اخر الاخبار

يعتمد الفكر السياسي لحزبنا النهج الماركسي في قراءة وتحليل الاحداث والظواهر لرسم الخطط الانية والبعيدة والتي تعبر عن العلاقة الجدلية بين الامكانيات والواقع. ويعّد خطابنا السياسي تعبيراً مكثفاً عن الفكر السياسي  الماركسي. وإذا  تناولنا عملية المشاركة  في الانتخابات وفق هذه الرؤية، سوف لن اختلافاً بصدد المشاركة في الانتخابات باعتبارها واحدة من  الوسائل السلمية للنضال من اجل التغيير الشامل و الذي  نسعى من خلالها الى بث الوعي الديمقراطي الحقيقي بين صفوف الجماهير، و تهيئة الحامل الديمقراطي للتغير، وتغيير موازين القوى لصالح مشروع التغير الشامل.

إن الهدف من دراسة الظروف الموضوعية والذاتية يكمن في معرفة الاسباب التي تقف وراء خسارتنا في انتخابات مجالس المحافظات. فعلى الصعيد الموضوعي، نحن نواجه سياسة نظام المحاصصة الطائفية وما انتجه من قوانين وممارسات أصبحت كابحا حقيقيا للتغيير، وهناك مقاطعة من بعض القوى السياسية التقليدية والأحزاب والقوى التشرينية الجديدة بالإضافة الى المقاطعة الشعبية الذي تمثل  نسبة كبيرة جدا. ولو صدقنا بنسبة المشاركة التي أعلنت عنها المفوضية العليا للانتخابات وفق بيانها فإن “عدد المصوتين الكلي في التصويتين العام والخاص بلغ 6 ملايين و599 ألفا و668 ناخبا، بينما بلغت نسبة التصويت الكلية 41 بالمئة، واذا ما تم مقارنة بيانات المفوضية بعدد المشاركين والذين لهم حق الاشتراك والبالغ عددهم  17 مليون ناخب للاختيار من بين 6 آلاف مرشح يتنافسون على 285 مقعدا في 15 محافظة من اصل 18 محافظة (لان 3 محافظات منضوية في إقليم كردستان لم تشارك في انتخابات مجلس المحافظات)، يتبين لنا ان النسبة الحقيقية للمشاركة تمثل 38,82 بالمائة أي ان هناك 61,18 بالمائة ممن لهم حق الاقتراع، لم يشاركوا في الانتخابات، وهي نسبة عالية جداً.

أسباب عدم المشاركة والمقاطعة لم تعد خافية فهي معروفة قبل السباق الانتخابي، وتكمن في انعدام الثقة بالطبقة السياسية الحاكمة، والتزوير المتكرر للانتخابات والذي يجري التفنن به مع التطور التكنولوجي للأجهزة المستخدمة في التصويت والعد والفرز ولاسيما التصويت الخاص، بالإضافة الى عيوب قانون الانتخابات ونظام سانت ليغو لحساب الأصوات المعدل والذي  يخدم الاحزاب والقوى الجهوية والطائفية، وهيمنة الدولة العميقة والمليشيات والسلاح المنفلت و عدم تطبيق قانون الاحزاب.

وكنا نطرح  في خطابنا السياسي اليومي كل هذه الاسباب والمبررات، ناهيك عن ما تم طرحه حول مجالس المحافظات التي تعتبر اساس الفساد و الذي تم استغلالها استغلالا كاملا من قبل اللجان الاقتصادية للأحزاب المتحاصصة لسرقة أموال طائلة خلال السنوات السابقة. وكذلك اتفاقنا الضمني مع مطالب الانتفاضة التشرينية في حلها، ولكن حينما قررنا المشاركة كان كل هذا الكم الهائل من المبررات للمقاطعة وعدم المشاركة عالقا في الذاكرة الجمعية لمنظمات حزبنا وجماهيرنا وأنصارنا، ناهيك عن الجماهير الشعبية المكتوية بنار المحاصصة الطائفية والجهوية. ولهذا لم نستطع خلال هذه الفترة القصيرة من تغيير هذه القناعات بمشاركة منظماتنا وجماهيرنا والجماهير الشعبية التي كانت مع عدم المشاركة والمقاطعة!

كان علينا ان ندرس الواقع بعيدا عن الامنيات والقرارات الإرادوية، فوفق الاحصائيات كان هناك 6 ملايين من 17 مليون لهم حق المشاركة، لم يجددوا البطاقة البارومترية، وهناك  أيضا اكثر من مليونين من العوائل المتعففة، و 8 ملايين امي وحوالي 6 ملايين في الجهاز الإداري والقوى الأمنية وملايين العاطلين. وتتأثر أغلبية هؤلاء بدرجة كبيرة بسياسة التخادم والدعاية السياسية الزائفة بالإضافة الى الجهل والاصطفافات العشائرية والطائفية السياسية!

لقد كانت نسبة المشاركة المتوقعة اقل من 20بالمائة !! و التساؤل الهام والحارق هل تم حساب ذلك حين اتخاذ قرار المشاركة!! في الوقت الذي كان هناك تفاؤل كبير جدا في  الندوات والمقابلات عبر وسائل الاتصال والإعلام ووسائل التواصل من وجود توقعات بإمكانية الفوز هنا وهناك وذهب البعض الى تأكيد حصولنا على مقاعد في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة!!

أما على الصعيد الذاتي مثلت الانتخابات معركة سياسية لحزبنا الشيوعي العراقي والذي عمره 90 عاما  خاض خلالها العديد من المعارك الطبقية والسياسية وتعرض الى الانتكاسات والانتصارات والتراجع وواجه اعتى الانظمة الرجعية والدكتاتورية الفاشية وقدم آلاف الشهداء والمعتقلين والمطاردين والمشردين خلال تاريخه المجيد.

ويسعى الحزب في الوقت الراهن عبر النضال السلمي لتحقيق اهدافه بالتغير الشامل، ويقف في سلم اولوياته تحويل الحزب الى حزب جماهيري قادر على لعب دور رئيسي في النضال الوطني الديمقراطي، مما يتطلب منه بعد هذه النتائج الوقوف وقفة جادة لتقيم سياسته التنظيمية و العمل على تجديد وسائله النضالية وإشكاله الكفاحية وتجاوز الاساليب القديمة والبالية التي أدت الى الترهل والتسرب والبيروقراطية واللا أبالية والروتين القاتل الذي ساهم في العزلة عن الجماهير الواسعة وجعل من تراكم هذه الاشكاليات أزمة حقيقية يتطلب معالجتها عبر الحوار البناء داخل الحزب وخارجه لبناء حزب جديد بأشكال تنظيمية جديدة قادرة على تحشيد الجماهير في مختلف القطاعات، واعتماد الشفافية والمكاشفة واستمرارية تطوير الديمقراطية الحزبية والمشاركة الاوسع في صناعة القرارات وبناء الخطاب السياسي القادر على الوصول للجماهير وتحريكها للدفاع عن مصالحها، ومواصلة تجديد الحزب لتحويله الى حزب جماهيري انتخابي حقيقي.

ان نتائج الانتخابات المتواضعة التي حصلنا عليها لا تمثل نهاية العالم على الرغم من أنها انتكاسة حقيقية مقارنة بالجهود التي بذلت من قبل الحزب ومنظماته، لذا يتطلب منا ان نعيد تقيم سياستنا ومعالجة الخلل على جميع الاصعدة، و هذه المعالجات  تتم عبر قراءة فكرية واقعية وعلمية لنتائج الانتخابات لتعزيز وحدة الحزب من خلال القبول بالرأي والرأي الاخر وإعطاء مساحة أكبر للأقلية الفكرية للتعبير عن آرائها وتصوراتها  في صحافة وإعلام الحزب وإدارة الصراع الفكري في الحزب بما يخدم الحفاظ على الوحدة في اطار التنوع، وأول الخطوات هو تقييم سياستنا من قبل مجالس المحليات ومنظمات الخارج  وصولا الى المجلس الحزبي العام الذي ستكون الانتخابات هي جزء من التقييم الذي سوف يتناول سياستنا منذ 2003 حتى 2023، ولا يعني بأي حال من  الاحوال أنها عملية جلد ذاتي كما يحب تسميتها الفريق المعارض للتقييم، بل هي مراجعة عملية وعلمية وفق النهج الماركسي لتلمس الأخطاء وتقويم الخطاب السياسي، ولكي تكون هذه المراجعة حقيقية ورصينة يتطلب بنائها على الشفافية والمكاشفة والنقد والنقد الذاتي لتطوير عملية الديمقراطية والتجديد المتواصل لحزبنا الشيوعي العراقي .

عرض مقالات: