اخر الاخبار

ما أن تهم الادارة الامريكية بالتدخل في شؤون دولة ما في الشرق الاوسط او في مكان اخر (بحجة تأسيس دولة جديدة) حتى تجد ان الفساد هو المبدأ الاساسي الذي يلازم عمل الحكومة، التي تدير هذه الدولة، بإشراف الامريكان. حتى أمسى تخلي الجنود عن زيهم الحكومي وهروبهم مشهداً مألوفاً في الحكومات التي تدعمها أمريكا. على الورق، كان لدى الجيش الافغاني مئات الآلاف من المقاتلين المجهزين تجهيزا جيدا، لكن كان على قادتها القلائل المخلصين شراء الذخيرة من ضباط الإمداد الملتويين والدفع نقدا مقابل دعم المدفعية، وقاتلت القوات الخاصة بشكل جيد، لكن القوات النظامية كانت في الغالب تحت قيادة أقارب السياسيين غير الأكفاء.

وفيما كان الجنود الافغان لا يتقاضون رواتبهم، كان المسؤولون يسرقون الميزانيات العسكرية، وظل المواطنون مخلصين لعائلاتهم وعشائرهم، وليس لحكومة فاسدة، كان من المرجح أن تتخلى عنهم بقدر ما ستساعدهم، إن كان هذا يشبه أي شيء عاصرناه في الأيام أو السنوات القليلة الماضية، فإنه في حقيقة الأمر يشبه ما حدث بالضبط في فيتنام قبل نحو 50 عاما.

العلة الأبدية

وتشابهت التجربة بين فيتنام وأفغانستان في مبدأ واحد، وهو أن الحكومتين سقطتا بسبب فساد الحكومة التي انتجها الاحتلال الامريكي، مع مراعاة أن من أسقط الحكومة في فيتنام كانوا ثواراً حقيقيين، ولكن الفشل في بناء دولة “مرض قديم” تتعرض له كل مشاريع بناء الدول برعاية أمريكية (يمكن أيضا اعتبار العراق وكوسوفو والبوسنة وهايتي أمثلة جيدة).

واعتبر علماء السياسة يوما أن الفساد “قضية ثانوية”، لكن الكثيرين يرون الآن أنه مهم لفهم ليس فقط سبب فشل وكلاء الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن كيف تعمل الدول بشكل عام.

ويُعرف الفساد عادة بأنه إساءة استخدام الوظيفة العامة لتحقيق مكاسب شخصية، وأبسط أشكاله هو الرشوة، المنتشرة في كل مكان في أفغانستان.

يقول أحمد شاه كاتوازاي، الدبلوماسي الأفغاني السابق: “من شهادة ميلادك إلى شهادة الوفاة وأي شيء يأتي بينهما، عليك بطريقة ما دفع رشوة”. (تم طرده من الخدمة بعد كتابة مقال رأي يدين الفساد الحكومي).

ويطالب مسؤولو الجمارك والشرطة والموظفون بشكل روتيني بالحصول على بقشيش، ومع تقدم حركة طالبان في الأسابيع الأخيرة، ارتفعت التكلفة المطلوبة للحصول على جواز سفر إلى آلاف الدولارات.

لكن الرشوة الصغيرة هي أقل أنواع الفساد تهديدا، والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الحصول على موافقة الحكومة على الاستثمارات الكبيرة يتطلب إعطاء الوزراء أو أمراء الحرب جزءا من الكعكة، والأسوأ من ذلك، أن الوظيفة الحكومية التي تحصل على رشاوى هي بحد ذاتها سلعة ثمينة. وهذا ما يحصل بالضبط في العراق.

واكتشفت سارة تشايس، الخبيرة في الفساد، أثناء إدارتها لمنظمة غير حكومية في أفغانستان من عام 2002 إلى عام 2009، أن المسؤولين المحليين غالبا ما يشترون مناصبهم، ويجب عليهم بعد ذلك ابتزاز الناس للحصول على الرشاوى، التي يرسلون حصة منها لرؤسائهم.

يقول كاتاوازاي إن الأمر قد يكلف 100 ألف دولار ليصبح قائد شرطة المنطقة.

مثل هذا الفساد يخلق شبكات المحسوبية التي تهدد سلامة الدولة. الهدف الرئيسي للمسؤولين ليس تنفيذ مهمة وكالتهم، ولكن الحصول على الأموال لتوزيعها على عائلاتهم وأصدقائهم. حتى قبل الغزو الأمريكي، كانت أفغانستان تُدار “جزئيا” بواسطة شبكات المحسوبية بقيادة أمراء الحرب.

خطة إطعام الذئب

بدلاً من تفكيك هذه الشبكات، عززتها أمريكا من خلال دفع أموال لأمراء الحرب للحفاظ على السلام، وفقا لتقارير المفتش العام الخاص بإعادة إعمار أفغانستان، وهي سلطة رقابية أمريكية، وسرعان ما ازداد غضب الأفغان من فساد الحكومة وأصبحوا أكثر ترحيبا بطالبان.

واستشهدت دراسة أجرتها منظمة الشفافية الدولية في عام 2015 بأحد صانعي السياسة، يقول: “الرجال في الجزء السفلي يرسلون الأموال إلى أعلى النظام والرجال في الأعلى يرسلون الحماية إلى أسفل، وهي الطريقة التي تعمل بها المافيا”.

لم تكن أمريكا قد أولت الفساد اهتماما جادا حتى عام 2009، حيث أصبحت تشايس مستشارة لستانلي ماكريستال، وهو جنرال إصلاحي ترأس بعد ذلك “إيساف”، تحالف القوات التي يقودها الـ”ناتو” في البلاد.

تم إنشاء وحدة تحقيق تابعة لـ”إيساف” تعرف باسم “الشفافيات” تحت إشراف إتش آر ماكماستر، الذي عمل لاحقا كمستشار للأمن القومي لأمريكا. وقد أحرزت تقدما في وقف الغش في المشتريات.

لكن تحت قيادة القادة اللاحقين، تم تقليص عدد الفريق، وبحلول وقت هجوم حركة طالبان الأخير، أصبحت الدولة فاسدة لدرجة أن معظم حكامها عقدوا صفقات مع المتشددين لتغيير مواقفهم، وكان الجيش الأفغاني في وضع سيئ للقتال حيث تضخمت أعداده بسبب “الجنود الأشباح” - المُغتربين المدرجين في كشوف المرتبات حتى يتمكن القادة من سرقة رواتبهم.