اخر الاخبار

اغتيلت روزا لوكسمبورغ يوم 15 كانون الثاني 1919. ويعود تاريخ رسالتها الأخيرة الى كلارا زيتكين (التي نشرت في كتاب “رسائل روزا لوكسمبوغ”) * الى يوم 11 كانون الثاني 1919، في أعقاب سحق انتفاضة السبارتاكيين.

وفي آخر نص معروف لها تحت عنوان (النظام يسود في برلين) تكتب روزا لوكسمبورغ عن الأسباب التي أسهمت في فشل الانتفاضة وعن مستقبل الحركة.

تقول لوكسمبورغ: “يمكن ويجب خلق قيادة جديدة من جانب الجماهير. الجماهير هي العامل الحاسم. إنها الصخرة التي يشيد عليها النصر النهائي للثورة. وهذه الجماهير جديرة بالتحدي، وارتباطا بهذه “الهزيمة” صاغت حلقة في سلسلة الهزائم التاريخية، وهي فخر وقوة الاشتراكية الأممية. وهذا هو السبب الذي يجعل انتصارات المستقبل تنبثق من هذه “الهزيمة””.

وقد كتبت هذه الرسالة مباشرة في أعقاب انتفاضة “عصبة سبارتاكوس” المجهضة في الفترة من 4 – 10 كانون الثاني، وهي الانتفاضة التي سعت الى الاطاحة بحكومة الحزب الديمقراطي الاجتماعي في ألمانيا، واقامة حكومة ثورية تمثل حاجة الطبقة العاملة الألمانية للاشتراكية الحقيقية. وعلى الرغم من أن كارل ليبنخت وآخرين ابتهجوا بهذه الأحداث كأساس للاطاحة بالنظام، فان روزا لوكسمبورغ نظرت اليها باعتبارها رد فعل دفاعياً، واعتبرت مواقف المطالبة بالاستيلاء على السلطة غير ناضجة. غير أنها قررت أنه لا يمكن الوقوف بوجه الانتفاضة، آخذة بالحسبان مجرى الأحداث على الأرض، وقد بات من المتعذر التحكم بها...

وتحاول لوكسمبورغ أن تكشف أفضل وجه محتمل للهزيمة، مجادلة بأن الانتخابات قد لا تجرى... وتسعى الى أن تبقي معنويات رفيقتها وصديقة عمرها عالية، عبر تذكيرها بأنه ما من هزيمة يمكن أن تكون أبدية “طالما أن الأحداث هي مدرسة رائعة للجماهير”.

ومما له دلالة أن تنهي هذه الرسالة مجموعة (رسائل روزا لوكسمبورغ)، معتبرين أنها تكشف عن وجهة نظرها المعروفة من أن الناحية الأكثر أهمية في الصراع الاجتماعي هي “التركة الفكرية” التي تخلفها لأجيال المستقبل كي تواصل الكفاح من أجل الحرية.

أدناه النص الكامل للرسالة:

الى كلارا زيتكين

برلين – 11 كانون الثاني 1919

كلارا الأعز

تسلمت، اليوم، رسالتك المفصلة، ووجدت، أخيراً، فرصة قراءتها بهدوء وسلام، والاجابة عليها، وهو الأمر الأهم. من المستحيل علي أن أصف طريقة الحياة التي عشتها – وعشناها جميعاً – خلال الأسابيع الأخيرة: الاضطراب والقلق، والتغيير الدائم لأماكن السكن، واالتقارير التي لا نهاية لها، وهي تمتليء بنذر الخطر، وفي غضون ذلك استمرار التوترات في العمل ...الخ. ولم أستطع أن أجد، بالمعنى الحرفي، الوقت اللازم للكتابة اليك. فانا لا أجد فرصة الا لساعتين أثناء الليل. وربما أفلح، هذه الليلة، في كتابة هذه الرسالة. غير أنني لا أعرف كيف أبدأ، إذ لدي الكثير لأخبرك عنه.

حسناً، إذن، أولاً، وقبل كل شيء، وبقدر تعلق الأمر بعدم المشاركة في الانتخابات، فانك تبالغين، الى حد كبير، في تقدير مدى عواقب هذا القرار. ليس هناك “روهليون” (نسبة الى أوتو روهلي (1874 – 1943)، الماركسي الألماني الناشط في معارضة الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولم يكن روهلي، على الاطلاق، “زعيماً” في المؤتمر). إن “هزيمتنا” لم تكن سوى مأثرة للراديكالية الطفولية، غير الناضجة، ذات البعد الواحد. ولكن ذلك لم يكن الا في بداية المؤتمر. وفي الاتجاه الأخير، فان الشعور بيننا (حول الزعامة الرئيسية) وبين المندوبين تحول الى أساس سليم، وعندما عدت، بايجاز، الى مسألة المشاركة في الانتخابات خلال تقريري، شعرت بصدى مختلف تماماً عما كان عليه الحال في البداية. لا تنسي أن “السبارتاكيين” هم، في الغالب الأعم، جيل جديد فتي، متحررون من التقاليد المخدرة لـ “الحزب القديم، المجربة والصحيحة”. ويجب أن يجسد ذلك في جانبي الضوء والظل. لقد قررنا بالاجماع أن لا نجعل من هذا قضية كبيرة للغاية، وأن لا ننظر الى المسألة بطريقة فاجعة. والحق فان قضية الجمعية الوطنية (والانتخابات كلها) ستدفع الى الخلف من جانب عاصفة الأحداث، واذا ما استمر مجرى الأحداث كما هو الحال حتى الآن، فسيثبت أنه من المشكوك فيه، الى حد كبير، ما اذا كانت الأمور ستصل الى نقطة الانتخابات والجمعية الوطنية. إن حكمك على الموضوع (وأعني بهذا ما اعتبرتِه الطبيعة التراجيدية للقرار) يختلف تماماً عن حكمنا، لأنك لا تتمتعين، الآن، لسوء الحظ، بالاحساس بالتفاصيل كما نفعل نحن، وأكثر من ذلك، الاحساس بالوضع الخاص، وهو ما يتطلب من المرء تجربة المراقبة المباشرة. وكان حافزي الأول عندما قرأت رسالتك وبرقيتك حول مسألة الانتخابات هو أن أبعث اليك برقية: تعالي الى هنا بأسرع ما يمكن. وأنا واثقة بأن مكوثك هنا فترة أسبوع والمساهمة المباشرة في نشاطاتنا ومشاوراتنا سيكون كافياً لخلق توافق كامل بينك وبيننا في كل النواحي. غير أنني أجد نفسي، في كل حال، مرغمة على قول العكس لك: إنتظري قليلاً، وأنت على وشك المجيء الى هنا، حتى تحل علينا أوقات أكثر هدوءاً الى حد ما مرة أخرى. إن العيش وسط الاضطراب الراهن والخطر الدائم، والتغيير المتواصل لأماكن السكن، والتوتر والاندفاع، لا يوافقك، وبشكل خاص لن تكون هناك امكانية، أبداً، للعمل أو حتى التشاور بطريقة مناسبة. وآمل أن يكشف الموقف عن نفسه، في غضون أسبوع أو نحو ذلك، وبوضوح، بطريقة أو بأخرى، وعندئذ سيكون العمل المنتظم ممكناً مرة أخرى. وبالتالي فان انتقالك الى هنا سيكون بداية تعاون منهجي في سياق ما يمكن أن يتحقق، أوتوماتيكيا، من اتفاق متبادل وفهم مشترك.

ملاحظة:  لم نقبل أي “بورشاردتيين”(1) في المنظمة. على العكس من ذلك فقد أبعد بورشاردت من جانب “الشيوعيين الأمميين” (2)، وجرى ذلك، في الواقع، بناء على طلبنا. إن أغلبية الشيوعيين كانوا من هامبورغ وبيرمن. ومن المؤكد أن لهذا الاستحواذ جوانبه الشائكة، غير أن هناك، على أية حال، مسائل ثانوية ستجري تسويتها مع تقدم الحركة. وعلى العموم فان حركتنا تتطور على نحو رائع وفي جميع أرجاء ألمانيا. وبات الانفصال عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي المستقل مسألة لا مفر منها على الاطلاق لأسباب سياسية، ذلك أنه حتى لو كان الناس مايزالون أنفسهم كما كانوا في غوتا (3)، فان الموقف بات مختلفاً تماماً. إن الأزمات السياسية الحادة التي نمر بها هنا في برلين خلال فترة الأسبوعين الماضيين أو يزيد قد أغلقت الطريق نحو العمل التنظيميي المنهجي لتدريب منتسبينا الجدد، غير أن هذه الأحداث هي، في الوقت نفسه، مدرسة رائعة للجماهير. وأخيراً، فان علينا أن نتعامل مع التاريخ بواقعية أيَاً كان اتجاهه ومجراه. إن حقيقة أنك نادراً ما تتسلمين صحيفة (الراية الحمراء) مسألة صادمة. سأتدبر الأمر شخصياً وأرسلها اليك كل يوم. وفي هذا الوقت تستمر المعارك في برلين. (4) وقد سقط الكثير من شبابنا الشجعان صرعي، واعتقل ميير وليديبور، ونخشى أن يكون جوغيشيز قد اعتقل أيضاً.

يتعين علي أن أنهي رسالتي هذا اليوم.

أعانقك ألف مرة،

المخلصة لك

روزا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* هذه الرسالة مترجمة عن كتاب (رسائل روزا لوكسمبورغ) الصادر بالانجليزية عام 2013 عن دار (فيرسو) بلندن، ويضم 190 رسالة كتبتها روزا لوكسمبورغ الى شخصيات بارزة في الحركة العمالية والاشتراكية الأوروبية، وهم: ليو جوغيشيز، كارل كاوتسكي، كلارا زيتكين، وكارل ليبنخت، وكانوا من بين أقرب رفاقها وأصدقائها. وهذه الرسائل تضيء الحياة الداخلية لهذه الإيقونة، التي كانت قائدة ثورية، ومنظرة اجتماعية واقتصادية، وناشطة سياسية، وكاتبة ذات أسلوب جذاب.

(1) إشارة الى جوليان بوشاردت، الصحفي والناشط اليساري الألماني.

(2) في تشرين الثاني عام 1918 جرى تبني اسم “الشيوعيين الأمميين” أولاً من جانب المجموعات اليسارية في هامبورغ وبريمن، ثم من قبل مجموعة دريسدن. وقد انضموا الى الحزب الشيوعي الألماني ومؤتمره التأسيسي.

(3) عقد الحزب الاشتراكي الديمقراطي المستقل مؤتمره في غوتا في 6 – 8 نيسان 1917.

(4) في 4 كانون الثاني 1919أعلنت الحكومة الديمقراطية الاجتماعية إقالة إيميل إيشهورن، الذي كان رئيساً لشرطة برلين. وينتمي إيشهورن الى الجناح اليساري للحزب الاشتراكي الديمقراطي المستقل. وقد رد العمال والجنود الثوريون على هذا باقامة تجمع حاشد في برلين، وكان بعضهم يحملون السلاح. واعتقل كارل ليبنخت من قبل المجموعات العسكرية الفاشية المضادة للثورة (فيالق المتطوعين المزعومة). وفي 15 كانون الثاني جرى اغتيال روزا لوكسمبورغ وكارل ليبنخت.