اخر الاخبار

بعد 15 شهرًا من العدوان الهمجي الذي عصف بكل ما له صلة بالإنسانية، وفيما هبت الولايات المتحدة ودول الغرب عموما لتقديم كل ما يمكّن الكيان الصهيوني من مواصلة مجازره المروعة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، يقف سكان قطاع غزة اليوم على أعتاب لحظة فارقة مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.

الصمود في غزة ملحمة أسطورية كتبها الفلسطينيون في وجه آلة القتل العمياء، التي استهدفت البشر والحجر، ودمرت كل شيء، متجاوزة كل القوانين والأعراف الدولية والإنسانية. ورغم كل ذلك أبى الشعب في غزة إلا أن يصمد، ليثبت للعالم من جديد أن إرادة الشعوب أقوى من كل قهر الاحتلال ودماره.

اتفاق وقف اطلاق النار

وسط أنين سكان غزة ومعاناتهم المستمرة، أعلنت وزارة الخارجية القطرية، أمس السبت، أن وقف إطلاق النار في غزة سيبدأ الساعة 8:30 صباح الأحد بالتوقيت المحلي للقطاع. وجاء هذا الإعلان بعد مفاوضات شاقة، تعنّت خلالها رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، قبل أن يرضخ في النهاية إلى الصيغة ذاتها التي كان قد رفضها في شهر أيار الماضي.

وقال المتحدث باسم الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، أن الاتفاق تم التوصل إليه بعد توافق بين الأطراف بوساطة دولية.

بدورها، أكدت هيئة البث الإسرائيلية مصادقة حكومة نتنياهو على الصفقة، رغم معارضة ثمانية وزراء من الائتلاف الحاكم، في مشهد يعكس الانقسام الحاد داخل المؤسسة السياسية الإسرائيلية.

مراحل تنفيذ الاتفاق

تتكون الصفقة من 3 مراحل، الأولى تستمر 6 أسابيع، وستشهد إطلاق سراح 33 محتجزًا إسرائيليًا و735 أسيرًا فلسطينيًا. كما سيتم إطلاق سراح المحتجزين الأجانب، بمن فيهم الأميركيون. في هذا اليوم وهو الأول سيتم إطلاق سراح 3 محتجزات إسرائيليات، و95 أسيرًا فلسطينيًا وذلك ابتداءً من الساعة 4 عصرا بالتوقيت المحلي.

وتشمل المرحلة الأولى التي تستمر ستة أسابيع، الإفراج عن 33 محتجزًا إسرائيليًا مقابل 735 أسيرًا فلسطينيًا، على أن تبدأ عملية الإفراج اليوم الأحد بإطلاق سراح الاسرى الفلسطينيين الـ95.

تبادل الاسرى

وفي خطوة نحو تنفيذ اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، أعلنت وزارة العدل في دولة الاحتلال، امس السبت، ان 735 أسيرًا فلسطينيًا سيفرج عنهم في المرحلة الأولى من الاتفاق، مقابل إطلاق سراح أول دفعة من المحتجزين الإسرائيليين. ويأتي هذا ضمن اتفاق شامل ينص على اطلاق سراح 1904 أسرى فلسطينيين على مراحل، بينهم 1167 من سكان قطاع غزة الذين لم يشاركوا في هجمات السابع من تشرين الأول 2023.

وأوضحت الوزارة في بيان أن المرحلة الأولى تشمل إطلاق سراح شخصيات بارزة أثّرت في المشهد الفلسطيني، من بينهم زكريا الزبيدي، القائد السابق لكتائب شهداء الأقصى، وأشرف زغير، أحد قادة حماس المتهم بالمساعدة في تنفيذ هجوم بتل أبيب عام 2002. كما تضم القائمة أحمد البرغوثي، قائد الذراع العسكري لحركة فتح في رام الله، المحكوم عليه بالسجن المؤبد لقتله 12 إسرائيليًا في 2016، وإياد جرادات من حركة الجهاد الإسلامي، الذي فر من سجن جلبوع عام 2021. كذلك، تشمل بلال أبو غانم، منفذ هجوم القدس عام 2015 الذي أسفر عن مقتل 3 إسرائيليين، وأكرم حامد، أحد قادة كتائب شهداء الأقصى المتهم بسلسلة عمليات إطلاق نار في رام الله، إضافة إلى وائل قاسم ووسام عباسي من خلية "سلوان" التابعة لحماس، المتهمين بتنفيذ عمليات أدت إلى مقتل 35 إسرائيليًا.

من جهته، أكد رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية قدورة فارس أن من بين هؤلاء الأسرى 296 من أصحاب الأحكام العالية، لافتا إلى أن عدد الأسرى الذين سيحررون مرتبط بظروف الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة، بما في ذلك تحديد عدد الأحياء والقتلى منهم.

العدوان مستمر

وأعلنت وزارة الصحة في غزة، أمس السبت، أن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب مجازر جديدة خلال الساعات الـ24 الماضية، حيث تجاوز عدد الشهداء 120 جراء القصف الإسرائيلي منذ الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار الأربعاء الماضي. وأوضحت الوزارة أن المجازر الثلاث الجديدة أسفرت عن وصول 23 شهيدًا و83 مصابًا إلى المستشفيات، مؤكدة ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان إلى 46 ألفًا و899 شهيدًا و110 آلاف و725 مصابًا منذ 7 تشرين الأول 2023. ومن بين الشهداء، تم التعرف على أكثر من 40,000 شخص، بينهم 13,319 طفلًا، كان أصغرهم بعمر بضع ساعات فقط. وتشمل الأرقام أيضًا كبار السن، مثل جد يبلغ من العمر 101 عام.

الدعم الأمريكي المطلق

في غضون ذلك انتقد عضو مجلس الشيوخ الأمريكي بيرني ساندرز الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، مشيراً إلى تعنتها المستمر لعدة أشهر قبل قبولها باتفاق وقف إطلاق النار، واعتبر أن هذا التعنت ساهم في تعميق معاناة المدنيين في غزة. وقال ساندرز إن من المؤسف أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين حركة حماس والاحتلال، هو "ذاته الذي رفضه نتنياهو وحكومته المتطرفة في أيار الماضي". وأوضح ساندرز: “لقد لقي أكثر من عشرة آلاف شخص حتفهم منذ تقديم هذا الاقتراح، وتفاقمت معاناة الرهائن والأبرياء في غزة “، مشيرا الى أن "الأمريكيين يجب أن يتعاملوا مع دورنا في هذا الفصل المظلم”. وأضاف أن الحكومة الأمريكية “سمحت باستمرار هذه الفظائع الجماعية، من خلال توفير إمدادات لا نهاية لها من الأسلحة لنتنياهو، والفشل في ممارسة نفوذ ذي معنى”، حسبما ذكرت منصة “كومن دريمز”. وأشار ساندرز، إلى أن "إسرائيل اختارت عدم خوض حرب ضد حماس وحدها، بل شنت بدلا من ذلك حربا شاملة ضد الشعب الفلسطيني بأكمله".

تهم ارتكاب جرائم إبادة جماعية

واتهمت مجموعات حقوقية وحكومات أجنبية إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية" جراء حملتها على غزة. كما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت بتهم جرائم حرب.

وتحولت أحياء بأكملها إلى أنقاض جراء القصف الإسرائيلي. وتشير التقديرات الأولية إلى أن حوالي 70 في المائة من المباني السكنية في غزة قد دُمّرت، مما أدى إلى تهجير أكثر من مليون شخص.

وذكرت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أن أكثر من 200 مدرسة تعرضت لأضرار بالغة أو دُمرت بالكامل، مما أدى إلى أزمة تعليمية حادة لأطفال القطاع.

وأثارت الحرب على غزة استنكارًا دوليًا واسع النطاق، حيث خرجت مظاهرات حاشدة في عواصم ومدن كبرى مثل لندن، وباريس، ونيويورك، منددة بالعمليات العسكرية الصهيونية ومطالبة بوقف فوري لإطلاق النار.

وفي الأمم المتحدة، فشلت عدة محاولات لتمرير قرارات تدين إسرائيل بسبب استخدام حق النقض من قبل الولايات المتحدة. ومع ذلك، تصاعدت الضغوط على إسرائيل من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية.

وبينما انتهت الحرب الآن رسميًا، فإن آثارها ستظل ماثلة لعقود. حيث ان الدمار في غزة ليس فقط ماديًا، بل ونفسيًا واجتماعيًا أيضًا. وستحتاج إعادة البناء ستحتاج إلى جهود جبارة ودعم دولي حقيقي.

يوُتوقع أن تستمر المناقشات في المحافل الدولية حول كيفية محاسبة إسرائيل على أفعالها في غزة، بينما لا يزال الشعب الفلسطيني يواجه تحديات يومية لتجاوز آثار هذا الصراع المدمر.

موقف حزب الشعب

وكان حزب الشعب الفلسطيني قد أعرب عن ترحيبه بإتفاق وقف الحرب العدوانية على قطاع غزة، والذي يضع حدا للقتل اليومي المستمر والإبادة الجماعية المتواصلة منذ خمسة عشر شهرا.

وأكد حزب الشعب ان وقف الإبادة والتدمير وضمان عودة النازحين إلى أماكن سكناهم، بالإضافة إلى تدفق الإحتياجات والمساعدات لأهلنا في جميع أنحاء قطاع غزة، وإطلاق سراح آلاف الأسرى وانسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة، هو أمر حيوي وضروري  لشعبنا، وهو يحتم وحدة قواه وفصائله كافة من أجل ضمان تطبيق الاتفاق وتحقيق هذه الأهداف، ومنع تهرب الاحتلال من استحقاقات الإتفاق كما هي عادته الدائمة، ومن إمعانه في إجهاض تطلعات شعبنا.

وقال حزب الشعب في بيانه، أن هذا الاتفاق ما كان يمكن التوصل إليه دون رباطة الجأش والصمود الأسطوري الذي تحلى به شعبنا ومقاومته في قطاع غزة، ووحدته الميدانية في مجابهة العدوان، وهو ما يتطلب من الجميع الحرص المشترك على الوفاء لدماء الشهداء والجرحى والأسرى والنازحين.

وأكد حزب الشعب مجدداَ على سرعة توحيد الموقف السياسي الفلسطيني في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وتسخير كل الطاقات من أجل وحدة الإرادة والعمل على كل المستويات وفي الميادين كافة لمواجهة التحديات الراهنة الماثلة أمام شعبنا، مؤكداَ ان التحدي الأكبر يتمثل بقدرتنا على تجاوز تداعيات ما خلفته الحرب العدوانية على شعبنا وتعزيز صموده، والتصدي لمخططات الاحتلال الاستعمارية للتهجير والضم والتوسع التي تستهدف هويته وأرضه وحقوقه الوطنية المشروعة.

وختم حزب الشعب الفلسطيني بيانه، قائلاَ: مع هذا الاتفاق تنفتح أيضا معركة سياسية ودبلوماسية هائلة من أجل مواصلة تقديم مجرمي الحرب إلى المحاكم الدولية، ومن أجل ضمان إنهاء الاحتلال واستقلال دولة فلسطين وعاصمتها القدس، ومن أجل حق عودة اللاجئين وفقا للقرار ١٩٤، وكذلك من أجل ضمان وحدة الكيانية الفلسطينية في الضفة والقطاع وتركيز الجهد الجماعي لتحقيق ذلك عبر الحكومة الفلسطينية الواحدة في ظل التوافق الوطني.