اخر الاخبار

في أيام آذار، حين أضاءوا أول مصباح، بدأ الرواد يغنّون، والسماء التي تقحّموها تسمع نشيد الحرية، وتصغي الى خطوات المسير نحو عالم جديد: هبّوا ضحايا الاضطهاد !

من نور مصابيحك التسعين يتعالى الهتاف جمرة متقدة تحت رماد بلاد ثائرة حتى في صمتها .. عندما يقتلون المنشدين تظل هذه البلاد تغني لأنها ربيبة الشمس ..

البلاد التي وُلِدت فيها الأبجدية، وكتبت فيها امرأة أول قصيدة في التاريخ، وشعّ نورها على الكون.. هذه البلاد مصيرها النهوض حتى وإن كثرت الكبوات، وغدها الإشراق حتى وإن ساد الظلام ..

اليوم أتذكر، من بين أحبة كُثْر، أمي التي عُرِفت بتحديها وهتافاتها للشيوعية، وأبي الذي ما رأيت نظيرا لجَلَده في مواجهة الأهوال .. عائلتي التي روّت مآثر الشيوعيين أغصان شجرتها المورقة في كل الفصول .. العائلة التي كانت أجواء التنوير والثقافة تملأ بيتها، وكانوا يسمونه “بيت الشيوعيين” ..

اليوم أتذكر أيام الصبا حين كانت تستبد بنا الأحلام، وما كنا قد تمرّسنا، بعد، في المسير ..

اليوم أتذكر المعلمين الأوائل الذين ألهمتني أمثولتهم، وأرشدتني الى سبيل الشيوعية .. الأحداث الجسام التي أغنت خبرتي في الحياة .. الآلام التي فتحت نافذة للآمال .. والدروب التي سرت فيها، تحت ظلال رايات سخط ورجاء ..

أجل .. أولئك المعلمون الأوائل الذين أخذوا النهارات ومضوا، لكنهم لم يتركوا لي الليالي، بل تركوا عندي، وعند ملايين الحالمين، مصابيحهم، وقد صارت اليوم تسعينا، ومعها صرنا أسطع يقينا بالأيام، وبالذي تمضي بنا اليه ..

أنتم أيها الوارثون الينابيع، وقد انتمى اليهم خيرة الناس .. القابضون على جمر المعاناة .. السائرون على جسور من أشواك .. المبدّدون ظلمة الطريق .. الهادون الماشين صوب ضفاف الاطاحة بعالم رأس المال ..

أنتم الذين حوّلتم السجون الى مدارس، وفيها كنتم تنشدون، وحفرتم قصائد الاصرار على جدران الزنازين، متحدّين الجلادين في أقبية التعذيب ببطولة نادرة، وسرتم، غير هيّابين، في دروب العمل السري، ورفعتم، بجسارة، السلاح بوجه الدكتاتوريات، وصدحت أصواتكم التي منها يتطاير الشرر في شوارع وساحات الانتفاضات، وسالت دماء شهدائكم وهي تروّي الجبال والسهول والأهوار ..

وأنتن يا أمهات الشهداء، اللواتي ما نامت عيونهن الخُزّر .. وظل نحيبهن يذيب  الصخر، ومآثرهن ترسم خطوات المسير

أنتن أيتها النساء الثائرات .. الحالمات .. واهبات الحياة، اللواتي كنّ، ومازالت حفيداتهن، يتشهّين اكتشاف الرجاء، وتشع أرواحهن بنور الحقيقة، وهي ترشدنا في دروب النضال .. 

أنتم الذين وهبتم أجمل سنوات العمر زهورا لا تذبل، وينابيع لا تنضب، ورايات لا تنتكس ..

أنتم الذين تقاسمتم خبز أيام مريرة، واحتفظتم بدموع كنتم تعرفون أنكم ستحتاجونها يوما ..

أنتم الناظرون الى النجوم، وفي أصواتكم تأتلف الأغاني حتى عندما على النور تختلفون ..

أنتم الذين لا تجفلون من رأي آخر، ولا تخشون نقد ذاتكم، ولا الاعتراف بهزائم تتمثلون دروسها، ومنها تستخلصون العبر الموحيات والآمال المقبلات، مستلهمين ما قاله معلمنا الأول ماركس: البروليتاريا ستهزم مئات المرات قبل أن تنتصر ! 

أنتم الذين تواجهون اليأس متمثلين قول معلمنا الثاني إنجلز: إنها لسذاجة صبيانية أن يجعل المرء من جزعه الشخصي برهانا نظريا !

أنتم السالكون طريق الحق، وما أوحشه لقلة السالكين .. القادمون من تاريخ موغل بالضياء والعدالة والمقاومة .. انتم وارثو الربيع، المفعمون بأسئلة الواقع الحارقة .. الذين تنتظر الأجراس أياديهم وتتوق كي تقرعها، حتى تؤذن باستئناف المسير..

أنتم الذين تبثّون في الشوارع المنتفضة رسائل الاحتجاج ضد ثقافة القطيع، وانحطاط القيم، والاستعراضات الزائفة، وظلام التخلف ..

أنتم الحالمون الذين حطّت حمائمهم على سواقي القلوب، فسمعنا نشيدهم العراقي ممتدا من تراتيل سومر حتى هتافات تشرين ..

أنتم الذين ترون حتى عندما تحجب الدموع الرؤية ..

أيها الشيوعيون .. يا رفاق الدرب:

الرافدان يجريان وئيدين لأنهما يعرفان أن فتاة شيوعية تريد أن تكمل تلك الأغنية التي بدأها الأولون: هذا الحزب الذي قدم ما لا نظير له من الأمثلة الملهمة،  مصيره الحياة المتجددة والسير الى أمام .. يمضي بمصابيحه التسعين وهي تضيء الآفاق، وسبيل الأجيال صوب عالم جديد ..

نواقيس الغضب تقرع في بلاد ما استكانت يوما الى ضيم .. ورماد الفجائع لن يقوى على حجب جمرة الكفاح المتقدة في الروح العراقية ..

وهذه البلاد التي يريدون لها أن تبقى في كهف الظلام ومستنقع الخنوع، تعود، دوما، الى ينابيع الحياة، وتقتحم، دوما، متاريس الجائرين ..

وتلك الأمواج التي تكسرت عند ساحل أيام ثورية، أرشدت السفن الى ضياء ذلك النجم البعيد ..

نظل معاً في ذلك الفوج من السعاة الى إقناع الغيم حتى يتوقف عند خطوات العابرين، ويبلل، بندى الثورة، جباه الحالمين .

من أية رايات تخفق في أياديكم صدحت أنشودة الكفاح ! من أية أشرعة عِذاب سطع وجدانكم المنير كل حين !

يلزمني أفق أرحب حتى تليق كلماتي بمقامكم .. لا شيء يضاهي أرواحكم التي قُدّت من بلّور !

الله يشهد أني لم أقل فيكم ما يضارع مجدكم الذي لا مثيل له .. هل يستطيع عاشق أن يقول !؟

اخترنا طريق الشيوعية، فخسرنا أغلالنا، لنكسب عالماً بأسره !

عرض مقالات: