اخر الاخبار

ودعت الخرطوم سنة 2020 بمسيرة مليونية، طالبت بالغاء الحصانات الممنوحة لمختلف الجهات الامنية، واغلاق مقار الاعتقال المتعددة، وحصر سلطة الاعتقال بقوات الشرطة بامر من النيابة العامة.

 وطالبت الجماهير المشاركة في تشييع جثمان الناشط “بها نوري” احد ضحايا الاعتقال خارج اطار القانون، بتقديم المتورطين في تعذيبه واغتياله الى المحاكمة.

وقد كثرت في الآونة الاخيرة حالات القبض على ناشطين في لجان المقاومة، من قبل جماعات ترتدي الزي المدني وتستقل عجلات بدون لوحات، تاخذهم الى اماكن احتجاز مجهولة، رغم تسجيل ذويهم شكاوي في اقسام البوليس المختلفة.

 واتضحت هوية تلك الجماعات والاماكن التي يتم فيها السجن والتعذيب، بعد تصريح وزير الثقافة والاعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة فيصل محمد صالح، بان الناشط “بها” مات اثناء التحقيق معه في احد الاقسام التابعة لقوات الدعم السريع.

 وكانت اسرة الشهيد التي فقدت ابنها البالغ من العمر 41 عاماً ويعمل فني كهرباء في احد الاسواق جنوبي الخرطوم، قد علمت اولا باخذه من قبل جماعة الى مكان مجهول، ثم علمت عقب اتصال من مجهول، بانه توفى وان جثمانه موجود في مشرحة مستشفى ام درمان.

 لكن الاسرة رفضت استلام الجثمان بعد ان وجدت عليه اثار تعذيب، وطالبت باعادة التشريح مشككة في النتيجة التي قدمها الطب الشرعي. وجاءت النتيجة الثانية مؤكدة وقوع التعذيب. فتم فتح بلاغ جنائي ضد قوات الدعم السريع في قسم للشرطة بمدينة الخرطوم بحري.

على اثر ذلك قامت قوات الدعم السريع برفع الحصانة عن منتسبيها المتورطين في الحادثة للتحقيق معهم من قبل النيابة، بحسب بيان صادر عن الناطق الرسمي باسم تلك القوات.

لكن هذا الاجراء لم يوقف الاحتجاجات التي اجتاحت مدن العاصمة المثلثة، حيث طالبت الجماهير بنزع سلطة الاعتقال من اي جماعة غير الشرطة، واغلاق اي اماكن اعتقال غير مقرات الشرطة المعروفة. خاصة وان الخرطوم امتلات بفصائل مسلحة عديدة تمتلك اجهزة استخباراتية ولاشيء يمنعها من استخدام ذات الصلاحيات خارج القانون، لتصفية حسابات سياسية مع جهات مختلفة، وربما في ما بينها.

فهل تستطيع الحكومة الوقوف في وجه مثل هذه الانشطة؟. الاجابة على هذا السؤال يجب النظر اليها من خلال وضع الاجهزة الامنية، بما فيها القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، في الوثيقة الدستورية التي جعلتها تتبع في كل ما يتعلق بشئونها واعادة هيكلتها وتغيير عقيدتها القتالية والاشراف عليها، الى المكون العسكري في مجلس السيادة. وهذه واحدة من النقاط التي كادت ان تجهض الاتفاق بين المدنيين والعسكريين، نظرا لتمسك المجلس العسكري وقتها بها.

 وقد ضغطت الوساطة الأفريقية على المدنيين للقبول بهذا الوضع، فلم يتحفظ عليه في تحالف الحرية والتغيير غير الحزب الشيوعي في بيان بهذا الشأن صدر عن مكتبه السياسي. فكان ان وصفته بقية احزاب التحالف بانه يغرد خارج السرب.

واتضح في ما بعد وكما تشير الوقائع ان الحكومة المدنية تفتقر لأدوات السلطة، ممثلة في اجهزة القمع التي يحوزها المكون العسكري ويسخرها ضد الناشطين في لجان المقاومة.

 وباستثناء تصريح وزير الاعلام الذي حمّل قوات الدعم السريع مسؤولية اغتيال الناشط “بها”، لم يتطرق مجلس الوزراء الى اصل القضية. كما ان قوات الدعم السريع توقفت عند حد رفع الحصانة عن مرتكبي الجريمة. لكن الصلاحيات التي تستند اليها في الضبط والاحضار لم توضح من قبلها ولا من قبل اي جهة في الدولة. وهذا يعني انها صلاحيات سوف تستمر، وربما تصبح في اطار القانون والدستور، استناداً الى الوضع غير المحدد في الوثيقة الدستورية للجانب العسكري في الولاية على منتسبيه، مما يشكل تقنيناً للانتهاكات.

كما انه يؤشر الوجهة التي ستتخذها القوى الامنية في مقبل الايام، في عرقلة الاحتجاجات الشعبية الهادفة الى استكمال متطلبات الثورة، التي توقفت عند حد تشكيل مجلسي السيادة والوزراء، مع استمرار الاوضاع الاقتصادية والسياسية والامنية على حالها ايام الرئيس المخلوع عمر البشير.

امام هذه التحديات اعلنت قوى سياسية واجتماعية مختلفة خروجها على تحالف الحرية والتغيير، ودعت الى اصطفاف جديد. فقد وقعت احزاب الشيوعي، والاتحادي الديمقراطي -الاصل، وتجمع المهنيين -القيادة المنتخبة، والحركة الشعبية -جناح عبد العزيز الحلو، بياناً اوضحت فيه موقفها من تطورات الوضع السياسي، ويتوقع مراقبون ان يفضي تقاربها الى ولادة تحالف سياسي جديد..

عرض مقالات: