تشهد اندونيسيا موجة جديدة من الاحتجاجات ضد تشديد ما يعرف بالقانون العسكري. في 20 آذار الفائت، أقر البرلمان الإندونيسي قانون "إصلاح القانون العسكري" لعام 2004. وكانت محاولات حكومية سابقة لتعديل القانون قد باءت بالفشل. وفي بداية هذا العام، عادت الحكومة إلى ملف تعديل القانون، بحجة أن القانون يحتاج إلى التحديث والتكيف مع "التحديات" الحالية. وهذه مجرد ذريعة لتشديد قبضة الحكومة على سكان البلاد. لقد اختارت الحكومة أيام الصوم في رمضان لتمرير التعديل دون ضجيج. وكانت الأشهر الأخيرة قد شهدت موجات عديدة من الاحتجاجات، على سبيل المثال لا الحصر ضد الفساد أو القوانين المناهضة للمجتمع. وكان التعديل الأخير بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير (الحكومة).
نقد التعديل
المحتجون ومن يدعمهم يرون ان التعديل الحالي يكرس دورا غير محدود للجيش في حياة البلاد. ويمنحه فرصة أكبر للتدخل في الشؤون المدنية. وبذلك، يمكن لأعضاء القوات المسلحة شغل مناصب مدنية في 14 مؤسسة حكومية، أي أكثر من السابق، حيث كانت حصة الجيش عشرة مناصب مدنية فقط. ويُسمح للعسكريين بشراء الأراضي، والعمل في القطاع الخاص، ويمكنهم الآن أن يكونوا جزءًا من مشاريع البنية التحتية أو المشاريع الاجتماعية. وهذا يسمح للجيش بتوسيع نفوذه إلى كل مجتمع صغير وجميع مجالات الحياة المدنية. وهذا ما يسمى بمبدأ الوظيفة المزدوجة. وهذا يعيدنا إلى زمن محمد سوهارتو (سنوات الدكتاتورية العسكرية (1967 -1998)، أي ان الجيش يتحول إلى فاعل مؤثر في اقتصاد البلاد.
لقد تلمس السكان هذه المخاطر الكامنة، وكان الطلبة المحرك الرئيس للحركة الاحتجاجية، ومع انتشار الاحتجاجات، اتسعت دائرة الأوساط المشاركة فيها، ويلاحظ المتابعون حالة من التضامن المتصاعد بين المحتجين وعامة الشعب.
اتساع جغرافيا الاحتجاج
لا تنحصر الاحتجاجات في العاصمة، وامتدت لتشمل 40 مدينة، وتتنوع طبيعتها بين الاحتجاج السلمي الهادئ، وشقيقه الصاخب، حيث تتحول ساحات الاحتجاجات في بعض المدن إلى ميدان لمهرجان احتفالي كبير. بالإضافة إلى ذلك تنعكس روحية الاحتجاج بقوة في وسائل التواصل الاجتماعي، التي لعبت دورا مؤثرا في دفع الناس للخروج إلى الشوارع والساحات.
يشارك الآلاف في الحركة الاحتجاجية، وليس هناك معطيات دقيقة لان الحكومة تمنع أي تغطية حقيقة للحدث. ولهذا يحاول المحتجون التوجه لوسائل الإعلام العالمية لكسر الحصار الحكومي والتعريف بقضيتهم.
وبجري ترهيب وسائل الإعلام بطريقة بشعة ومتخلفة على سبيل المثال، في بداية شهر آذار، تلقت مجلة تيمبو الأسبوعية ً طرداً يحتوي على رأس خنزير مقطوعة الاذنين، ثم تبعه ستة فئران أخرى مقطوعة الرؤوس. ونُشرت بيانات شخصية لإحدى الصحافيات على الإنترنت، وتلقت أسرتها العديد من مكالمات التهديد. وتم ملاحقة تشكيلين، قاموا برسم جداريات للتضامن مع الشعب الفلسطيني.
الجيش يشارك في القمع
لا تنحصر عمليات القمع بقوات الشرطة فقط، بل يشارك الجيش والمليشيا بقمع المحتجين، مستخدمين الغاز المسيل للدموع، مما أدى إلى إصابة بعض المتظاهرين بالعمى.
وينعكس إقرار التعديل بشكا منظور، فبمجرد إقراره في البرلمان، قامت الحكومة بنشر وحدات الجيش ضد المتظاهرين. وهذا يثبت الغرض الحقيقي للتعديل، المتمثل بإضفاء غطاء قانوني، لتبرير العنف والقمع. وهذا يشكل تهديدا للديمقراطية. يضاف إلى ذلك الفساد الصارخ وعدم وجود معارضة قوية في البرلمان على الإطلاق. الجميع تحت سيطرة رئيس الجمهورية الحالي برابوو سوبيانتو، وهو ابن زوجة سوهارتو وجنرال سابق شارك في اختطاف المعارضين في ثمانينيات القرن العشرين، ولم يتعرض لأي مساءلة، لعدم توفر "الأدلة".
يمكن القول إن اندونيسيا لم تتعاف بعد، وما زال القمع والملاحقة يطبع حياة الناس، على الرغم من مرور قرابة 60 عاما على واحد من أبشع الانقلابات العسكرية في تاريخ العالم المعاصر، راح ضحيته مئات الألوف من القتلى والمختطفين والمشردين والملاحقين. وما زال الكثيرون يعاملون ببشاعة ولا إنسانية، ولم يُرد لهم الاعتبار، وخصوصا الشيوعيين وذويهم، الذين تحملوا القسط الأكبر من عنف الانقلابين.