق في 2003 تحديات جمّة في رسم وتطوير خطابه ليتناسب مع المتغيرات الجديدة، وبات ضروريا أن يقوم باستمرار بمراجعة سياساته لتعكس الواقع المتغير، وخاصة في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في ظل إمعان قوى السلطة في اعتماد سياسات تسهم في إفقار الناس.

والحزب مطالب اليوم بالخروج برؤية موضوعية للتعامل مع المستقبل، وتجاوز محطات الإخفاق عبر تطوير خطابه السياسي ليصبح أكثر شمولية وجاذبية للجماهير، وعبر تقديم الحلول للخروج من أزمة النظام السياسي القائم.

وفي عالم متغير يتوجب على الحزب البحث عن شركاء حقيقيين في النضال وبناء تحالفات معهم، بما يمكّنه من توحيد الجهود لتحقيق الأهداف المشتركة، وتعزيز مواقعه السياسية بعيدًا عن التجمعات الخاوية الباحثة عن منافع آنية.

وعلى الحزب أن يولي اهتمامًا خاصًا بالشباب، والتفكير في آليات جذب جديدة مع الابتعاد عن كل ما يتسبب في إعاقة تحقيق هذه المهمة الملحة. كما لا يمكن للحزب أن يكسب ثقة الجماهير دون أن يكون مثالًا في الشفافية والمساءلة، لهذا فان عليه تطوير آليات للمحاسبة وتعزيز الشفافية داخل هياكله التنظيمية.

أخيرا.. لابد من القول ان الحزب الشيوعي العراقي يتحرك اليوم ويعمل وسط تحديات جمة، وان عليه مسؤولية كبيرة في رسم خارطة طريق نحو مستقبل للبلاد يسوده العدل والمساواة، مجددا وملامسا الواقع وساعيا الى تغييره.

ولتبقى البيارق الحمراء رمزًا للأمل والتغيير، ترفرف عاليًا في سماء العراق، مضيئة الدروب نحو وطن حر وشعب سعيد.

عرض مقالات: