اخر الاخبار

منذ الثاني من كانون الثاني الجاري تشهد كازاخستان اضطرابات اجتماعية واعمال عنف واسعة، نجم عنها سقوط العشرات من القتلى. وقد سارعت روسيا الاتحادية وحلفاؤها في منظمة الأمن الجماعي، للحفاظ على استمرار النظام السياسي القائم، في إطار مواجهة الولايات المتحدة وبلدان الناتو الساعين للزحف شرقا في أوربا، وتشديد الضغط على موسكو عبر العديد من البلدان التي تعتبرها روسيا سياجا وخطا احمر للدفاع عن امنها القومي.

وحتى ساعة اعداد هذا التقرير تتحدث وسائل اعلام المعسكرين المتصارعين عن معطيات متباينة، فروسيا تعلن عن بدء قواتها حماية المنشآت الجوية والحيوية في كازاخستان، وعن عودة الحياة الطبيعية تدريجيا الى المدن الرئيسية، في حين يبرز الإعلام الغربي صورة لاستمرار الاحتجاجات والمواجهات في البلاد.

وبعيدا عن ملاحقة الأحداث اليومية الجارية، تحاول هذه المساهمة تسليط الضوء على جوانب من خلفيات الصرع الاجتماعي والسياسي الداخلي وتأثير الصراع الروسي – الغربي على مجرياته.

ثروات طبيعية

 كازخستان احدى الجمهوريات السوفيتية التي نالت استقلالها، بعد تفكك الاتحاد السوفياتي في 1991، واستمر نور سلطان نزارباييف الزعيم السابق للحزب الشيوعي، البالغ من العمر 81 عاما، في حكم الجمهورية الجديدة، وقاد حتى عام 2019 نظاما استبداديا، ليسلم مقاليد السلطة إلى خلفه قاسم جومارت توكاييف بعد انتخابات أثير حولها الكثير من الشكوك. ويرى مراقبون أن الرئيس السابق نزارباييف ما زال يقود البلاد من وراء الكواليس، فيما طالب المتظاهرون باستقالة الحكومة والرئيس السابق نور سلطان نزارباييف، الذي يواصل رغم استقالته شد الخيوط وراء الكواليس كرئيس لمجلس الأمن القومي. بالإضافة الى ذلك تريد الأجيال الشابة المزيد من المشاركة.

تعد كازاخستان البلد التاسع في العالم، تزيد مساحتها عن 2,7 مليون كيلومتر مربع. وتضم مركز قاعدة “بايكونور” الفضائية التي استأجرتها روسيا، والتي لا تزال أكبر قاعدة فضائية في العالم.

وكازاخستان صاحبة أكبر اقتصاد في آسيا الوسطى. وشهدت في الماضي نموا كبيرا، لكنها تضررت عام 2014 جراء هبوط أسعار النفط الذي تعتمد عليه كثيرا. كما تضررت أيضا عام 2008 بسبب الأزمة الاقتصادية في روسيا، ما أدى إلى انخفاض قيمة عملتها الوطنية “تينغ”.

في عام 2020 شكل النفط 21 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي، ووفق معطيات البنك الدولي الذي توقع نمو الاقتصاد بنسبة 3,7 في المائة هذا العام. يعتبر حقل “تنغيز” النفطي أكبر حقول البلاد، ويقدم ثلث الناتج السنوي، وتسيطر على 50 في المائة منه شركة “شيفرون” الأمريكية. بالإضافة الى ذلك تعتبر كازاخستان أكبر منتج لليورانيوم في العالم. وتمتلك أيضا كميات كبيرة من المنغنيز والحديد والكروم والفحم.

يشعر العديد من الكازاخ بالإحباط بسبب التوزيع غير العادل للثروة الهائلة الناتجة عن بيع النفط والغاز من غرب كازاخستان. لقد استفادت نخبة صغيرة فقط من هذه الموارد، في مقدمتها عائلة الرئيس السابق نور سلطان نزارباييف. وفي المقابل يعاني المواطن العادي من ركود الدخل، بينما ارتفع الإنفاق على الطعام والإيجار. بالإضافة إلى تداعيات وباء كورونا، التي تسببت في انكماش اقتصاد السوق في العام الفائت بنسب 3 في المائة. 

طبيعة الاحتجاجات

بدأت الاضطرابات في مدينة شانغاوس الصحراوية غرب كازاخستان، حيث قُتل العشرات من عمال النفط في حملة قمع إضراب عام 2011. تظاهر المئات ضد مضاعفة سعر الغاز السائل المستخدم في السيارات. ردت السلطات بسرعة على الاحتجاجات وخفضت الأسعار مرة أخرى. ولكن بعد فوات الأوان، لأن أسباب الاحتجاجات أعمق. إنه استياء عميق من الظروف الاقتصادية. يطرح الناس مطالب سياسية لأنهم، بشكل عام، يعتقدون أن البلد بحاجة إلى التغيير.

على عكس الاحتجاجات في بيلاروسيا التي اتسمت بمشاركة واسعة، بما في ذلك الطبقات المتوسطة والمتعلمة، اما في كازاخستان، فيبدو ان الطبقات الدنيا والمهمشين هم الذين يعبرون عن غضبهم. ويمكن القول انه إذا لم يتعلم الناس ولم تتح لهم الفرصة أبدا للتعبير عن رغباتهم عبر انتخابات ديمقراطية، فلا ينبغي لأحد أن يتفاجأ إذا فعلوا ذلك بهذه الطريقة.

تشترك احتجاجات كازاخستان مع موجة الاحتجاجات التي عمت العديد من بلدان العالم في عام 2019، بانها افقية وتفتقر للهرمية وكارزمات قيادية. ويرجع خبراء بشؤون البلاد هذه المشكلة الأساسية الى طبيعة النظام الاستبدادي الذي لا يسمح لمن له خبرة في المعارضة بالنمو، فضلا عن التهم الجاهزة بالارتباط بالخارج، او وصم المتظاهرين بالإرهاب.

عرض مقالات: