اخر الاخبار

أصدرت المحكمة الاتحادية العليا البرازيلية حكمها على الرئيس الفاشي السابق جايير بولسونارو، بالسجن 27 عامًا وثلاثة أشهر بتهمة محاولة الانقلاب عقب خسارته الانتخابات الرئاسية لعام 2022. وقد صوّت أربعة من أصل خمسة قضاة في المحكمة لصالح الإدانة، فيما دافع القاضي الخامس عن البراءة، معتبرًا أن الأدلة لا توفر أي أساس لتهمة محاولة الانقلاب.  وبهذا أصبح بولسونارو أول رئيس سابق في تاريخ البرازيل يُدان بتهمة الانقلاب. وبالإضافة إلى بولسونارو، أُدين سبعة متهمين آخرين بتهمة تكوين عصابة إجرامية مسلحة، ومحاولة تقويض سيادة القانون والديمقراطية بالعنف، والانقلاب، وإلحاق الضرر بالممتلكات العامة والآثار التاريخية. ويواصل المتهمون نفي التهم الموجهة إليهم.  وسيدخل القرار حيز التنفيذ خلال 60 يومًا. وقضت المحكمة العليا بوجوب قضاء بولسونارو عقوبته في نظام السجن المغلق. بينما يُمكن، في ظروف معينة، وضع الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 70 عامًا والذين يعانون من مشاكل صحية خطيرة تحت الإقامة الجبرية، لم يُحدد بعد ما إذا كان هذا ينطبق على بولسونارو.

وفقًا لاستطلاع رأي نُشر أخيرا اعتبر 49,6 في المائة من السكان الإدانة عادلة أو كانوا سيعتبرون تبرئة بولسونارو غير عادلة. ورأى 36,9 في المائة عكس ذلك. أما البقية فلم يُبدِوا رأيهم أو امتنعوا عن التصويت.

يُعدّ قرار الحكم تاريخيًا من نواحٍ عديدة. وهو يتجاوز مجرد فرض عقوبة: إنه رفضٌ للاستبداد، وله أثر رمزي يتجاوز حدود البرازيل، فلا أحد فوق القانون. فهل وجدت البرازيل وصفةً لكبح جماح النزعات الاستبدادية؟

في 8 كانون الثاني 2023، اقتحم آلاف من أنصار بولسونارو مبنى الكونغرس والمحكمة العليا والقصر الرئاسي في العاصمة برازيليا، لمنع الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا من استلام مهام منصبه وتقويض النظام الديمقراطي.

ضد المحكمة الاتحادية

عودة إلى فترة حكم بولسونارو: تولى الضابط اليميني المتطرف السابق منصبه بمعية فريق من المتعصبين والمهرجين السياسيين والوعاظ العلمانيين وشن هجومًا مباشرًا على كل ما أزعجه: اليسار والإعلام وأنصار حماية البيئة. مدفوعًا بزخم مناهض للسياسة في بلد يعاني من الأزمات، وأراد أن يفعل كل شيء بشكل مختلف. وتمكن من تعبئة حركة خلفه: البولسونارية. وفي عرفه لا مكان للشك او النقد، فأما ان تكون مع الرئيس او ضده، عدو او صديق. غذّى بولسونارو هذه العدوانية بواسطة إثارة الصراعات باستمرار مع المؤسسات الديمقراطية.

يعود الفضل، في عدم وقوع البرازيل ضحيةً كاملةً لهذا التوجه الاستبدادي، إلى حدٍ كبير إلى محكمتها العليا. فخلال فترة حكم بولسونارو، وضعت المحكمة خطوطًا حمراء: حققت في شبكات الأخبار الكاذبة، وردّت بقسوة على محاولة الانقلاب على الديمقراطية ا، وعاقبت باستمرار من ينشرون الأكاذيب حول مزاعم تزوير الانتخابات. صحيحٌ أيضًا أن المحكمة وسعت من مساحة سلطتها، منطلقة من ضرورة أخذ تصريحات بولسونارو على محمل الجد. لم يُخفِ بولسونارو قط مبادئه: فهو معروفٌ بمعاداته للديمقراطية ومعجبٌ بالديكتاتورية العسكرية. وكان هدفه تقويض الحياة الديمقراطية. تعطينا البرازيل صورة لقضاء جريء وقوي وحام للديمقراطية.

سيواصلون العدوانية

  يواصل أنصار بولسونارو احتجاجاتهم، لأن "الديمقراطية" بالنسبة لهم، نظام يبني فيه رئيس دولة منتخب ديمقراطيًا دكتاتورية. ومع صعود اليمين المتطرف، يُناقش في أوربا الآن مفهوم "الديمقراطيات غير الليبرالية"، حيث يُحافظ على واجهة ديمقراطية بهدف تدمير جوهرها من الداخل. وتبين تجربة ترامب في الحكم، كيف تمارس الفاشية بقدم واحدة، وأن اي فقدان للسيطرة على رؤساء مستبدين واردة.

لقد عانى بولسونارو الكثير في الأشهر الأخيرة: ساعات من الاستجواب، والإقامة الجبرية، ومصادرة جواز سفره. ولا شك أن الإدانة الأخيرة تُعدّ إذلالاً شديداً. وفي الوقت نفسه، تُتيح له فرصة تصوير نفسه شهيدا، على غرار جهادي الإرهاب، ونشر سردية مؤامرة كبيرة. وقد أعلن فريق دفاعه عن استئناف القرار، ويبدو مُستعداً للمواجهة. وسينزل أنصاره إلى الشوارع مجدداً، بينما يحاول أعضاء البرلمان اليمينيون تمرير عفو عام.

أن جوهر حركة بولسونارو المتطرفة، لم تتأثر بالهزيمة الانتخابية. واظهرت أوساط منها استعدادها لبذل كل شيء من أجل معبودها، بما في ذلك العنف السياسي. في العام الفائت، حاول أحد أنصاره تفجير عبوة ناسفة في الحي الحكومي ببرازيليا في محاولة لقتل قضاة. فشلت المحاولة، وقُتل الجاني.

دعم خارجي وتفكك داخلي

لن تتبخر حركة الرئيس المدان، لأنها تعتمد أيضًا على الدعم الخارجي، وخاصةً من الولايات المتحدة. بعد فترة وجيزة من الإدانة، تحدث السيناتور الأمريكي ماركو روبيو عن "اضطهاد سياسي" وأعلن أن بلاده "سترد بشكل مناسب على حملة المطاردة". وكانت إدارة ترامب قد فرضت سابقًا رسومًا كمركية عقابية على البرازيل. بالنسبة لليمين البرازيلي، تُعد هذه الإجراءات دليلًا على التضامن الأيديولوجي، لكنها بالنسبة لبقية البلاد تُمثل إهانةً جسيمة. قد تُفاقم الإدانة التوترات بين البلدين. كما تُمثل اختبارًا جيو سياسيًا لحكومة الرئيس " لولا".

لكن ماذا تعني إدانة بولسونارو لليمين المتطرف في البرازيل؟ قالت الخبيرة السياسية إيزابيلا خليل،: "الحكم لن يعني انسحابهم من الساحة السياسية، لكن يحصر نطاق عملهم داخل مؤسسات محدودة". بدون زعيمهم الأهم، يُهدد التفكك المعسكر الفاشي الجديد. لقد بدأ التنافس على الترشح لانتخابات 2026. يُعتبر حاكم ساو باولو، تارسيسيو دي فريتاس، مرشحًا واعدًا. مع ذلك، يعتبره العديد من أشد مؤيدي بولسونارو تطرفًا. كما يُروّج لأبناء بولسونارو وزوجته كبدائل، لكنهم متورطون في تحقيقات وفضائح فساد.