قدم سقوط نظام بشار الأسد لبعض الدول الغربية، ذريعة سياسية، لإرغام المهاجرين السوريين على العودة إلى بلادهم. واغتنم اليمين المحافظ الحاكم سقوط نظام الأسد فرصة لتصعيد العنصرية ضد اللاجئين السوريين. وتسعى أحزاب اليمين المحافظ إلى الحد من صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة والفاشية التي تكتسح الساحة، لكن هذه السياسة أدت إلى نقيضها، حيث شدد اليمين المتطرف مطالباته بالترحيل الجماعي للاجئين.
بعد سقوط النظام، أوقفت الدول الأوروبية البت في طلبات اللاجئين السوريين، وشمل ذلك بريطانيا، النمسا، ألمانيا، السويد، النرويج، إيطاليا، أيرلندا، هولندا، اليونان، بلجيكا، كرواتيا، سويسرا، بولندا وفنلندا.
وكان أكثر من مليون لاجئ سوري قد استقروا في أوروبا بعد اتصاعد قمع النظام، وتحول سوريا إلى ساحة حرب مفتوحة، تدخلت فيها القوى الإمبريالية والإقليمية، بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا وروسيا، إلى تعميق أزمة اللاجئين. ولألمانيا حصة الأسد من للاجئين السوريين في أوروبا (قرابة 60 في المائة)، والسويد 11 في المائة. وارتباطا بذلك سارعت المانيا إلى تعليق التعامل مع 47 ألف طلب للاجئين سوريين. وهذا التطور وضع اللاجئين السوريين في دائرة الغموض، وما يحمله لهم المستقبل. يعود اللاجئون وهم لا يملكون، ما يعينهم على العيش في بلادهم المخربة والتي تمر بحالة انتقالية لا تبشر بخير.
المانيا مقبلة على انتخابات مبكرة في نهاية شباط المقبل، بعد انهيار التحالف الحاكم، ومن المتوقع ان يعزز حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف نجاحاته الانتخابية ويعمق أزمة النظام السياسي، ويضع "الديمقراطية" السائدة في البلاد في دائرة خطر مباشر.
ان عجز الحكومة الألمانية عن معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتصاعدة، دفعها للبحث عن شماعة وكبش فداء فكان اللاجئون السوريون هذه المرة، وبالمقابل ساعدت الجرائم الإرهابية المستندة إلى خلفية عنصرية، على مطالبة الأوساط السياسة الحاكمة، واليمين المعارض بشديد قواعد التعامل مع ملفات اللاجئين، وبالتالي صب الزيت على نار اليمين المتطرف.
لهذا طالبت الرئيسة المشاركة لحزب البديل، أليس فيدل، بترحيل جميع اللاجئين السوريين فورا. وقالت: «أي شخص في ألمانيا يحتفل بـ«سوريا الحرة» لا يعود لديه أي سبب للهروب». وأضافت: «ويجب عليهم العودة فورا إلى سوريا».
في النمسا، قام الائتلاف الحكومي بين حزب المحافظين وحزب الخضر باتخاذ خطوة في المضي أبعد. فبالإضافة إلى توقف معالجة طلبات اللجوء المقدمة من السوريين، أطلق مراجعة لكل حالات اللجوء التي تم منحها. وأعلن وزير الداخلية توري جيرهارد كارنر: “لقد وجهت الوزارة لإعداد برنامج لإعادة وترحيل منظم إلى سوريا”.
لقد شكل حزب الشعب المحافظ (توري) حكومة رغم أنه جاء في المرتبة الثانية في الانتخابات العامة النمساوية في سبتمبر. وقد فاز حزب الحرية الفاشي بأغلبية المقاعد، وتريد الحكومة التي يقودها حزب الشعب المحافظ أن تتفوق على الفاشيين في العنصرية. ولكن هذه الخطوة لن تؤدي إلا إلى جر السياسة نحو اليمين، وإضفاء الشرعية على العنصرية المناهضة للاجئين والفاشيين. لقد أصبح اليمين المتطرف يحدد بشكل متزايد الأجندة المتعلقة بالهجرة، سواء كان في الحكومة أو في المعارضة.
ولقد قوبلت هذه العنصرية التي تمارسها الدولة ببعض المقاومة. ففي هولندا، انضم اللاجئون السوريون والناشطون المحليون إلى الاحتجاجات التي نظمتها منظمة “أوقفوا العنصرية والفاشية”. وفي بريطانيا، أوقفت حكومة حزب العمال قرابة 6,500 طلب للجوء بعد سقوط نظام الأسد. في مسعاها لوقف تقلص قاعدتها الانتخابية، واسترجاع ناخبيها الذين تحولوا إلى التصويت لصالح حزب إصلاح المملكة المتحدة اليميني المتطرف الذي يتزعمه نايجل فاراج. وبهذا يستمر اليمين التقليدي في تقديم خدمات مجانية لليمين المتطرف.