فاز ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة، وسيطر الحزب الجمهوري على جناحي السلطة التشريعية في الولايات المتحدة، والمعادلة الأكثر انتشارا في وسائل الاعلام تقول: فاز ترامب وحزبه بسبب خسارة الديمقراطيين الفادحة للأصوات.
وقد ركزت وسائل الإعلام السائدة على فوز ترامب وهزيمة الديمقراطيين في الانتخابات التكميلية لجناحي السلطة التشريعية أيضا، ولم يسلط الضوء بالقدر الكافي على إعادة انتخاب النواب اليساريين والمعروفين بـ "الفرقة التقدمية"، الذين واجهوا مثل عموم قوى اليسار في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية التعقيدات الناتجة عن حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، ولذلك وجدت ضرورة في العودة إليه.
لقد واجه أعضاء الفرقة معضلة في الرد على حرب الإبادة الجارية في غزة حيث حاول أعضاؤها إيجاد توازن بين انتقاد إسرائيل ودعم إدارة بايدن هاريس بالضد من ترامب خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة.
أهمية التضامن
احتفظت النائبة الفلسطينية الأمريكية الوحيدة في الكونغرس الامريكي رشيدة طليب بمقعدها في واشنطن، وحصلت على 77 في المائة من أصوات الناخبين، مقابل 19 في المائة فقط لمنافسها الجمهوري جيمس هوبر. وقد أكد فوزها ان التضامن مع الشعب الفلسطيني تحول في عدد من الدوائر الانتخابية إلى عامل حاسم. وكانت طليب منتقدة صريحة لحرب الإبادة في غزة ودعت الولايات المتحدة إلى وقف إرسال شحنات الأسلحة إلى الكيان الصهيوني. وبسبب هذه المواقف ودعمها للاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية، صنعت لنفسها أعداءً حتى داخل الحزب الديمقراطي.
وكانت المدعية العامة الأمريكية دانا نيسيل، قد اتهمت، في حزيران الفائت، النائبة اليسارية بمعاداة السامية، على الرغم من عدم وجود أدلة. وكانت طليب قد انتقدت دونالد ترامب بشدة خلال رئاسته الأولى، وبالتالي أصبحت هدفا لقوى اليمين، بما في ذلك ترامب نفسه. وفي تشرين الثاني 2023، أجاز مجلس النواب التصويت على حجب الثقة عنها، لأنها اتُهمت بـ "نشر روايات كاذبة حول هجوم حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول 2023 والدعوة إلى تدمير دولة إسرائيل". وردت طليب على هذه الاتهامات قائلة: "لا توجد حكومة فوق النقد". "إن فكرة أن انتقاد حكومة إسرائيل هو معاداة للسامية يشكل سابقة خطيرة للغاية، وقد تم استخدامها لإسكات الأصوات التي تدافع عن حقوق الإنسان".
وفي الدائرة الخامسة بولاية مينيسوتا، هزمت عضوة الكونغرس الصومالية الأمريكية إلهان عمر منافستها الجمهورية المهاجرة العراقية داليا العقيدي، التي تصف نفسها بأنها "مسلمة علمانية" وتؤيد سياسة الحرب الإسرائيلية. وفي آب الفائت، تعرضت عمر لحملة تشهير من قبل منظمة اللوبي الصهيوني الشهيرة، والمعروفة بلجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك). لقد حصلت عمر على تبرعات بقيمة 1,6 مليون دولار، وحصدت 76,4 في المائة من أصوات ناخبي دائرتها. ومثل طليب، رفضت أيضًا المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل، وهي منتقدة للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والمذابح في غزة. واتهمها ترامب كذبا بالتقليل من "مأساة 11 سبتمبر 2001". ومنذ ذلك الحين، يقول فريقها إنها تلقت آلافا من التهديدات بالقتل. ونشرت في كانون الأول 2021 إحداها: "لا تقلقي، هناك الكثير ممن يرغبون في الحصول على فرصة لمسحك من على وجه هذه الأرض اللعينة".
والمعروف أن (ايباك) "دعمت 362 مرشحًا في الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الديمقراطي. وكتبت: " لقد ساعدنا أصدقاءنا على الفوز، وهزمنا 11 مرشحًا مناهضًا لإسرائيل".
كورتيز وساندرز
أعيد في نيويورك أيضا، انتخاب النائبة اليسارية والوجه الأبرز في الفرقة التقدمية، ألكسندرا أوكازيو كورتيز. وأثارت كورتيز غضب العديد من الأصوات المؤيدة للفلسطينيين في قاعدة الحزب الديمقراطي بسبب دعم بايدن لإعادة انتخابه. وفي تموز، أصدر "الاشتراكيون الديمقراطيون الأمريكان"، التنظيم الذي تنتمي اليه، وهو تنظيم ديمقراطي اجتماعي يساري في إطار الحزب الديمقراطي بيانا قالوا فيه إنهم لن يدعموا أوكاسيو كورتيز بسبب موقفها من غزة وفلسطين وإسرائيل.
وأعطى انسحاب بايدن لصالح نائبته، أوكاسيو-كورتيز مساحة لتكثيف انتقاداتها لإسرائيل والرئيس الأمريكي. لقد كتبت على موقع "أكس": "إن الفظائع التي تتكشف في شمال غزة هي نتيجة لحكومة غير مقيدة تمامًا تحت قيادة نتنياهو، والتي يتم تسليحها بالكامل من قبل إدارة بايدن بينما تمنع المساعدات الغذائية وتقصف المرضى في المستشفيات".
وفي ولاية فيرمونت، انتخب اليساري الأمريكي المخضرم بيرني ساندرز للمرة الرابعة عضوا في مجلس الشيوخ. وعلق ساندرز على نتائج الانتخابات في موقع "اكس": "لا ينبغي أن يكون خذلان الطبقة العاملة للحزب الديمقراطي مفاجأة كبيرة، لأن الحزب هو الذي خذل الطبقة العاملة، وبينما تدافع القيادة الديمقراطية عن الوضع الراهن، فإن الشعب الأمريكي غاضب ويريد التغيير. وهم على حق". وعلى الرغم من هيمنة الجمهوريين على جناحي السلطة التشريعية، يمتلك النواب اليساريون فرصة للتعبئة في سياق الاستقطاب الحاد الذي عمقته نجاحات اليمين الانتخابية.