يستمر الحراك الحزبي في ألمانيا، التي يقول محللون محليون إنها تعيش مرحلة انتقالية، بسبب الصعود المستمر لليمين المتطرف في البلاد والمتغيرات الاقتصادية والسياسية التي تعيشها القارة الأوربية والعالم، وخصوصا استمرار الحرب في أوكرانيا، وكذلك حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الشعبين الفلسطيني واللبناني وتصاعد التنافس الاقتصادي بين الصين الصاعدة والمعسكر الغربي، والذي ينعكس في ألمانيا بتراجع اقتصادي في العامين الأخيرين، وهذا ما أكده مجلس خبراء الاقتصاد في تقريره الصادر حديثا، من ان الاقتصاد الألماني تراجع هذا العام بنسبة 1 في المائة.
بعد الانشقاق الذي عاشه حزب اليسار الألماني في بداية العام الحالي، وتحقيق المنشقين نجاحات انتخابية على حساب الحزب.. تفجرت ازمة جديدة في حزب الخضر الألماني المشارك في التحالف الحاكم، فبعد أربعة هزائم انتخابية في الانتخابات الاوربية وفي انتخابات برلمانات ثلاث ولايات اتحادية، قدمت قيادة الحزب، الأربعاء الفائت، استقالتها لتفتح الطريق، كما تقول أمام مؤتمر الحزب في تشرين الثاني المقبل، لانتخاب قيادة جديدة، تساعد في استنهاض الحزب من جديد وتخرجه من أزمته.
شبيبة الخضر يغادرون الحزب
وفي وقت متأخر من مساء الأربعاء أيضا، ذكرت وسائل الإعلام أن قيادة شبيبة حزب الخضر أعلنت استقالة جماعية ومغادرة الحزب. وسرعان ما انتشرت رسالة قيادة الشبيبة المكونة من 12 عضوا إلى لجنة الحزب التنفيذية وكتلته البرلمانية على شبكات التواصل الاجتماعي. وفيه تشكو من أنه "على المدى المتوسط لا توجد أغلبية في الحزب تؤيد سياسات ذات توجه طبقي تركز على القضايا الاجتماعية وتُظهِر وجهات نظر لنظام اقتصادي مختلف جوهرياً". وأشارت الرسالة إلى أن الصراعات بين حزب الخضر واتحاد الشبيبة أصبحت حادة بشكل متزايد في السنوات الأخيرة. سواء ما يتعلق بدعم الحزب تخصيص 100 مليار يورو لدعم الميزانية العسكرية، وفي تبني تشديد قوانين اللجوء أو عموم إقرار التخصيصات المالية. وأكدت الرسالة على توجه المغادرين لتبني بديل يساري جديد، للقناعة بعدم قدرة الحزب على تبني مسار مختلف. وضرورة وجود يسار الماني مؤثر، وان حزب الخضر لم يعد كذلك. وفي ختام الرسالة أكدت قيادة الشبيبة المستقيلة استمرارها في تصريف الأعمال والتعاون حتى انعقاد مؤتمر حزب الخضر المقبل.
التجربة النمساوية
على الرغم من أن الحديث مبكر جدا عن مسارات المغادرين المستقبلية، والذين لا ينحصرون بأعضاء قيادة الشبيبة، بل يمتدون إلى عموم تنظيم الاتحاد الذي يضم 16 ألف عضو في عموم ألمانيا.
وتشير المعلومات التي حصلت عليها جريدة "نويز دويجلاند" اليسارية من أوساط المغادرين، إلى حضور التجربة النمساوية، عندما طرد اتحاد شبيبة خضر النمسا من حزبه الأم، وبدأ التنسيق والعمل المشترك مع الحزب الشيوعي النمساوي، وصولا إلى الاندماج به، في التوقعات المستقبلية للعلاقة مع حزب اليسار الألماني. يقول المغادرون إنهم سيؤسسون مع رفاقهم الحاليين والقدامى منظمة شبابية يسارية، تحافظ على استقلاليتها، لكنها ستشارك في حملة حزب اليسار الانتخابية في الانتخابات العامة المقبلة. وبإمكان أعضاء المنظمة الشبابية الجديدة الانتماء إلى حزب اليسار كأفراد والترشح على قوائم الحزب الانتخابية.
بشكل رسمي لم تعلن قيادة الشبيبة المستقيلة عن خططها تجاه حزب اليسار، وأكدت على أهمية التركيز على عقد مؤتمرهم التأسيسي في أيام 18 – 20 تشرين الأول المقبل في مدينة "لايبزيغ"، وفي الموعد نفسه يعقد حزب اليسار مؤتمره المقبل في مدينة هالة القريبة من لايبزيغ.
رد فعل أولي
من جانبه أكد حزب اليسار انفتاحه على التعاون. وكتب اتحاد شبيبة حزب اليسار على إنستغرام يوم الخميس: “نرفع قبعاتنا لهذه الشجاعة، ونتطلع إلى العمل معًا من أجل مجتمع متحرر." وقالت إينيس شفيردتنر، المرشحة الرئيسة لمنصب رئيسة حزب اليسار المشاركة، في تصريح صحفي الخميس الفائت: "الخطوة التي اتخذتها قيادة شبيبة الخضر متماسكة للغاية، وأن حزب اليسار مقتنع بأن هناك حاجة ملحة لقوة يسارية في ألمانيا تضمن أن يعيد الأغنياء والأقوياء ما يدينون به لنا". وأضافت: "إنها قوة يسارية تدافع عن الذين يحافظون على استمرار هذا البلاد". وسنكون سعداء بالعمل لتحقيق هذا الهدف مع كل من يناضل من أجل قوة يسارية واشتراكية قوية في هذا البلاد".
من المفيد التذكير بان حزب الخضر الألماني تأسس في ألمانيا الغربية عام 1980 وتعود جذوره إلى حركة السلام الألمانية، وكان من بين مؤسسيه بعض من رموز الحركة الطلابية التي اجتاحت فرنسا وألمانيا وبلدان أخرى نهاية الستينيات، وفي سنواته الأولى مثل قوة يسارية تقدمية صاعدة اهتمت بأسئلة البيئة والمناخ والسلام والعدالة الاجتماعية ومواجهة العنصرية. وفي عام 1993، أصبح الحزب يدعى: "اتحاد 90 الخضر" في إشارة إلى انضمام منظمات الخضر في ألمانيا الديمقراطية السابقة اليه بعد "توحيد" الألمانيتين.
ومنذ بداية القرن الحالي بدأ الحزب يتخلى تدريجيا عن قيمه اليسارية والتقدمية. لقد ابتلعت المشاركات في الحكومات المتعاقبة على صعيد الاتحاد والولايات الحزب ليتحول إلى حزب بيئة محافظ، ويدعم سياسات الليبرالية الجديدة، وحروب الناتو، ويوافق على الإلغاء العملي لحق اللجوء في ألمانيا. ويأتي التطور الأخير ليمثل تتويجا للصراع الداخلي في الحزب. وربما يؤدي إلى متغير جديد في التوازن بين قوى اليسار واليمين في ألمانيا.