مع تطاول امد الحرب في السودان تزايد التفكير بشأن دور الجماهير في ايقافها، بدلا من انتظار المساعي الدولية. وقد برز هذا الاتجاه في اللقاء الذي جمع ثلاثة احزاب كبيرة في الاسبوع الثاني من شهر كانون الثاني٢٠٢٤ في القاهرة. وفي خطوة اعتبر مراقبون انها تشكل نقطة البداية لانتزاع الاحزاب السودانية زمام المبادرة ضمن توسيع الجبهة المدنية السياسية لإيقاف الحرب.

فقد اجتمع ممثلون لأحزاب الأمة القومي والشيوعي وحزب البعث وبحثوا الاوضاع المتردية جراء الحرب، ونظروا في كيفية توحيد الرؤي والمواقف لمعالجة التحديات، واتفقوا علي ضرورة العمل على الوقف الفوري للحرب، وعلى ضمان وحدة السودان وسلامة اراضيه واستقلاله، وادانة الانتهاكات والجرائم ضد المدنيين من قبل قوات الدعم السريع، والقصف العشوائي المدفعي والجوي علي منازل المواطنين من قبل الجيش، والاعتقالات المتكررة للمواطنين ولأعضاء لجان المقاومة والناشطين السياسيين من قبل طرفي الحرب. وقد ادانوا تصعيد خطاب الكراهية والعنصرية ومساعي التحشيد اليائسة وتسليح المواطنين، وأكدوا ضرورة بذل الجهود في الجانب الانساني والتصدي لخطر المجاعة.

وجاء اللقاء عقب انتقادات وجهها الحزب الشيوعي لاجتماع اديس ابابا بين جبهة القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) بقيادة عبدالله حمدوك رئيس الوزراء السابق، ومحمد حمدان دقلو حميدتي قائد قوات الدعم السريع. حيث قال الشيوعي عن ذلك الاجتماع انه يمضي في اتجاه تكريس شراكة الدم السابقة بين تحالف قوى الحرية والتغيير الشريك في (تقدم) وبين العساكر. كما انه أغفل مبدأ المحاسبة على الانتهاكات التي ارتكبتها تلك القوات. كذلك انتقدت قيادات في حزب الامة القومي ما أسمته بحملة العلاقات العامة لتلميع صورة الدعم السريع، التي تنشط فيها جهات دولية واقليمية وتشارك فيها قيادات في (تقدم).

وقد اتصلنا بأكثر من مصدر في حزب الامة لاستجلاء موقفهم من اجتماع القاهرة، لكنهم امتنعوا عن التعليق. في حين قال صديق فاروق القيادي الشيوعي لـ (طريق الشعب) ان لقاء الاحزاب الثلاثة جاء مواصلة للقاءات قيادات الاحزاب السودانية للبحث في مشتركاتها. وانه شكل محاولة لوضع حزب الامة في الموقف الاقرب لتطلعات جماهيره وقواعده، فيما ظلت مواقف قياداته تتوزع بين الانحياز لقوى وحلفاء النظام البائد والتحالف مع مليشيا الجنجويد. كما ان اللقاء بحسب فاروق يعطي الضوء الاخضر لقواعد وفرعيات هذه الاحزاب للتحرك وفق معطيات واقعها، لتأسيس العمل القاعدي الحقيقي والميداني المشترك للمقاومة الرافضة للحرب، والتي تهدف بالأساس لقطع الطريق علي محاولات الاسلاميين عزل ومنع النشاط القاعدي لهذه الأحزاب، بحجة استمرار النشاط العسكري. فيما يقتضي عمل المقاومة تجريم طرفي الحرب.

ويذهب في نفس الاتجاه الناشط السياسي اليساري مهيد صديق ويقول ان اي تقارب جاد على اسس تعزيز الديمقراطية وقطع دابر الحرب وبناء السلام الشامل والعادل والمستدام، أمر مهم جدا. ويضيف ان هذه الخطوة مهمة وتحتاج لمزيد من التحرك تجاه بقية القوى السياسية عبر برنامج عمل يعيد زمام المبادرة للحركة السياسية.

ويشير مهيد الى ان اساس بناء جبهة واسعة لا يكون بالتقارب مع طرفي الحرب بل بعزلهم ومحاصرتهم. وعلي حد تعبيره فان "جبهة القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) بدأت بداية خاطئة بالتقارب مع حميدتي، وقدمت له فروض العفو والولاء دون اية مكاسب لصالح قضية العدالة او حل الاسباب الجذرية لهذه الحرب". فيما يعتبر الكاتب الشيوعي صديق الزيلعي اللقاء خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنه يأخذ عليه عدم وضوحه بشأن خلق جبهة مدنية موسعة.

معلوم ان الاحزاب الثلاثة تنادي بإقامة جبهة شعبية واسعة لإيقاف الحرب ووضع البلاد في مسار الديمقراطية والسير في طريق تحقيق اهداف ثورة ديسمبر. وهي المهمة التي يعتقد القيادي الشيوعي صديق فاروق انها لابد ان تعتمد علي العمل القاعدي وسط الجماهير، ولمساعدتها على انتزاع دورها وإبراز القيادات الميدانية للمقاومة المدنية.

عرض مقالات: