لأول مرة بعد 471 يومًا من القصف الصهيوني المستمر، عاش سكان قطاع غزة ليلةً خالية من الشهداء والمصابين والمفقودين، في أعقاب بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس. الاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ يوم الأحد، شهد إطلاق سراح 90 أسيرًا فلسطينيًا مقابل تحرير ثلاث أسيرات إسرائيليات.
وعاش سكان غزة ليلة بدون أصوات القصف بعد عام و3 أشهر من المجازر التي أودت بحياة أكثر من 155 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، بالإضافة إلى 11 ألف مفقود.
خرق للهدنة
وخرقت قوات الاحتلال الإسرائيلي، أمس الاثنين، وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بعد أن استهدفت طائرة مسيرة (كواد كابتر) ثلاثة مواطنين في رفح جنوب القطاع.
وأفادت مصادر طبية بوصول المصابين إلى مستشفى الأوروبي في خان يونس، إثر انفجار قنبلة أُلقيت أثناء قيام المواطنين بتفقد منازلهم قرب المناطق العازلة في مدينة رفح.
احتفالات رغم التضييق
وشهدت عدد من المدن الفلسطينية تجمعا كبيرا من الأهالي لاستقبال حافلات الأسرى الفلسطينيين المحررين من السجون الإسرائيلية، حيث أُطلقت الألعاب النارية ابتهاجا بهذا الحدث.
وتجمع مئات الفلسطينيين في وسط بيتونيا غرب رام الله والقدس والضفة الغربية رغم المضايقات الإسرائيلية، للاحتفال بتحرير أسرى فلسطينيين ضمن صفقة وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى.
ينص الاتفاق على دخول 600 شاحنة مساعدات يوميًا عبر معبر رفح، بعد تفتيشها في معبر كرم أبو سالم. وقال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، توم فليتشر، إن 630 شاحنة دخلت القطاع، متوجهةً لتخفيف الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة.
ومع ذلك، فإن حجم المساعدات لا يزال بعيدًا عن تلبية الاحتياجات الهائلة لسكان القطاع المحاصر منذ أكثر من 15 شهرًا من الحرب.
جرائم الكيان الصهيوني
كشف الدفاع المدني في غزة عن حجم الكارثة الإنسانية، حيث تبخرت أجساد 2842 شهيدًا بسبب القصف، ولا تزال فرق الإنقاذ تبحث عن جثث أكثر من 10 آلاف مفقود تحت الأنقاض. وقال الرائد محمود بصل إن الطواقم انتشلت جثث أكثر من 38 ألف شهيد و97 ألف مصاب منذ بداية الحرب.
وأشار بصل إلى استشهاد 99 من كوادر الدفاع المدني وإصابة 319 آخرين، وتدمير معظم مقراتهم ومركباتهم بفعل الغارات الإسرائيلية. وطالب بالسماح بإدخال طواقم إنقاذ دولية للمساعدة في مواجهة الكارثة الإنسانية.
مصير غامض للهدنة
تزامنًا مع بدء الهدنة، أطلقت إسرائيل سراح 90 أسيرًا فلسطينيًا، بينهم قيادات بارزة مثل خالدة جرار والصحفية بشرى الطويل. ومع ذلك، لا يزال مصير الاتفاق النهائي غامضًا، حيث يحتفظ الطرفان بأوراق مساومة حاسمة.
وتنتهي المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار خلال 42 يومًا، يتبعها مفاوضات حول إطلاق سراح بقية الأسرى وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع.
وأكد مسؤول فلسطيني على ضرورة التأكد من "عدم بقاء أي سجين فلسطيني يقضي أحكاما مؤبدة في السجون الإسرائيلية"، وذلك ضمن اتصالات المرحلتين الثانية والثالثة من صفقة تبادل الأسرى مع إسرائيل، بحسب قوله.
وصرح مسؤول فلسطيني مطّلع على المفاوضات لقناة "i24NEWS" الإسرائيلية، أن "محاولات الإفراج عن مروان البرغوثي، لم تنجح حتى الآن، بسبب الرفض الإسرائيلي للإفراج عنه".
ونقلت القناة الإسرائيلية عن مصادر عربية، قولها إنه سيتم "ترحيل 236 من المعتقلين الفلسطينيين إلى الخارج، والحديث يدور عن 189 من السجناء الذين يقضون أحكاما مؤبدة و47 من المفرج عنهم في صفقة شاليط وأعيد اعتقالهم. كافة السجناء سيعودون إلى مناطق الضفة الغربية، باستثناء أصحاب الأحكام المؤبدة".
وأضافت القناة الإسرائيلية أن "من بين الأسماء البارزة الذين سيتم الإفراج عنهم في إطار الصفقة، سلامة قطاوي، ممثل سجناء حماس الأمنيين في المكتب السياسي للتنظيم"
احتفاظ بالمكاسب رغم الخسائر
رغم الدمار الهائل، اعتبرت حركة حماس بقاءها على الساحة انتصارًا استراتيجيًا، مستعرضةً قوتها في شوارع غزة. وفي المقابل، لم يحقق الكيان الصهيوني هدفه المعلن بتدمير الحركة، ما أثار انتقادات داخلية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
صحيفة نيويورك تايمز ووول ستريت جورنال أشارتا إلى هشاشة الهدنة، محذرتين من استئناف القتال إذا فشلت الأطراف في تحقيق تسوية شاملة.
تحديات أمام المجتمع الدولي
وسط هذه الأحداث، دعا مصطفى البرغوثي، الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، إلى تكثيف الضغوط الدولية لإجبار إسرائيل على الالتزام بتعهداتها، مشددًا على أن النضال الفلسطيني يتجاوز وقف إطلاق النار ليشمل إنهاء الاحتلال.
وفي خضم هذه المأساة، تبرز تساؤلات حول دور القانون الدولي أمام المجازر المستمرة للكيان الصهيوني، وازدواجية المعايير التي تعيق تحقيق العدالة.