عرف علماء وخبراء الاقتصاد الزراعي السياسة الزراعية هي الإجراءات التي تقوم بها الدولة والتي تتضمن جميع المناهج الاجرائية والإصلاحية التي تؤدي إلى استمرار زيادة الإنتاج الزراعي وتحسين نوعه وعدالة توزيعه، وأما مظاهر هذه السياسة في الوقت الحاضر هي مناهج الإصلاح الزراعي بلا شك. ان نجاح الإصلاح الزراعي هو التعاون الزراعي فهو الماكنة المحركة للإصلاح الزراعي، والقضية الأساسية في الإصلاح الزراعي هي قضية الأرض، وقد صدرت منذ ثورة تموز المجيدة العام ١٩٥٨ لحين سقوط النظام الإرهابي السابق العديد من القوانين وتعديلاتها منها قانون الإصلاح الزراعي رقم ٣٠ لسنة ١٩٥٨ وقانون رقم ١١٧ لسنة ١٩٧٠ وقانون إيجار واستئجار الأراضي الزراعية رقم ٣٥ لسنة ١٩٨٣ وغيرها من القوانين التخصصية مثل القوانين المتعلقة بالمتفرغين الزراعين من مهندسين زراعيين وأطباء بيطريين وتقنيين من الحاصلين على شهادة الدبلوم، رافق هذا تأسيس الهيئة العامة للتعاون الزراعي. وقد يتساءل البعض لماذا التعاون الزراعي نقول إن النتاج الواسع في الأراضي ذات المساحات الكبيرة هو الأقل كلفة والأكثر انتاجاً من الوحدات والحيازات الصغيرة للأراضي الزراعية، رافق هذا كله تأسيس هيئة عليا في نهاية ستينيات القرن الماضي لرسم السياسات الزراعية سميت بالمجلس الزراعي الأعلى كان مسيطرا على مجمل سياسات العملية الزراعية والتي أدت فعلاً إلى تطورها وزيادة النتاج الزراعي بكل أصنافه.

لكن الملاحظ والمتابع للسياسة الزراعية بعد سقوط النظام المقبور هناك تخبط وفوضى في رسم السياسات الزراعية بدأً من حل الهيئة العامة للتعاون الزراعي إلى موازنات زراعية في أقصى حدودها لم تتجاوز ١،٢بالمائة؜ من الموازنة العراقية سنوياً إلى إصدار العديد من القرارات والتعليمات بشأن الأراضي الزراعية، وخير مثال على هذه الفوضى ما يتعلق بقضية الأرض والإصلاح الزراعي، ففي الدورة البرلمانية السابقة لهذه الدورة تمت مناقشة قانون الإيجار وأستجار الأراضي الزراعية، وأخذ الكثير من الوقت من المتخصصين واتحاد الجمعيات الفلاحية واللجنة البرلمانية . وأخيراً ترك مركوناً في الأدراج، وقبل أيام تمت مناقشة قانون آخر للإيجار والاستئجار للأراضي الزراعية فيما يخص المتفرغين الزراعيين من ذوي الاختصاص من مهندسين زراعين واطباء بيطريين وتقنيين …حيث قرأ القراءة الأولى في البرلمان، وهناك مسودة قانون آخر جديد للإصلاح الزراعي يشير من وضع مسودته أن القوانين السابقة مضى عليها أكثر من خمسين عاما وبالتالي تحتاج إلى توحيد وتجديد طرح للمناقشة، وهو الآن في أدراج مجلس الوزراء، يعني ثلاثة قوانين ستذهب أمام البرلمان للدراسة والاقرار. والغريب بالأمر عدم معرفة من رسم وخطط لهذه القوانين هل هي لجنة الزراعة والمياه في البرلمان أم هيئة الرأي في وزارة الزراعة أم هيئة المستشارين في مجلس الوزراء أم ….. وهذا ينطبق على أزمة شحة المياه وبناء السدود التركية على الفرات وتغيير مجرى نهر دجلة وقطع أكثر من ٩٠بالمائة؜ من واردات المياه عبر تركيا وغلق أيران لأكثر من ٤٠ وافدا تصب في نهر دجلة وآخرها الزاب الأسفل الذي وقطع منه بنسبة ٥٦بالمائة؜ وحتى مياه الشرب لأكثر من ١٠٠ ألف مواطن في قلعة دزة وغيرها من المدن العراقية. من المسؤول عن إدارة هذا الموضوع هل هي وزارة الموارد المائية أم وزارة الخارجية أم هيئة المستشارين ومجلس الوزراء أم لجنة الزراعة والمياه في البرلمان. كل هذا أدى إلى تخلف القطاع الزراعي بوتائر سريعة مما أثر وسيؤثر على الأمن الغذائي للمواطن العراقي وأثر على عموم الاقتصاد العراقي.

السؤال الذي يطرح نفسه وبعد السرد أعلاه هل هذه الجهات المتفرقة التي ذكرناها فعلا لديها القدرة على رسم سياسة زراعية تزيد الإنتاج وتحقق عدالة في التوزيع؟

جواباً نقول كلا وألف كلا وسيستمر التدهور في قطاعات الزراعة والمياه والبيئة، لذلك نقترح الآتي:

أولاً - تشكيل هيئة عليا لإدارة السياسة الزراعية والمياه والبيئة، ومهما يكن مسماها على أن تضم متخصصين من جميع القطاعات المعنية بالزراعة والمياه والبيئة مع ممثلين لأصحاب المصلحة الحقيقية وهم جماهير الفلاحين والاتحاد العام للجمعيات الفلاحية ونقابات المهندسين الزراعيين والأطباء البيطريين والعمال الزراعيين.

ثانياً - إعادة تشكيل الهيئة العامة للتعاون الزراعي وبأسرع وقت.

ثالثاً - زيادة نسبة موازنة قطاعات الزراعة والمياه والبيئة من الموازنة العامة لأنه لا يمكن إدارة ماكنة هذه القطاعات بدون طاقة والطاقة هي الموازنة المالية الكافية.

رابعاً - استخدام كافة وسائل الضغط لاستعادة حقوق العراق المائية في نهري دجلة والفرات من سياسية واقتصادية وسياحية ومنح الصلاحيات اللازمة للهيئة العليا لإدارة السياسة الزراعية.

خامساً -إيقاف تشريع أي قانون للإصلاح زراعي أو أي قانون يمس القطاع الزراعي الا بعد تشكيل الهيئة العليا لإدارة السياسة الزراعية تحت عنوانها الجديد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*مهندس زراعي استشاري