أعلن حزب العمال الكردستاني وقف إطلاق النار، تلبية لدعوة مؤسسه السجين عبد الله أوجلان إلى القاء السلاح، وحل حزب العمال الكردستاني، الذي قاد، منذ منتصف الثمانينيات، الكفاح المسلح ضد السلطات التركية. وسبقت هذه الدعوة زيارة ثالثة لوفد من السياسيين الكرد إلى جزيرة سجن إمرالي. وفي مؤتمر صحفي عقد في اسطنبول مساء الأربعاء الفائت، قرأ الوفد إعلانا من صفحة واحدة تقريبا بعنوان "دعوة إلى السلام والمجتمع الديمقراطي" باللغتين الكردية والتركية.
وقد جرى التأكيد على انتهاء الحاجة لحزب العمال الكردستاني بعد الآن بفضل انتهاء سياسة الغاء الهوية الكردية والتقدم في مجال حرية التعبير. وينبغي على كافة هياكل حزب العمال الكردستاني إلقاء أسلحتها والدخول في عملية الوحدة مع الدولة والمجتمع. ولا يوجد طريق خارج الديمقراطية، والمصالحة الديمقراطية هي الطريقة الأساسية لتحقيق الهدف المنشود.
خطوة على طريق طويل
ولم يفاجئ بيان اردوغان المعنيين والمتابعين، فالتكهنات بشأن الحدث كانت حاضرة، منذ أن سُمح له باستقبال الزوار في السجن لأول مرة منذ قرابة أربع سنوات. وكانت قيادة حزب العمال الكردستاني قد علقت في وقت سابق على هذه التكهنات.
في بداية شباط الفائت، صرح قائد حزب العمال الكردستاني مراد كارايلان في مقابلة مع قناة ستيرك تي في الكردية، أن مثل هذه العملية قد تستغرق شهوراً، إن لم يكن سنوات، ولن تكون ممكنة إلا إذا تواصل عبد الله أوجلان بحرية مع حزب العمال الكردستاني. ومن حيث المبدأ، كان أوجلان واللجنة التنفيذية لحزب العمال الكردستاني قد صرحا في مناسبات عدة، أن الحزب مستعد للتغيير. إن هذه العملية سوف تؤدي إلى تغيير حزب العمال الكردستاني وكذلك الدولة التركية؛ والهدف هو دمقرطة الجمهورية التركية، وليس تقسيمها. ومن جانب آخر نقل متابعون وجود تباينات في الرؤيا بين مؤسس الحزب السجين، وقيادته الميدانية في الخارج.
استمرار القمع ضد الشعب الكردي
تثار شكوك قوية بشأن مصداقية وجدية حكومة اردوغان في التحرك تجاه رؤية اوجلان، والاستعداد للمشاركة في الحوار. وترتبط هذه الشكوك بسنوات طويلة من العنف والقمع المستمر ضد الشعب الكردي وقواه التحررية، وعموم المعارضة اليسارية والديمقراطية في تركيا. لقد شهدت المدن والقصبات الكردية تدميرا منظما، وجرى إبعاد رؤساء البلديات المنتخبين وسجنهم، وتعيين بدلاء من معسكر السلطة.
وعلى الرغم من التصريحات الإيجابية من رموز السلطة في تركيا بشأن الحرص والالتزام بالحل السلمي، إلا أن من الصعب، في ضوء التجربة التركية وتجربة البلدان المجاورة، التصديق بان حكومة اردوغان ستوقف قمع المعارضة، وتسمح حقا بأجواء ديمقراطية. وكيف ستجري توءمة علاقة سلطة هيمنة إقليمية مارست دعم الإرهاب، مع انفتاح ديمقراطي في داخل البلاد.
التأثيرات على الدول المجاورة
وإذا تم بالفعل التوصل إلى وقف إطلاق النار بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، فإن ذلك سيكون له آثار بعيدة المدى على الدول المجاورة مثل سوريا والعراق. وعلى مدى السنوات العشرة الماضية، كانت هذه المنطقة مسرحا لعدة هجمات عسكرية تركية تنتهك القانون الدولي وحرب منخفضة الشدة مستمرة ضد القوات الكردية، والتي تنسبها تركيا عموما إلى حزب العمال الكردستاني.
في مدن إقليم كردستان، وأيضا في شمال شرق سوريا، وكما هو الحال داخل تركيا، تم نصب شاشات عامة في عدة مدن حتى يتمكن الناس من متابعة دعوة أوجلان مباشرة.
إن ما يحدث يمكن ان يكون مناسبة للضغط على الحكومة التركية لأنهاء أحلامها العثمانية وإنهاء امتلاكها لقواعد عسكرية داخل العراق، والكف عن تكرار اطماعها التاريخية في محافظتي نينوى وكركوك العراقتين. ويمكن القول نفسه بشأن الدور المدمر الذي تلعبه تركيا في سوريا، وخصوصا سعيها الحثيث في تشكيل مستقبل سوريا وفق خططها الاستعمارية، وبما يخدم المشروع الأمريكي – الإسرائيلي بشأن "شرق أوسط جديد". وكذلك سعيها لنزعم تحالف "معاد للإرهاب" يضم إلى جانبها العراق وسوريا والأردن. ويبقى السؤال كيف يستطيع تحالف إقليمي تقوده تركيا، وتشارك فيه حكومة الشرع السورية معاداة الإرهاب؟
خلفيات الحدث
ان هذه ليست المرة الأولى التي يدعو فيها أوجلان إلى انهاء الكفاح المسلح، اذ سبق له ان أُدلى بتصريحات مماثلة بعد القبض عليه في عام 1999 وبمناسبة عيد نوروز في عام 2013. وبما أن الحكومة التركية فسرت هذا الأمر على أنه استسلام، لم تكن مستعدة لتقديم أي تنازلات، استمرت بلعبتها القذرة في تدمير المدن وملاحقة الناشطين الكرد.
ولكن هذه المرة كان دولت بهجلي زعيم الحركة القومية الفاشية، المشارك بحكومة اردوغان، هو من بادر رسميا إلى طرح المبادرة، ومعروف ان الدافع الرئيس وراء هذه المبادرة هو توحيد الصفوف الداخلية من أجل قيادة تركيا بأمان عبر العواصف الشرق الأوسط. وقد لعب أوجلان هذه الكرة عندما أكد على ضرورة إعادة تعزيز التحالف المستمر منذ ألف عام بين الأتراك والأكراد "من أجل تأمين وجودهم والوقوف في وجه القوى المهيمنة".