اخر الاخبار

الصراع المفتوح بين الحزب الحاكم وقوى المعارضة اليونانية، هو العنوان الأبرز للتحليلات التي تسبق اجراء الانتخابات البرلمانية، التي توصف بالمبكرة، على الرغم من إجراءها قبل أشهر من موعدها الدوري.

لقد وصل حزب “الديمقراطية الجديدة” إلى سلطة نتيجة لانتخابات 2019، التي جرت في ظروف استثنائية، غادر بموجبها حزب اليسار اليوناني (سيريزا) السلطة تحت ضغط مذكرة الترويكا (صندوق النقد الدولي، والبنك المركزي الأوربي، والمفوضية الأوربية)، التي وضعت حكومة حزب اليسار بين خيارين إما القبول بالمذكرة، أو إعلان إفلاس اليونان ما يعني تدمير حياة الملايين من اليونانيين، لقد اختارت الحكومة الخيار الصعب وحاولت طيلة سنوات حكمها التخفيف من قساوة المذكرة والأزمة المالية الخانقة على حياة الملايين. وكان واضحا عدم تلقي اليونان أي “دعم” مالي لمواجهة أزمة الإفلاس الوشيك إذا تكرر فوز اليسار.

 حصيلة حكم اليمين

قدمت سنوات حكم اليمين بزعامة كيرياكوس ميتسوتاكيس نسخة ليبرالية جديدة استبدادية. لقد نفذت وصفات الترويكا القاسية وأجهزت على المتبقي من المكاسب الاجتماعية، وإجراءات التخفيف عن كاهل المواطنين التي اتبعتها حكومة اليسار. بالإضافة إلى تعميق الخراب الاجتماعي، نتيجة لارتفاع الأسعار وارتفاع معدلات البطالة، وشنت الحكومة هجوما شديدا على الحريات المدنية العامة، وسنت قانونا اعتبرت بموجبه جميع الاحتجاجات الاجتماعية غير شرعية تقريبًا، وشكلت شرطة خاصة بالجامعات. وكانت واحدة من أكثر الحكومات فسادًا في تاريخ البلاد، حيث غابت المساءلة والشفافية بشأن استخدام الموارد العامة، وتلاحقت فضائح الفساد الكبيرة والصغيرة، والأنشطة الاقتصادية الخاصة لنواب الأغلبية اليمينية.

توظيف وباء كورونا

وتم توظيف انتشار وباء كورونا، لفرض تقييد للحركة مبالغ فيه، ومنح عقود المشاريع مباشرة وبدون مناقصات، والاستفادة من تدابير التباعد الاجتماعي، التي استمرت لفترة طويلة، ومنعت التفاعل الاجتماعي المباشر، وبالتالي زاد تأثير وسائل الإعلام، في وقت تراجعت فيه اليونان إلى المركز 108 في مؤشر حرية الصحافة العالمي، لتحتل المرتبة الأخيرة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

وفي الأشهر الماضية واجهت حكومة اليمين ثلاث مشاكل رئيسية، أولها ارتفاع الأسعار وتصاعد التضخم، الذي تعد اليونان الأسوأ في مواجهته من بين بلدان الاتحاد الأوربي، وقد عمق ذلك معاناة الفئات الوسطى المتضررة أصلا من أزمة البلاد الاقتصادية، والتي تحولت أعباؤها إلى كارثة إنسانية واجتماعية. ثم جاءت فضيحة التنصت على المكالمات الهاتفية، لتكشف حقيقة صورة ميتسوتاكيس، الذي قدم نفسه كزعيم أوروبي ليبرالي معتدل، وأضرت بعلاقته بأوساط غير قليلة من ناخبيه. وأخيرا حادثة تحطم القطارات في 28 شباط الفائت، والتي أدت إلى سقوط 57 ضحية، أغلبهم من الشبيبة والتلاميذ الصغار، وما رافقها من احتجاجات واسعة ضد الإهمال الحكومي، وعدم الاخذ بتحذير النقابات وقوى اليسار، والاستمرار في خصخصة قطاعات الخدمات العامة ومنها النقل، لقد كشف الحدث سوء إدارة الحكومة ورئيسها.

صراع مفتوح

محللون يساريون لاستطلاعات الرأي يقولون، أن شعبية وتأييد الحزب الحاكم في انخفاض مستمر، بالمقابل فان البديل المعارض، أي حزب اليسار اليوناني رغم ارتفاع نسبه، إلا أنه يعاني من عدم الاستقرار الانتخابي، ولم يستفد بالكامل من تراجع رصيد الحكومة، بالإضافة إلى المنافسة غير المنتجة داخل معسكر قوى اليسار، إلى جانب استمرار أزمة الحياة الحزبية في البلاد، منذ زلزال 2012 الانتخابي، وعمق أزمة الثقة بالحياة الحزبية، واستمرار حراك اصطفاف الناخبين، بحيث نسبة عدم اليقين في الخيار الانتخابي تصل إلى 25 في المائة.

السخط الاجتماعي والسياسي مرتفع، ولكنه صامت حاليا، فهل سيتم التعبير عن الاستياء انتخابيًا، وكيف، وضد من، هذه هي أسئلة الانتخابات المقبلة. إن فرصة حزب اليسار للفوز ممكنة، باعتباره الضد النوعي الممكن لحكومة لم تترك أثرا طيبا، خصوصا إذا اتسعت مشاركة الشباب في التصويت، بعد مشاركة أوساط واسعة منهم في الاحتجاجات الأخيرة.

أهمية الانتخابات

إن أهمية نتائج الانتخابات تتعدى حدود اليونان، ليشمل تأثيرها القارة بأكملها. يؤيد المجتمع اليوناني التغيير السياسي ويطالب بالعدالة على جميع مستويات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ولكن إذا استمر انزلاق اليونان نحو استبداد أكثر، في حال بقاء الحكومة الحالية، فإن الأمر يصبح تحديا للقوى الديمقراطية وقوى اليسار والتقدم، ارتباطا بصعود اليمين المتطرف في أكثر من بلد أوربي. وقد عكست زيارة زعيم حزب اليسار اليوناني أليكسيس تسيبراس الأخيرة إلى برلين ولقاءاته مع المستشار الألماني أولاف شولتس وقيادة حزب اليسار الألماني إلى أن العديد من القوى السياسية الديمقراطية تدرك أن معركة حزب اليسار اليوناني هي معركة من أجل اليونان وصراع من أجل أوروبا.

عرض مقالات: