مقدمة
يتمتع تاريخ الحزب الشيوعي الأمريكي بجذور راسخة في تاريخ الحركة العمالية الأمريكية، إذ لعب الحزب أدوارًا حاسمة في النضالات المبكرة لتنظيم العمال الأمريكيين في شكل نقابات بالإضافة إلى أدواره اللاحقة في ما يخص الحقوق المدنية والحركات المناهضة للحرب. مع ذلك، اضطر العديد من الشيوعيين إلى العمل خفية، بسبب ارتفاع مستوى القمع السياسي في الولايات المتحدة ضد الشيوعيين.
أُصيب تأثير الحركة العمالية على التنمية الاقتصادية والسياسية بحالة من الركود، ومن ثم انهار في وقت لاحق، في أعقاب طرد الشيوعيين من الاتحاد الأمريكي للعمال ومجلس المنظمات الصناعية عام 1948. عانى الحزب الشيوعي بشدة في الفترة التي تلت المكارثية، إذ نفذت فيها حكومة الولايات المتحدة قمعًا جماعيًا علنيًا ضد الشيوعيين في الولايات المتحدة وخارجها.
ما زال الحزب الشيوعي نشطًا، غير أنه لم يسترد حتى الآن نفوذه الذي تمتع به خلال فترات صعوده في ثلاثينيات القرن العشرين وأربعينياته، يوم اقتربت عضوية الحزب في فترات معينة من 100 ألف عضو.
حوار الجزيرة
كشف السكرتير العام للحزب الشيوعي الأميركي جو سيمز، في حوار قالت عنه الجزيرة الأول من نوعه" تفاصيل عن تاريخ الحزب الذي تأسس في نهاية القرن التاسع عشر، قبل اندلاع ثورة أكتوبر 1917.
وأوضح سيمز في حوار مع "الجزيرة نت" أن غالبية الأميركيين كانوا يجهلون وجود الحزب، نتيجة للتعتيم الإعلامي عليه والعمل على تهميشه ومحاولات حجبه من صفحات تاريخ الولايات المتحدة.
واكد الزعيم الشيوعي: "لم نختفِ، بل تم طردنا من تاريخ أميركا، رغم كوننا جزءا ماركسيا من حركة العمال"، مشيرا إلى أن تاريخ الحزب يعود إلى فترة الحرب الأهلية، حيث كان هناك جنرال في القوات الاتحادية، صديق حميم لكارل ماركس، حارب ضد العبودية.
وتناول سيمز حملات القمع التي تعرض لها الحزب بعد خطاب رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، ونستون تشرشل، في ولاية ميزوري عام 1946، الذي أعلن فيه بداية الحرب الباردة.
وأضاف أن هذه الملاحقات (خصوصا خلال سيادة المكارثية) شملت القمع السياسي، والسجون، والطرد من النقابات العمالية والوظائف بتهم واهية مثل التآمر على الإطاحة بالحكومة الأميركية، وهو ما طال حياته الشخصية وعائلته: "لقد استمرت هذه الحملة حتى انهيار الاتحاد السوفياتي، حيث كانت معاداة الشيوعية والحملة ضد السوفيات صناعة كبيرة في الولايات المتحدة"
وأوضح أن الحملة استهدفت المؤسسات الثقافية الأميركية، وعلى رأسها السينما والصحافة، حيث تم التحقيق مع العديد من ممثلي هوليود وكتابها بتهم الشيوعية.
كما كانت مجالس التحرير في الصحف الأميركية الرئيسية تحث على عدم نشر كل ما كتب دفاعا عن الحزب.
وأضاف أن الحملة شملت أيضا شخصيات أميركية بارزة مثل مارتن لوثر كينغ ومالكوم إكس وحزب الفهود السود، في فترة شهدت ملاحقة شديدة من رئيس مكتب التحقيقات الفدرالي آنذاك، إدغار هوفر، الذي كان يهدف إلى زرع الخوف في المجتمع الأميركي.
مصاعب إعلامية
وفيما يتعلق بكيفية إيصال رسالة الحزب وحركات اليسار في ظل الحصار الإعلامي، أشار سيمز إلى الصعوبة البالغة في هذه المهمة. وأشار إلى أن الحزب اضطر إلى بناء منصات إعلامية خاصة به سعيا منه لتجاوز هذه الصعوبات. ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، بدأت هذه المنصات في استغلال تلك الأدوات لنقل رسالته إلى الجماهير، رغم أن التحديات لا تزال قائمة.
ويرى سيمز أن أبرز المفاهيم الخاطئة التي يواجهها الحزب هي فكرة كونه "منتجا مستوردا من الخارج"، خاصة من الاتحاد السوفياتي، وهي الفكرة التي تراجعت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
وأضاف أن المفهوم الخاطئ الجديد هو اعتقاد البعض أن الحزب ضد الديمقراطية وحرية التعبير.
وبالرغم من تعرض الحزب للقمع والتهميش، فإن قيادته حاولت في مختلف الأوقات تقديم مرشحين في الانتخابات الرئاسية. كان آخرهم في الثمانينيات عندما تم ترشيح جوث هول للرئاسة وأنجيلا ديفيس كنائبة له.
من المعروف أن الحزب الشيوعي في فترة لا حقة عمل أسوة بأغلب قوى اليسار والتقدم الامريكية، في عدم الاشتراك مباشرة في الانتخابات، وانما دعم مرشحين تقدميين ويساريين في قوائم الحزب الديمقراطي. وما ورد في العرض للحوار في موقع الجزيرة: " ومع مرور الوقت، يرى سيمز أن الحزب مستعد الآن للعودة إلى الساحة السياسية، بعد فترة طويلة من العمل داخل الحزب الديمقراطي" يبدو انها صياغة غير دقيقة، فليس هناك ما يشير لعمل الحزب الشيوعي داخل اطر الحزب الديمقراطي طيلة تاريخ الحزب.
لكنه أوضح أن هذه الاستراتيجية لها حدود، كما ظهر في الانتخابات الأخيرة، مؤكدا على ضرورة تغيير النظام الانتخابي في البلاد الذي يُغلق المجال أمام أي أحزاب أخرى غير الديمقراطي والجمهوري..
كما أشار إلى أهمية إلغاء قانون "المواطنون المتحدون"، الذي يسمح للشركات الكبرى بتمويل الحملات الانتخابية بلا حدود، مما يعيق التمويل الشعبي.
في ختام حواره مع الجزيرة نت، لفت سيمز إلى تزايد الغضب بين طبقة العمال بسبب التفاوت الكبير في الثروة، وهو الغضب الذي كان أحد العوامل التي ساعدت في انتخاب ترامب، الذي ظهر في حفل تنصيبه محاطا بعدد من المليارديرات، في مشهد غاب عنه أي ممثل عن الطبقة العاملة أو النقابات.