اخر الاخبار

 يدرك كل عراقي وطني مخلص مهما كانت صلته بالسياسة أو إنتماءاته، حتى لو كانت خيطية، كم قدم الحزب الشيوعي من تضحيات جسيمة وكم خاض من معارك دامية وصراعات كبرى مع القوى التي كان المفروض بها ان توثق العلاقة معه لبناء عراق ديمقراطي حر ومزدهر. كذلك مع تلك القوى الرجعية أو المرتبطة بالأجنبي و العميلة، التي تريد جر العراق الى الخلف والعودة به الى ما قبل الطوفان. ويعرف القاصي والداني ان هذا الحزب قد اصبح عميداً للقوى السياسية المختلفة وأطولها عمراً. ففي آذار القادم سيبلغ من العمر تسعين ربيعاً ، ولا يزال يزخر بالعطاء ويتحمل المسؤولية بجدارة وإقتدار ، رغم كل المعوقات والعراقيل والمؤامرات. فلا يمكن القفز عليه او مجاراته في ادواره المشرِّفة ولا تصوارته التقدميَّة والجذريَّة للنهوض ببلدنا وشعبنا واللحاق بركب الحضارة والمدنية والرقي.

ماذا أكتب عنه ؟ هل اكتب عن الشهداء الأبطال الذين قدموا حياتهم قرباناً لشعبهم  ، عن المفكرين المتنورين الذين حركوا الساكن والجامد والمتحجر، عن المبدعين من شتى أجناس الإبداع ، عن الكادحين الذين قدموا كل غالٍ وثمين من اجل ان يستمر في النضال والسير قدما نحو الأهداف التي تصب في مصلحتهم وتحقق لهم حياة كريمة تليق بهم وبما قدموه للوطن من كدح وشقاء وجهد لا يثمن رغم الفاقة والعوز ؟؟؟؟

كان هذا الحزب رغم التعقيدات المحيطة بالوطن والناس يتخلى عن الكثير من المطاليب ويتنازل امام الأحزاب الأخرى ، كي تعبر مسيرة شعبنا بسلام الى بر الأمان و يتناسى أو يغض الطرف عن جرائم القوى التي تحاربه بضراوة وحقد ، عندما تستولي على السلطة. فيطرح البرامج الممكنة والقابلة للتحقيق حتى مع تلك القوى، إلا انه مع ذلك يجابه بالقمع وبدموية سافرة وحقد لا يوصف. فحرصه على مصالح شعبنا تجعله يضعها قبل مصلحته الخاصة وإن كانت مصلحته تصب بشكل أكثرعمقاً ونجاعةً من غيرها .

لقد راهن الجميع وآلوا على أنفسهم  للقيام بالدور الموكول لهم في القضاء على حزب الكادحين وطليعتهم الثورية وتبارى الكل في الوصول الى هذه الغاية ، ولا يزالون، لكن التجربة التاريخية اثبتت عكس ذلك فقد زالوا وبقيَ الحزب. من يتذكر أولئك الذين أقسموا على القضاء على الشيوعية والى الأبد أو مسحها تماماً من على تربة بلاد ما بين النهرين؟ فقد أمسوا في المكان الذي يليق بهم : مزبلة التاريخ طبعاً  وبقي الحزب محاطاً ومحمياً من قبل الناس الخيرين وطليعة الشعب العراقي والعقول النيِّرة التي تدرك اهمية وضرورة وجوده في عراقنا الحبيب .

كان العراقيون الذين لا يستطيعون السير والعمل في صفوفه ، يتفننون في كيفية مساعدته وبطرقهم الخاصة، قلم حبر من صديق لكتابة محضر الخلية ، دراهم معدودة لشراء فانوس يسهر عليه الرفاق في إجتماعاتهم السريّة ، بضعة دنانير تتجمع لشراء طابعة لكتابة التقارير الحزبية ، ساعة يد او راديو ترانزستر للسجناء لمعرفة الوقت وما يجري خلف الجدران، مجموعة كتب مفيدة . أكلات لذيذة و طعام للسجناء الشيوعيين ، إيصال رسالة أو توصية ومقترح الى الحزب. ولم يكن الحزب بعيداً عن هؤلاء ولا غافلاً عن حاجاتهم كذلك، فهناك دورة لتعلم الخياطة ودروس مجانية للطلبة الذين في حاجة الى تقويتهم دراسياً ودورات لمحو الأمية وتعليم كبار السن من النساء والرجال، ادوية للفقراء المعوزين ومحامون للدفاع عن قضايا الناس والمستضعفين في المحاكم، ناهيك عن تبصيرهم حول القضايا الهامة والكبرى عما يجري في الوطن والعالم وكيفية إدارة الصراع والتصدي للظالم والمستبد.

ماذا بعد ؟ هناك الكثير! هل هناك اغلى من الحياة نفسها ؟ فقد قدمها الشيوعيون بسخاء، كي ينهض العراقيون ويتحرر الوطن. وهم على الدرب مستمرون .

ومع إقتراب الذكرى التسعين لميلاد الحزب ، يواصل الشيوعيون وأصدقاؤهم العمل لإستكمال بناء مقر الحزب المركزي أو بالأحرى بيت الحزب أو بيت العراقيين. لأن الحزب الشيوعي كما هو معروف يضم في صفوفه  كل العراقيين بدون تفرقة او تمييز، العربي والكردي والتركماني والآشوري وغيرهم من القوميات المتحابة على أرض العراق، المسلم والمسيحي واليهودي والإيزيدي والصابئي والشبك وغيرهم من اصحاب المعتقدات والطوائف. وهذه الميزة لم يحظ بها حزب سياسي آخر غيره. ولهذا فهو حزب جميع العراقيين بإمتياز .

ولما كان الحزب لا يملك غير إلتفاف الناس حوله ، وليس له موارد غير محبتهم وتضامنهم معه، فهو يعول عليهم في إستكمال بناء بيت المحبة والتآخي والسلام في قلب بغداد الخالدة ، بيت سيصبح مركز إشعاع للخير والنور والمعرفة والإبداع. لن يكون مقراً كبقية المقرات ، وإنما بيتاً للجميع منه تنطلق البرامج وإليه تدخل الأفكار الإنسانية النبيلة وفيه تقام النشاطات الفنية والفكرية والسياسية . فيه تتجمع القوى الخيِّرة  لرسم سياسات عراقية ممهورة بخطط الحاضر والمستقبل .

لا أعرف كيف أشرح ضرورة ان ندرك نحن العراقيين قيمة هذا المبنى ، لكني اعتقد أن هذا البيت لا يخص الحزب وحده بل يخص الجميع الذين دخلوا أو جاوروا أو مروا بجانب بيت الحزب، وغيرهم من الوطنيين المخلصين.  ولهذا اجد من المهم جداً ان يضع كل واحد منهم آجرة في جدار هذا البيت ويقدم ما يستطيع من أجل ان يكتمل البناء. حتى يكون بيتا حقيقياً للجميع .

لا يهم كيف تساهم ولكن عليك ان تساهم وبرضا وقناعة تامة كون هذا المكان سيجسد وحدة العراقيين وتماسكهم وإصرارهم على المضي قدماً من اجل حرية الوطن وسعادة الشعب.

قد تكون بغداد والمحافظات كذلك قادرة على إقامة حفلات موسيقية تخصص ريعها للبيت فكرة من الأفكار، معارض تشكيلية، مسرحيات ، أماسي شعرية ، معارض كتاب و المردود يذهب لبيت العراقيين هذا.

أفكار كثيرة ممكنة ولكني أكتفي بهذا واترك المجال للعقل العراقي لإجتراح المبادرات المختلفة لدعم المشروع .

  لندن 26\ 11\ 2023  

 

عرض مقالات: