اخر الاخبار

في الأنظمة السياسية تعد السلطة التشريعية أعلى سلطة في النظام البرلماني، وهي بموضع التشريع، والمراقبة والإشراف على السلطة التنفيذية التي هي مسؤولة عن اقتراح القوانين وارسالها إلى البرلمان ومن ثم تنفيذها في حالة قراءتها والتصويت عليها، في حين تقف السلطة القضائية بموقع الحياد ووظيفتها الفصل في المنازعات التي قد تحصل بين السلطة التشريعية والتنفيذية فضلاً عن وظيفتها الأساسية في التحكيم والمقاضاة وتحقيق العدالة، وعليه فإن السلطة التشريعية في النظام البرلماني تتقدم على السلطتين التنفيذية والقضائية من حيث الوظيفة، لما لها من صلاحيات كبيرة منها صلاحية تعين رئيس واعضاء السلطة التنفيذية(رئيس مجلس الوزراء ورئيس الدولة) وعزلهما، كما انصت على ذلك كل الدساتير وتحديد صلاحيات واسعة ترسم السياسات العامة وتصوت عليها كقوانين تلزم الحكومة بتنفيذها، فعلى سبيل المثال لا الحصر اناط الدستور العراقي النافذ صلاحيات جمة بمجلس النواب، فقد نصت المادة(61) منه بصلاحيات كثيرة منها: تشريع القوانين الاتحادية، والرقابة التشريعية على السلطة التنفيذية والرقابة على أداء السلطة التنفيذية، واختيار رئيس الدولة، وتنظيم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يسن بأغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب، والموافقة على تعيين كل من: رئيس واعضاء محكمة التمييز الاتحادية ورئيس الادعاء العام ورئيس هيئة الاشراف القضائي بالأغلبية المطلقة، بناءً على اقتراح من مجلس القضاء الأعلى، والنائب العام، وتأسيس المجلس القضائي، واختيار قضاة المحاكم العادية، والسفراء واصحاب الدرجات الخاصة باقتراح من مجلس الوزراء ، ورئيس اركان الجيش، ومعاونيه، ومن هم بمنصب قائد فرقة فما فوق، ورئيس جهاز المخابرات، بناء على اقتراح من مجلس الوزراء، واختيار القيادات الميدانية. ونص الدستور أيضا على مساءلة رئيس الجمهورية بناءً على طلبٍ مسبب بالأغلبية المطلقة لعدد اعضاء مجلس النواب، والرقابة التشريعية على السلطة التنفيذية، واعفاء رئيس الجمهورية بالأغلبية المطلقة لعدد اعضاء مجلس النواب، بعد ادانته من المحكمة الاتحادية العليا في إحدى الحالات الآتية: الحنث في اليمين الدستورية، انتهاك الدستور والخيانة العظمى، ولمجلس النواب اقالة رئيس الحكومة أو اعضاء مجلس الوزراء. وكذلك له صلاحية الموافقة على إعلان الحرب وحالة الطوارئ بأغلبية الثلثين، بناء على طلبٍ مشترك من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، وكذلك له سلطة إعلان والموافقة على الحرب.

وهنا يتضح مدى الصلاحيات المناطة بأعضاء مجلس النواب أو السلطة التشريعية، وعليه فعندما ينتخب مرشح ما بعد الحصول على نسبة عالية من الاصوات وجعلها بهذا المستوى كونه يصبح ممثلا عن الشعب، ومشرعا عنهم فيما يحتاجه البلد ومواطنوه من قوانين تنظم جوانب الحياة العامة والخاصة بصورة عصرية عادلة، وبالتالي فالانتخابات في الأنظمة البرلمانية تمثل فيصلا أساسيا كمبدأ رئيس من سيادة نمط الحكم الديمقراطي يستطيع من خلالها الشعب انتخاب ممثليه ليكونوا مشرعين، لذا وجب هنا أن يكون الانتخاب قائما على أسس عقلانية ومهنية منها أن يكون عالما بالشرائع والقوانين، له اطلاع واسع على ثقافات المجتمع، و أن يتميز بالإخلاص للدولة، و أن يتسم المرشح ايضا بالنزاهة والسيرة الحسنة، ولا تشوبه شائبة من فساد أو جرائم أو تورطه بالمال والدم العام والخاص داخل البلد وخارجه، وان يكون من مواطني البلد لفترة لا تقل عن خمس سنين حتى يكون عارفا بمتطلبات الدولة والمجتمع، و أن يتخلى عن أي انتماء قانوني أو سياسي لصالح دول أو جهات خارجية، حتى لا يتعارض ذلك مع مصلحة الدولة والمواطنين، إضافة إلى الصدق والأمانة وصاحب برنامج وطني قابل للتطبيق يعد بتنفيذه حال فوزه في عضوية مجلس النواب كمشرع عن الشعب، وغير ذلك من اخلاقيات العمل السياسي، ولا نجد غرابة عندما وضعت فلسفة الفكر السياسي قديما وحديثا مبادئ صارمة فيمن يمتهن العمل السياسي والنيابة والتشريع عن الناس، من ضمن ذلك أن تكون الخدمة هذه تشريفا يتنازل على ضوئها عن الملكية الخاصة، وفي حالة المخالفة أو النكث بوعوده، تكون عقوبته المعنوية أمام الناس شديده، وأمام القانون صارمة، وهذا راجع إلى الوظيفة الوطنية القانونية التي أنيطت من قبل الناس للمرشح في الانتخابات، لكن الواقع السياسي اليوم في الانظمة البرلمانية في عدد من الدول العربية كالعراق ولبنان أصبحت هذه الوظيفة ومبادئها والصلاحيات المناطة بها لا تمت إلى كل ما أشرنا له من خلال تحول الوظيفة هذه إلى وظيفة اوليغارشية وإلى أداة للكسب غير المشروع، وتنفيذ أجندات حزبية ضيقة بعيدة عن أخلاقيات العمل التشريعي والنيابي، وبالتالي يصبح النائب بعد فوزة بعضوية مجلس النواب بمعزل عن طموحات ناخبيه، لذا علينا أن نفكر بجدية في اختيارنا قبل الانتخابات لاسيما ونحن على ابواب انتخابات برلمانية في تشرين الأول من هذا العام ستحدد مصير البلد لسنوات اربع قادمة قد تكون عبئا كسابقاتها من الأعوام الثمانية عشر الماضية أو قد تكون هناك مفاجئات وهذا يتوقف على اختيار أبناء المجتمع وطموحاتهم بالتغيير. 

كلية العلوم السياسية/جامعة الكوفة*

عرض مقالات: