اخر الاخبار

بعد الخلاص من نظام الأسد في العام الفائت، تجددت آمال السوريين في حياة جديدة مختلفة. إلا أن الحصيلة حتى الآن لا تزال تواجه تحديات وصعوبات جمّة، تتعلق بالواقع السياسي، وتعزيز السيادة الوطنية، وتحقيق التلاحم المجتمعي، ووأد الطائفية والنزعات الشوفينية، فضلاً عن حماية الأراضي السورية من الأطماع الإسرائيلية ومن يدعمها، سواء من الأمريكيين أو غيرهم. كما تبرز التحديات الاقتصادية والاجتماعية كعامل ملحّ يتطلب معالجة عاجلة.

معطيات اقتصادية سيئة

ما يزال أكثر من نصف السوريين نازحين داخل البلد أو خارجه. ويعيش 90 في المائة من السكان تحت عتبة الفقر، ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة، يحتاج 16,7 مليون مواطن، أي ثلاثة أرباع السكان، إلى مساعدات إنسانية. وتغيير هذا الواقع غير ممكن دون مساعدات دولية. تقدر تكلفة إعادة إعمار سوريا بما يتراوح بين 250 و400 مليار دولار. رغم ذلك، تواصل العقوبات المفروضة على سوريا إعاقة الاستثمارات الأجنبية.  في نهاية فبراير 2025، علق الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة العقوبات المفروضة على بعض القطاعات والمؤسسات السورية. ورغم تخفيف بايدن حدة العقوبات، ما تزال سياسة ترامب تجاه سوريا غير واضحة.

بينما لا تزال العقوبات الأمريكية واسعة النطاق تشكل عقبة رئيسة. في يناير، خففت إدارة بايدن العقوبات المفروضة على قطاع الطاقة وتحويل الأموال الشخصية. لكن، من ناحية أخرى، لم تحدد إدارة ترامب الجديدة بعد سياسة واضحة تجاه سوريا أو موقفاً بشأن العقوبات. بالإضافة إلى ذلك تعاني سوريا مشكلات اقتصادية هيكلية عميقة تعيق الانتعاش الاقتصادي وتهدد مستقبل عملية إعادة الإعمار. ويقف عدم استقرار قيمة الليرة السورية في مقدمتها، بالإضافة إلى التعامل بالعملات الوطنية للبلدان الغازية الولايات المتحدة وتركيا.

 لا تزال البنية التحتية وشبكات النقل في سوريا متضررة بشدة. وتكاليف الإنتاج مرتفعة مع استمرار نقص حاد في السلع الأساسية وموارد الطاقة. كما تعاني سوريا من نقص اليد العاملة المؤهلة، ويبقى السؤال مفتوحا حول ما إذا كان هؤلاء العمال المتخصصون سيعودون ومتى. ويحتاج القطاع الخاص إلى تحديث وإعادة هيكلة كبيرة بعد أكثر من 13 عاماً من الحرب والدمار. كما أن الموارد العامة محدودة للغاية، ما يحدّ أكثر من إمكانات الاستثمار في الاقتصاد.

الثروة النفطية

تتركز الموارد النفطية الرئيسة في شمال شرق البلد، ومن شأن اتفاق أُبرم مؤخراً بين رئاسة سوريا والإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا أن يسهل وصول دمشق إلى هذه الموارد. رغم ذلك، استمر إنتاج النفط والغاز الطبيعي في سوريا في الانخفاض بشكل كبير منذ العام 2011. انخفض إنتاج النفط من 385 ألف برميل يومياً في العام 2010 إلى 110 آلاف برميل في مستهل العام 2025، وهي كمية غير كافية إطلاقاً لتلبية الحاجات المحلية. كانت سوريا تتزود إلى حد كبير، قبل سقوط الأسد، ببترول من إيران، لكن هذا الدعم توقف منذئذ.

بات السوريون، مع استمرار ارتفاع تكاليف المعيشة وانخفاض قيمة الليرة السورية، يعتمدون بشكل متزايد على التحويلات المالية. ويفوق حجم هذه التحويلات الاستثمارات الأجنبية المباشرة في سوريا، التي كانت ضئيلة منذ العام 2011، وعن المساعدات الإنسانية، التي تجاوزت في المتوسط 2 مليار دولار سنوياً في السنوات الأخيرة.

الليبرالية الجديدة

في الآن ذاته، تُعزز التوجهات وقرارات الحكومة الاقتصادية، التي تتجاوز ولايتها المؤقتة وتفرض إرساء نموذج ليبرالي جديد مشوه وتسرعه مصحوبا بتدابير تقشفية، وتخدم هذه السياسة بشكل أساسي مصالح الطبقات الرأسمالية. والمؤشرات المتداولة تؤكد استمرار النظام الجديد في تسريع عملية الخصخصة وبيع القطاع العام المنهك أصلا. فيما يخص تدابير التقشف، جرى بالفعل اتخاذ العديد من القرارات. رُفع سعر الخبز المدعوم من 400 ليرة سورية (لـ 1100 غرام) إلى 4000 ليرة سورية (في البداية لـ 1500 غرام، ثم خُفض إلى 1200 غرام). خلال الأشهر التالية، أُعلن عن إنهاء الدعم على الخبز، في إطار تحرير السوق.

برغم الإعلان عن زيادة الرواتب بنسبة 400 في المائة في شباط 2025، ما يرفع الحد الأدنى للأجور إلى560 123 1 ليرة سورية (حوالي 93.6 دولارًا)، فإن هذه الإجراء، الذي لم يُنفذ بعد، لا يزال غير كافٍ لمواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة. وفقاً لتقديرات ليومية قاسيون في نهاية مارس 2025، يبلغ الحد الأدنى لكلفة المعيشة لأسرة سورية مكونة من خمسة أفراد تقيم في دمشق 8 ملايين ليرة سورية شهرياً (ما يعادل 666 دولاراً).

الخلاصة، تواجه سوريا تحديات اجتماعية واقتصادية ضاغطة. ويجب، في هكذا سياق، تسريع معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية من أجل تحسين ظروف معيشة السكان وقدرتهم على المشاركة في الحياة السياسية في الفترة الانتقالية. لكن توجه الحكومة الجديدة الاقتصادي والسياسي، المتسم برغبة في زيادة التحرير والخصخصة والتقشف وخفض الإعانات، لن يؤدي إلا إلى زيادة التفاوتات الاجتماعية والفقر وتركيز الثروة في أيدي أقلية وغياب التنمية الإنتاجية، وهي العوامل التي كانت وراء انتفاضة العام 2011.