اخر الاخبار

 مرة أخرى تبرهن حكومات المراكز الرأسمالية على عدم احترامها لسيادة الدول والقانون الدولي، عندما تسعى لتقويض حكومات منتخبة ديمقراطيا، او تدوس المبادئ الأساسية لحقوق الانسان. لقد بيّن هذا مهزلة قرار المحكمة العليا في لندن بتسليم جوليان أسانج للولايات المتحدة. وقبل ايام اتخذت المحكمة العليا مرة أخرى قرارا، حرمت بموجبه حكومة فنزويلا الشرعية بزعامة نيكولاس مادورو من استعادة الذهب الفنزويلي الذي استولى عليه بنك إنكلترا، والذي تبلغ قيمته 1.6 مليار يورو.

 وفي سياق استراتيجية تشديد الحصار على فنزويلا، منحت الولايات المتحدة اليميني المتطرف خوان غوايدو، الذي نصب نفسه خلال تظاهرة رئيسا مؤقتا للبلاد، حق إدارة ثروات البلد الغني بالنفط، والموجودة داخل الولايات المتحدة وبلدان حلفائها الرئيسيين. وتم تجميد 7 مليارات دولار من الأصول الفنزويلية في الولايات المتحدة لتسليمها إلى خوان غوايدو. وجاء رفض بنك إنكلترا تسليم احتياطي الذهب الفنزويلي المودع لديه، وقرار المحكمة البريطانية تعضيدا للسياسات الامريكية ضد حكومة اليسار في كراكاس.

وكان البنك المركزي الفنزويلي قد طلب، في نيسان 2020، من بنك إنكلترا تحويل واردات بيع النفط الفنزويلي المودعة لديه إلى البرنامج الإنمائي الذي تديره الأمم المتحدة، لاستخدامها في شراء إمدادات الإغاثة، والمعدات الطبية لمكافحة وباء كورونا.

وبعد رفض بنك إنكلترا تسليم الذهب، اقامت فنزويلا دعوى قضائية في محكمة لندن التجارية “لإلزام البنك بتنفيذ التعليمات المطلوبة”. وصرح ساروش زايوالا، محامي البنك المركزي الفنزويلي، أن “مماطلة بنك إنكلترا تعيق بشكل حاسم جهود فنزويلا والأمم المتحدة لمكافحته وباء كورونا”.

وفي تموز 2020، قضت محكمة لندن التجارية بأن هذه الممتلكات محجوزة وأن سرقة الذهب الفنزويلي شرعية، لان حكومة صاحبة الجلالة تعترف بخوان غوايدو رئيسا مؤقتا لفنزويلا، وهو الوحيد الذي يحق له المطالبة باستعادة الذهب.

من جانبه، استأنف البنك المركزي الفنزويلي على الفور قرار المحكمة الانكليزية السخيف.

وأيدت محكمة الاستئناف البريطانية استئناف الحكومة الفنزويلية، وقضت بأنه قبل رفع التحفظ في النزاع الحساس، يجب تحديد ما إذا كانت الحكومة البريطانية “تعترف بالسيد غوايدو بالكامل رئيسا لفنزويلا ولا تعترف بالسيد مادورو كرئيس بأي شكل من الأشكال”. وجدت المحكمة أن الاعتراف بغوايدو رئيسا شرعيا لا يمنع مادورو من أن يكون رئيسا بحكم الأمر الواقع، كما يشير الى ذلك الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية المنتظمة بين لندن وكراكاس.

وعادت المحكمة العليا لتصحيح هذا القرار، معلنة ان تصنيف لندن للسيد غوايدو كرئيس لفنزويلا “غير غامض”. وان قرار محكمة الاستئناف العام الفائت، الذي ألغى حكم المحكمة السابق، “غير مناسب” لأن اعتراف الحكومة البريطانية بغوايدو كرئيس مؤقت لفنزويلا كان “واضحا ولا لبس فيه”. بالإضافة إلى ذلك، قامت محكمة الاستئناف بتعقيد الأمر دون داعٍ من خلال إثارة أسئلة مثل التمييز المحتمل بين الرئيس بحكم القانون والرئيس بحكم الواقع.

وأشارت المحكمة العليا إلى بيان علني لوزير الخارجية البريطاني آنذاك جيريمي هانت في فبراير 2019 يعترف فيه بغوايدو كرئيس دستوري مؤقت لفنزويلا. وتدخلت وزارة الخارجية البريطانية في جلسة استئناف المحكمة العليا لتوضيح أن حكومة المملكة المتحدة تعترف فقط بغوايدو كرئيس لفنزويلا؛ وكان غوايدو قد عين مجلس إدارة خاص به لإدارة البنك المركزي، وأعلن في أيار2020 أن هذا المجلس مناط به متابعة الأصول المودعة خارج البلاد.

 كان رد وزارة الخارجية الفنزويلية قاسياً للغاية: “إن الحكومة البريطانية تتبع إملاءات واشنطن، بالتواطؤ مع الجماعات المتطرفة في فنزويلا، بقيادة المحتال خوان غوايدو، وتمارس عملية احتيال وتآمر تهدف الى سرقة الذهب الفنزويلي بلا خجل ومصادرة احتياطيات البلاد”.

وبين محامي البنك المركزي الفنزويلي: ان “الاعتراف بالسيد غوايدو مخالف للواقع على الأرض. ووكلاؤه غير قادرين على التصرف بشكل فعال نيابة عن البنك المركزي الفنزويلي أو تمثيله في المحاكم الدولية”.

ان استمرار المملكة المتحدة في اعتبار غوايدو الرئيس الشرعي لفنزويلا يمثل وقاحة وبشاعة مراكز الهيمنة الرأسمالية. ويفضح ذلك نتيجة الانتخابات الإقليمية والبلدية التي جرت في فنزويلا في 21 تشرين الثاني، والتي حققت فيها حكومة مادورو انتصارا ساحقا، وبمشاركة أوساط واسعة من المعارضة اليمينية التي قاطعت العمليات الانتخابية خلال السنوات الثلاثة الماضية، وقد عمقت هذه المشاركة عزلة غوايدو السياسية، وانخفض عدد الدول التي تعترف به من 60 الى 16، وانفضح دوره كأداة لتنفيذ السياسة العدوانية للولايات المتحدة الأمريكية.

واكتسبت الانتخابات شرعية أكثر بمشاركة مراقبين دوليين، شملت بين آخرين، مركز كارتر والأمم المتحدة ومجلس خبراء الانتخابات في أمريكا اللاتينية والاتحاد الأوروبي.

وتستمر المعركة القانونية المطولة والمكلفة للغاية: لا يمكن استخدام احتياطيات الذهب الفنزويلية لمحاربة وباء كورونا. وستظل تحت سيطرة بنك إنكلترا حتى يتم حل الخلاف حول تحديد هوية مالكها الحقيقي نهائيا.

عرض مقالات: