اخر الاخبار

مرة أخرى، تقف اليابان عند نقطة تحول في تاريخها في عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية.  في عام 2015، طرحت حكومة اليمين تفسير جديد لمبدأ «الدفاع الجماعي عن النفس»، مبتعدة عن كونها «أمة سلام»، وبالتالي تغيير طابع سياستها الدفاعية البحتة لصالح فتح الابواب أمام تدخل الجيش الياباني في الصراعات الدولية، وخارج حدود بلاده التي الزمه الدستور حصرا بالدفاع عنها. ويتضمن الدستور الياباني، الذي وضع في أعقاب مأساة القصف الوحشي الامريكي بالقنابل النووية لمدينتي هيروشيما وناكازاكي في 6 و9 آب 1945، يتضمن في مادته التاسعة، تخلي الشعب الياباني « وفي جميع الأوقات عن الحرب كحق سيادي للأمة، وعن التهديد واستخدام القوة كوسيلة لحل النزاعات الدولية» وتتضمن المادة ايضا «ومن أجل تحقيق الهدف الوارد في الفقرة السابقة، سوف لا يتم تمويل قوات مسلحة في البر والبحر والجو. ولا يعترف بحق الدولة في شن الحروب».

تجاهل المضمون السلبي

ومن الجدير بالذكر ان هذا المضمون السلمي قد تم تجاهله بشكل تدريجي في أجواء الحرب الباردة في خمسينات القرن الفائت، عندما تم في عام 1954 تحت تأثير الولايات المتحدة وتدخلها المباشر تأسيس «قوات الدفاع الذاتي». وعبر «اتفاقية الأمن» مع الولايات المتحدة تم جر اليابان في إطار الخطط العسكرية الامريكية في الشرق الاقصى. وتحتفظ الولايات المتحدة إلى يومنا هذا بقواعد عسكرية كبيرة في الجزر اليابانية، على الرغم من الانهاء الرسمي للاحتلال الامريكي لليابان منذ عقود. ولكن نشاط الجيش الياباني ظل محصورا رسميا في الدفاع عن بلاده في حال وقوع اعتداء خارجي عليه.  والهدف من إعادة تفسير المادة الدستورية، بشكل يتيح اشتقاق مشاركة القوات اليابانية في «العمليات العسكرية الجماعية» من مفهوم «الحق في الدفاع الجماعي عن النفس»، هو مشاركة الجيش الياباني في العمليات العسكرية خارج الحدود البرية والبحرية اليابانية، جنبا إلى جنب مع «الحلفاء» أو في إطار الأمم المتحدة، على الرغم من عدم تعرض اليابان نفسها للهجوم. وهذه المرة تريد الحكومة مضاعفة الميزانية العسكرية في غضون خمس سنوات.

ارقام تمويل القوات المسلحة

بحلول عام 2027، سيتم إنفاق 2 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي على القوات المسلحة. أعلن ذلك رئيس الوزراء فوميو كيشيدا من الحزب الليبرالي الديمقراطي الإثنين الفائت وأعطى تعليمات لوزيري الدفاع والمالية لتأمين التمويل اللازم. وهذه هي المرة الأولى التي يذكر فيها رئيس الوزراء أرقامًا محددة. وتريد اليابان استخدام الأموال لتوسيع عمليات تصنيع الأسلحة، وإعادة تحديد نطاق استخدامها.

من بين أمور أخرى، تريد اليابان امتلاك وتطوير أنظمة أسلحة يمكنها بواسطتها مهاجمة القواعد العسكرية للعدو حتى قبل أن تتمكن صواريخه من توجيه ضربة للمواقع اليابانية. ويُطلق على هذا الاستباق تعبيرًا ملطفًا «قدرة على الضربة المضادة». وتتجه عيون المسؤولين اليابانيين إلى كوريا الشمالية. ويعتبر بعض الخبراء اليابانيين أن هذه الاستراتيجية مضللة. ويفترضون عدم القدرة على تدمير قواعد العدو دفعة واحدة. وبصرف النظر عن ذلك، يقول الكثيرون في اليابان، إن تعزيز القوة الهجومية يتعارض مع السياسات السلمية التي ينص عليها الدستور.

بالإضافة إلى ذلك، تريد اليابان الاستثمار فيما يسمى بالأمن السيبراني والرحلات الفضائية والطائرات بدون طيار وتعزيز حضورها في التنافس المعلوماتي. ولا يزال هناك الكثير من الغموض، وسيتم معرفة المزيد من التفاصيل بحلول نهاية عام 2022، بعد نشر الموازنة الجديدة للسنة المالية 2023 (التي تبدأ في الأول من نيسان) وثلاث وثائق منقحة أخرى، من بينها «استراتيجية الأمن القومي». لكن النقاد يشتكون من هذا النهج. ويطالبون بتحديد «الأهداف الدفاعية» الجديدة، ً وتحديد أنظمة الأسلحة المطلوبة، قبل الحديث عن التخصيصات المالية.

بيئة العسكرة

ولا تجري في البلاد حاليًا مناقشة شاملة بشأن التغييرات المرتقبة في قطاع التسلح، والتي يمكن أن تعكس الرؤى النقدية أيضا.  لقد أدت الحرب في أوكرانيا والتهديد العسكري المفترض الذي تشكله الصين وكوريا الشمالية، والذي تحدثت عنه وسائل الإعلام، إلى خلق بيئة لصالح سياسات العسكرة. وبحسب استطلاع أجرته محطة أي أن أن التلفزيونية في تشرين الثاني الفائت، قال 27 في المائة فقط يعارضون زيادة الميزانية العسكرية.

وربما أراد كيشيدا، الذي تنخفض نسب شعبيته، والذي يتعرض لانتقادات من داخل حزبه، تهدئة صقور معسكره بقراره الأولي. من المتوقع أن يتجاوز الإنفاق العسكري الياباني خلال 5 سنوات ما يعادل 75 مليار يورو سنويًا. وهذا من شأنه أن يجعل اليابان تشغل المرتبة الثالثة عالميا، بعد الولايات المتحدة والصين.

يريد كيشيدا إبقاء جميع خيارات التمويل مفتوحة، وبالمقابل لا يوجد إجماع في الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم. ويتم تداول اقتراحات ليبرالية جديدة في وسائل الإعلام اليابانية، تقوم على تمويل الإنفاق الإضافي، بواسطة التخفيضات التي ستتحملها صناديق الضمان الاجتماعي، وزيادة ضرائب الشركات والدخل والاستهلاك، وهذه الوسائل قد تواجه معارضة كبيرة داخل حزب الحكومة.

إن مشروع التسلح الياباني سيسعد الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن . تقول الشائعات في طوكيو أن كيشيدا يفكر في زيارة البيت الأبيض في كانون الثاني المقبل، وان خطة التخصيصات المالية لعسكرة اليابان ستكون هدية محمولة لشركائه الأمريكيين.

عرض مقالات: