اخر الاخبار

منذ نكبة 1948، لم تتوقف (إسرائيل) عن السعي لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، سواء من خلال الحرب، أو عبر خطط ممنهجة حظيت أحيانًا بدعم أمريكي. وعلى مدار العقود، ظهرت مشاريع متكررة لتوطين الفلسطينيين في دول الجوار، لكنها لم ترَ النور بسبب الرفض الفلسطيني والعربي الشعبي والرسمي، والتشبث الفلسطيني بحق البقاء على الأرض رغم كل المحاولات لاقتلاعهم.

ومع اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023، عاد الحديث مجددًا عن التهجير، ليجد طريقه إلى الساحة السياسية الدولية عبر مقترحات جديدة، لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، لكنها جميعًا اصطدمت بعاملين رئيسيين: الصمود الفلسطيني، والرفض العربي والدولي العلني لفكرة التهجير القسري.

التاريخ يعيد نفسه

بعد إعلان قيام (إسرائيل) عام 1948، تعرض الفلسطينيون لنكبة كبرى تمثلت في تهجير مئات الآلاف من أراضيهم. ومع تزايد أعداد اللاجئين، بدأت تظهر مقترحات توطينهم في دول عربية أخرى. ففي عام 1953، طرحت واشنطن "خطة سيناء" التي تضمنت نقل الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية، لكنها قوبلت برفض رسمي.

وفي الستينيات، جاء دور وزير الخارجية الإسرائيلي إيغال ألون، الذي اقترح ترحيل الفلسطينيين إلى الأردن ومصر، لكن خطته لم تتحقق بسبب عدم وجود دعم دولي كافٍ، إلى جانب رفض الشعوب العربية لهذه المشاريع.

مشاريع لم تكتمل

في عام 1970، تبنى أرئيل شارون، قائد المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي آنذاك، خطة لإخلاء قطاع غزة من سكانه وترحيلهم إلى العريش في سيناء، لكنها فشلت بسبب تعقيدات سياسية وميدانية.

ومع حلول الألفية الجديدة، عاد الحديث عن "الوطن البديل" عبر خطط مثل مقترح الجنرال الإسرائيلي غيورا أيلاند عام 2000، الذي دعا إلى تقديم مصر تنازلات عن أراضٍ في سيناء لصالح دولة فلسطينية، لكن القاهرة رفضت بشكل قاطع. وفي 2004، تكررت الفكرة عبر مشروع طرحه يوشع بن آريه، لكن لم يخرج إلى التنفيذ.

أما في 2018، فقد ظهرت الخطة الأمريكية الأبرز في هذا السياق، ضمن "صفقة القرن"، التي اقترحت حلولًا لتوطين الفلسطينيين خارج أراضيهم، لكنها لاقت رفضًا عربيًا صريحًا، خاصة من الأردن ومصر.

حرب غزة 2023: محاولات تهجير جديدة

مع اشتداد الحرب على غزة في تشرين الاول 2023، عادت (إسرائيل) لتطرح مسألة تهجير سكان القطاع، وهذه المرة عبر "وثيقة سرية" كشفت عنها صحيفة "إسرائيل اليوم"، والتي تحدثت عن خطط لإبعاد الفلسطينيين إلى مصر. وفي 17 أكتوبر 2023، نشر معهد "مسجاف" الإسرائيلي ورقة بحثية تدعو إلى تفريغ غزة من سكانها، وهو ما أيده لاحقًا وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش، الذي دعا إلى "الهجرة الطوعية" لسكان غزة.

وفي ايلول 2023، عادت الدعوات مجددًا عندما كشفت القناة 12 الإسرائيلية أن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، بحث مع مسؤولين إسرائيليين إمكانية نقل الفلسطينيين من غزة إلى دول عربية، وهو ما نفاه بلير لاحقًا.

تصريحات ترامب

أمس الأول، الثلاثاء، أشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى أنه "ليس أمام الفلسطينيين أي خيار سوى مغادرة قطاع غزة"، موضحًا أنه يرغب في نقل سكان القطاع إلى مصر والأردن، لكنه "لا يدعم بالضرورة استيطان الإسرائيليين في غزة".

وأثارت تصريحات ترامب ردود فعل دولية غاضبة؛ إذ وصف وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، هذه التصريحات بأنها جزء من "سياسة الإلغاء" الغربية.

وأكد أن القانون الدولي يتعرض لإلغاء واضح، حيث تم التخلي عن قرارات مجلس الأمن التي كانت الأساس المتفق عليه لإنشاء دولة فلسطينية.

من جانبه، أعرب الكرملين عن رفضه لهذه التصريحات، مؤكدًا أن الحل الوحيد للتسوية في الشرق الأوسط يجب أن يستند إلى حلّ الدولتين.

وفي السياق ذاته، أعلنت الصين معارضتها للتهجير القسري للفلسطينيين من غزة، عقب تصريحات ترامب بشأن "السيطرة" على القطاع. وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان، أن "الحكم الفلسطيني للفلسطينيين هو المبدأ الأساسي لإدارة غزة بعد الحرب"، مشددًا على رفض بلاده لأي محاولات لنقل سكان القطاع قسرًا.

أما فرنسا، فقد رفضت أيضًا تصريحات ترامب، حيث أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، كريستوف لوموان، في بيان رسمي، ان "فرنسا تعارض بشدة أي تهجير قسري للسكان الفلسطينيين في غزة، لأنه يشكل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي وهجومًا على التطلعات المشروعة للشعب الفلسطيني".

وأضاف أن "التهجير القسري يشكل عقبة أمام حل الدولتين، وقد يؤدي إلى عدم استقرار في مصر والأردن والمنطقة بأكملها".

في المقابل، شددت حركة حماس على رفضها القاطع لتصريحات الرئيس الأمريكي، مؤكدةً رفضها لأي محاولة لفرض تهجير سكان قطاع غزة إلى مصر أو الأردن.

وأدان حزب الشعب الفلسطيني التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بشأن "السيطرة على قطاع غزة"، معتبراً إياها جزءاً من مساعي "البلطجة الأمريكية-الإسرائيلية" لتهجير الفلسطينيين وتصفية حقوقهم. الحزب شدد على فشل الرهانات على السياسات الأمريكية، ودعا إلى ضرورة مراجعة الخيارات الوطنية الفلسطينية وتوحيد الموقف الوطني لمواجهة مشاريع التهجير والضم. كما دعا الحزب إلى عقد اجتماع عاجل للأمناء العامين للقوى الفلسطينية ولجنة تنفيذية منظمة التحرير لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني وتوحيد الجهود في مواجهة المخاطر التي تهدد القضية الفلسطينية.

رفض عربي ودولي

على مدار العقود، واجهت محاولات تهجير الفلسطينيين رفضًا قاطعًا من الدول العربية، خاصة مصر والأردن، إذ تخشى القاهرة من أن أي توطين للفلسطينيين في سيناء قد يشكل تهديدًا لأمنها القومي، بينما يرفض الأردن فكرة "الوطن البديل" التي تهدد التركيبة السكانية للمملكة.كما أن المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، رفض أي تغيير ديموغرافي قسري في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث طالبت المحكمة في يوليو 2023 (إسرائيل) بوقف إجراءاتها التي تؤدي إلى تغييرات جغرافية أو ديموغرافية في الأراضي الفلسطينية. وصدرت مواقف عديدة من دول ومواقف ترفض دعوة الرئيس الأمريكي إلى تهجير سكان قطاع عزة.