قبل 80 عاما، في الثامن من أيار وفق تقويم وسط أوربا، والتاسع من أيار حسب التوقيت الروسي، انتهت الحرب العالمية الثانية في أوربا باستسلام المانيا النازية. لهذا فان هذا اليوم من أيار هو يوم انتصار الحرية على الفاشية والعنف، وقد تحقق هذا النصر بفضل تحالف قوى عالمية واسعة، كان الدور الرئيس فيها لشعوب الاتحاد السوفيتي وبريطانيا العظمى والولايات المتحدة وفرنسا، وللمقاومة ضد الفاشية في أوربا والصين وشرق آسيا، والتي كان الشيوعيون يشكلون قوتها الأساسية.
تحتفل البشرية بالذكرى الثمانين للتحرير في ظروف استثنائية، حيث العودة إلى الحرب كوسيلة لتغيير توازن القوى بين قوى الهيمنة الرأسمالية، فإلى جانب الحرب في أوكرانيا وحرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، والحرب الأهلية الدائرة في السودان، هناك عشرات الحروب المنسية في جميع انحاء العالم.
ألمانيا والعودة للعسكرة
يعرف الكثيرون من أبناء القرن العشرين، أن الجمع بين الشوفينية الألمانية والعسكرية، أدت إلى دمار عالمي غير مسبوق. لقد ساهمت شركات السلاح الألمانية في إشعال حربين من أكثر الحروب تدميراً في التاريخ. بعد الحرب العالمية الثانية، توصلت أوروبا إلى خلاصة مفادها: لا عودة للعسكرة الألمانية مرة أخرى.
لقد عاد مصنعو الدبابات الألمان إلى لعبتهم القديمة، وإلى فكرة "يجب ان تصبح ألمانيا عظيمة مرة أخرى". في 18 آذار 2025، أقرّ البرلمان الألماني تعديلات دستورية تُمكّن من تنفيذ أكبر برنامج لإعادة التسليح منذ عام 1945. وتمتلك ألمانيا رابع أكبر ميزانية عسكرية في العالم، وتعمل جاهدة على تسريع وتيرة استعدادها للحرب.
لنتذكر ضحايا الحرب
لقد أدت الحرب العالمية الثانية إلى سقوط أكثر من 60 مليون ضحية من العسكريين والمدنيين، كان نصيب الاتحاد السوفيتي منها 20 مليونا على الأقل. وشكلت وحشية النازيين وحلفائهم وصمة عار في تاريخ البشرية، وشملت جرائم الإبادة الجماعية التي اقترفوها ملايين الأبرياء في أوربا، لأسباب عرقية ودينية وثقافية، ولهذا فمن الضروري أن تبقى الذاكرة الجمعية للشعوب حية ولا تنسى ما حدث.
وكانت معالم خطر صعود الفاشية قد تشكلت في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، في سياق الكساد الاقتصادي العظيم، وبدعم من قوى الرأسمالية المهيمنة في أوربا، التي شجعت هجومها ضد جبهة الديمقراطية والسلام، وبهدف القضاء على دولة البديل الاشتراكي في الاتحاد السوفيتي.
وسوف لن ينسى التاريخ ممهدات هذه الحرب التي تمثلت في الانقلاب الفاشي في إيطاليا وإحراق الرايشتاغ (البرلمان الألماني) في برلين، وغزو الحبشة وحرب الغازات فيها، والانقلاب الفاشي في إسبانيا، ومعاهدة الخيانة في ميونخ في أيلول 1938، التي عقدت في 30 ايلول 1938 بين ألمانيا النازية وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا الفاشية.
وتحتفل قوى اليسار والسلام والتقدم والنقابات والحركات الاجتماعية، وكل المناضلين من أجل عالم أفضل، بيوم الانتصار على الفاشية باعتباره انتصارا للحياة على الموت. وكانت محاكمات نورنبيرغ بعد الحرب محطة تاريخية أصدر فيها العالم قراره بحق الفاشية. وتلقى شعار "لا للحرب. لا للفاشية ثانية" صدى واسعا في العالم. ومثّل عام 1945 عام إنجاز كبير لصالح قوى الديمقراطية والتقدم، على طريق نضالها ضد القوى الرجعية والمحافظة.
وفي ألمانيا يمثل الاحتفال بالانتصار على الفاشية مناسبة لتأكيد الدفاع عن القراءة التاريخية الصحيحة لمسار الحرب، ولمسؤولية النظام النازي عن اندلاعها وجرائمه المروعة. وهو ضروري لمواجهة سعي اليمين التقليدي والمتطرف وكل القوى المحافظة أو التي ما زالت تعتبر الانتصار على الفاشية هزيمة قومية المانية.
موقف اليسار الجذري
وفي هذا السياق جاءت التصريحات الصادرة من قوى اليسار الجذري في ألمانيا على اختلاف مشاربها الفكرية، منسجمة في المشترك المتمثل في الدعوة إلى اعتبار الثامن من أيار يوم عطلة واحتفال رسميين، باعتباره يوما للتحرر من الفاشية، في حين تصر قوى معسكر اليمين وقوى واسعة في الوسط، على رفض هذا المطلب الذي طرحته الكتلة البرلمانية لحزب اليسار في البرلمان الاتحادي الالماني مرارا وتكرارا. والاستثناء الوحيد هنا هو قرار برلمان ولاية برلين في عام 2020، بمناسبة الذكرى الـ 75 للانتصار على الفاشية، اعتبار هذا اليوم يوم عطلة رسمية لمرة واحدة فقط.
وفي عام 1985 استذكر الرئيس الالماني آنذاك ريتشارد فون فايتسكر، الذي خدم كضابط في الجيش النازي خلال سنوات الحرب، استذكر يوم 8 أيار باعتباره "يوم التحرير من النظام اللاإنساني للاستبداد الاشتراكي القومي" (أي النازي). وبالإضافة إلى ذلك تشدد قوى اليسار على أن يوم التحرير هو تفويض لمكافحة كل أشكال العنصرية والفاشية، ولمواجهة محاولات تحريف التاريخ ونشر الأوهام. وأن نهاية الحرب العالمية الثانية كانت محفزا قويا للنضال ضد الحرب والنزعة العسكرية.
ويذكّر اليسار بأن خطر اليمين المتطرف والنازية أصبح اليوم تهديدا مباشرا للبشرية جمعاء، وما زال الناس يعيشون في خوف جراء جرائمه، وينكشف المزيد والمزيد من التفاصيل المخيفة حول شبكات الإرهاب اليمينية. ولا يزال الكثير من الناس يعانون من الإقصاء والعداء والحرمان بسبب أصلهم أو مظهرهم أو جنسهم أو دينهم وخصوصياتهم. وتعمل قوى اليسار للتغلب على هذه الانقسامات، والاعتراف والالتزام بحقوق واحتياجات جميع الناس على قدم المساواة.