النشأة والانتماء

يطلق البعض على الرفيق عمر علي الشيخ أبو فاروق بالجندي المجهول، فأغلب الأحزاب العربية الشيوعية والقومية او غيرها لم تتعرف عليه، قيادي في الحزب الشيوعي العراقي منذ عام 1964. قاد التنظيم بعد عام 1963 في ظروف قاهرة وسرية، شيوعي لا يمكن المزايدة على أمميته وهو من أفضل من قادة التنظيم وذو شخصية صامدة ومتواضعة.

ولد عمر علي الشيخ في مدينة السليمانية عام 1926 درس في مدارسها وانتقل إلى بغداد لدراسة الهندسة وتخرج عام 1948- من كلية الهندسة ولم يمارس عملا، سجن بعد التخرج بنفس السنة وشارك في تأسيس اتحاد الطلبة العام في مؤتمر السباع في 14 نيسان 1948. انتمى للحزب في عام 1946 وأثناء تواجده في العاصمة بغداد كما يقول (أبو فاروق) (سُألت، هل تريد ان تلتقي مع الرفيق سكرتير الحزب، فقلت إذا هو يريدني التقي به ولم يحدث هذا اللقاء، ومنذ ذلك الوقت وانا ألوم (أدين) نفسي على هذا الموقف لماذا لم أذهب إليه ولم التق بالرفيق فهد. (محاضرة في عام 1984 عن تاريخ الحزب في مقر زيوه خلف العمادية في قاطع بهدينان).

بعد انقلاب شباط الأسود عام 1963 واسقاط حكومة عبد الكريم قاسم، عقدت لجنة إقليم كردستان للحزب الشيوعي العراقي اجتماعا لدراسة الأوضاع وتقرر أن يبقى عمر علي الشيخ في كركوك لمتابعة التنظيم الحزبي وتصفية بعض البيوت ونقل مطبعة الحزب (رونيو وتايب) إلى مناطق آمنة ضمن تشكيلات فصائل الأنصار للحزب الشيوعي العراقي ضمن الثورة الكردية، إضافة إلى أن تنظيمات الحزب في الإقليم سوف تعتمد على أسلوب العمل السري والعمل على صيانة الكادر الحزبي في المدن والقصبات.

قيادة العمل الحزبي بعد عام 1964

يقول عنه القيادي بهاء الدين نوري كان انسان بسيطا ومتواضعا لطيف المعشر، رغم أنه ميال إلى العزلة وقلة الكلام، ويضيف، ولم أسمع يوما بأنه كان طرفا في أية مشكلة مع سجين اخر.

قاد الرفيق أبو فاروق والذي أصبح عضو المكتب السياسي، التنظيم الحزبي في عام 1964 في ظروف غاية في الصعوبة حيث يشير بهاء، وعن طريق زكية (يقصد زكية خليفة) التقيت بعمر الشيخ الذي كان يضطلع بدور المسؤول الاول بالوكالة والذي بقي في العراق، وفي أواخر كانون الاول 1964 قبضت السلطة عليه وأصبحت أنا المسؤول من بعده. وكانت هذه الفترة من أصعب الفترات على الحزب حيث البلبلة التي أصابت التنظيم جراء ما سمي بخط آب، والذي اتخذته مجموعة من قيادة الحزب، جلهم كان يعيش في خارج البلاد لم يكونوا على تماس مباشر بقاعدة الحزب ودراية كافية بمشاعرهم وبمشاعر الجماهير الواسعة، ان ينفردوا بصوغ خط سياسي جديد تماما ودون أن يحاوروا القاعدة الحزبية ويستأنسوا برأيها في أي صورة من صور الشرعية الحزبية. لقد رسم الخط (خط آب) دون اعتبار للديمقراطية داخل الحزب وكان ذلك خطأ كبيرا دفع الحزب ثمنه غاليا.. فالحزب كان آنذاك يشكو مر الشكوى من مظاهر التسيب، ويشيع فيه ميل للتياسر دفعت إليه الآثار المأساوية التي خلفها انقلاب شباط 1963.

(أبو فاروق) مهندس الهروب من معتقل خلف السدة

يقول المناضل جاسم الحلوائي أبو شروق – تم نقل جميع المعتقلين إلى معتقل خلف السدة، كان المعتقل معسكرا للجيش أساسا، وهو غير محاط بالأسوار حيث الخطة تكون على الشكل التالي – تقوم شرطة القوة السيارة بحراسة المعتقل وتتبدل كل ثلاثة أشهر وخلال التبديل الذي يأخذ وقتا لا بأس به يختلط الحابل بالنابل لعدم معرفة أفراد السرية الجديدة بالطاقم القديم، وخلال هذا التبديل يصبح بإمكان اي معتقل يرتدي ملابس الشرطة ان يحمل بضع بطانيات ملفوفة، ويخرج من المعتقل بدون سؤال وجواب. وتقرر هروب أربعة وهم عمر علي الشيخ وتوفيق أحمد وسليم اسماعيل وأنا بملابس الشرطة.... وقفنا عمر علي الشيخ وأنا خارج القاووش.. وكان ضمن الخطة تحضير دميتين كبيرتين من أجل التمويه...وقام عمر علي الشيخ في صنع الدميتين وحشاهما بالبجامات والقمصان والملابس الرثة.. ووضعت بعد خروجنا من الشباك الحديدي وهي ملفوفة بالبطانيات. ويضيف كان عمر علي الشيخ دقيقا في الأمور إلى حد المبالغة أحيانا وكنت أعطيه الحق في ذلك خاصة وانه كان ضمن عمليتي الهروب الكبيرتين الفاشلتين في سجني الكوت وبعقوبة عام 1952 و1953.

اختار عمر علي الشيخ أن يتقمص هيئة حمال وقد هيأ دشداشة مرقوعة برقعة كبيرة من الخلف وجاكيت قديم وجراوية على غرار ما يلبسه الكوردي...وكان عمر علي الشيخ ينسق مع قيادة الحزب. تم الهروب يوم المواجهة وهو اليوم الاول من نيسان عام 1966 وصادف هذا التاريخ في تلك السنة العيد الاضحى فحشد الحزب للمواجهة أكبر مواجهة يشهدها هذا المعتقل. ويذكر جاسم الحلوائي في كلمة لابد منها، ان مهندس الهروب الناجح وقائده الرفيق عمر علي الشيخ ولم تبخل قيادة الحزب بأي مساعدة ممكنة.

وفي مكان آخر يقول الحلوائي نسبت إلى لجنة التنظيم المركزي وكان سكرتيرها الرفيق عمر علي الشيخ ومعه الرفيقان مهدي عبد الكريم وعبد الوهاب طاهر.

كان متابعا للعمل الحزبي والتنظيمي وتوزيع النشريات، حيث يذكر القيادي سليم اسماعيل، كان يزورني عمر علي الشيخ في المشتمل (للمطبعة) ويأتي لاستلام ماطبع، وفي إحدى المرات جاء ظهرا بسيارة (فوكس واكن) لأخذ كراس أنجز طبعه، والكراس معبأ بصناديق كارتون وعلينا نقله إلى السيارة وكان أبو فاروق على عجل ولديه موعد محدد لإيصال المطبوع. ويصف موقف الرفيق عندما دخل عليهم العميل مالك سيف حيث تحدث معه عن ما جرى في التحقيق وبأنه أصبح عميلا للحكومات السابقة والحالية، وانه سلم رقبة الرفيق فهد للمشنقة.

وعن مواقفه يذكر عزيز سباهي، في هذه الفترة ألقى القبض على عمر علي الشيخ عضو المكتب السياسي وكان يتولى أدارة مركز الحزب في بغداد. وكان اعتقاله مصادفة، فقد تعرف عليه أحد عملاء أجهزة الامن وهو يسير في ساحة التحرير في بغداد، لكن أجهزة الأمن لم تخرج منه بشيء.

عمر علي الشيخ يعطي الضوء الأخضر في البدء بالكفاح المسلح

 بعد هجوم سلطة البعث باجهزتها المتنوعة على الحزب، أصبح الوضع صعبا لأعضاء الحزب ولهذا اضطر بعض الكادر وقيادة الحزب إلى اللجوء إلى الجبل وايجاد مكان مناسب للاختفاء والحفاظ على التنظيم والحزب. حيث يذكر القيادي أحمد باني خيلاني (أبو سرباز). كتبت رسالة إلى عمر علي الشيخ (أبو فاروق) حيث كان مختفيا في بغداد، وسلمتها إلى قادر رشيد (أبو شوان) وقد اشرت فيها أنه بامكاني الالتحاق بمنطقة قرداغ وتشكيل قوة مسلحة او أن أذهب إلى الحدود حيث الحركة المسلحة الناهضة وان النظام سيكون على معرفة بحملنا السلاح وبما أني عضو اللجنة المركزية، فان النظام سيحملكم المسؤولية ويهاجم مقرات الحزب فما هو رأيكم؟ وعند عودة الرفيق أبو شوان، أبلغني أن لقاءه مع الرفيق أبو فاروق تم في الشارع، وأنه قرأ الرسالة في السيارة وأن الرفيق أبلغه بأنه لايستطيع كتابة رسالة الي، ولكن أخبره كلما يستطيع من هذه الناحية فليفعله، ولا يهتم بنا وبالمقرات، إن المهم فتح طريق لانقاذ الرفاق والكوادر من أيدي النظام، فعندما رجع الرفيق أبو شوان وأخبرني بما قاله الرفيق أبو فاروق، قررت الخروج من المدينة والتوجه إلى قرداغ.... كما أنه يذكر في أواخر عام 1977، اتفقت مع أبو فاروق بأن نهيئ بعض البيوت في أربيل بمعزل عن المنظمة. وفي أيلول 1978 اقترحت على أبو فاروق اعطاءنا جهاز طباعة جيد لنقله إلى كردستان، قال لدينا عدة أجهزة تابعة لدار الرواد ونحن لا نستخدمها وبإمكانكم أخذها. كما كان يشرف على عمل الحزب حيث كتب رسالة إلى أبو سرباز وطلب منه ومن توما توماس الاختفاء لانه ليس من المستبعد ان يتم اعتقالهما بعد اعتقال مجموعة من الرفاق العسكريين (يوسف اسطيفان وسعيد مطر وحامد مقصود وملازم أحمد الجبوري والعاملين في مطبعة دار الرواد).248

شكل الحزب تنظيما سريا (قيادة ظل) يقوده الرفيق عمر علي الشيخ أبو فاروق عضو المكتب السياسي ومعه يوسف اسطيفان (أبو عامل) عضو اللجنة المركزية وعائدة ياسين (أم علي) مرشحة اللجنة المركزية.

بعد اجتماع اللجنة المركزية عقد اجتماع خاص لأعضاء اللجنة المركزية الذين سيعملون في كردستان، وتم تشكيل اللجنة العسكرية (هندرين) لادارة وقيادة الانصار عسكريا وحزبيا وتم توزيع العمل كالتالي:

عمر علي الشيخ مسؤول عن لجنة هندرين وهي القائدة حزبيا وعسكريا في كردستان. يوسف سليمان مسؤولا عن الأنصار. أحمد باني خيلاني مسؤولا حزبيا وعسكريا في السليمانية. توما توماس مسؤولا عسكريا في بهدينان. يوسف حنا مسؤولا حزبيا وعسكريا في كوستا. بهاء الدين نوري مسؤولا عن الإعلام والإذاعة.

صفات المناضل أبو فاروق

أحد الرفاق القياديين يقول - الذي لايعرف القيادي عمر علي الشيخ ودوره في الحزب لا يعرف شيئا عن العمل السري للشيوعيين، وهو القيادي المخضرم منذ 1964. حيث عمل في التنظيم السري في كل العهود منذ الزمن الملكي حتى نزوله مع مجموعة من الرفاق القياديين والكوادر عام 1990 و1991 إلى بغداد لإعادة التنظيم الحزبي.

أبو فاروق لا يحب ان يكون في العلن، فهو يعمل في العمل السري وتعايش معه منذ دخوله الحزب. ومن صفاته طيب وعفيف النفس متواضع ومخلص حريص على الحزب زاهد في حياته، وهناك الكثير من القصص تحكى عنه. الآن بلغ 97 من عمره متمنين له الصحة فهو أدى الامانة بكل اخلاص وشجاعة وبطولة. متزوج من المناضلة بخشان القيادية في الحزب الشيوعي الكردستاني ولديهم بنت واحدة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*هذا توصيف الرفيق حسان عاكف عضو المكتب   السياسي السابق

المصـادر

الحقيقة كما عشتها جاسم الحلوائي دار الرواد المزدهرة 2006

مذكراتي أحمد باني خيلاني دار الرواد المزدهرة 2009

المسيرة – صفحات من نضال كريم احمد مطبعة شهاب 2006

عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي ج3–عزيز سباهي2006

الصراع-سليم اسماعيل البصري –مطبعة المدى 2006

رسالة من الرفيق جاسم الحلفي

عرض مقالات: