اخر الاخبار

يحاول دعاة الحرب في السودان، خاصة عناصر النظام السابق، تصوير القوى المدنية الرافضة للقتل والدمار الذي طال المدنيين أكثر من طرفي النزاع كجناح سياسي لقوات الدعم السريع. بل مضت عناصر جهاز الأمن التي تنتمي للتيار الإسلامي في ملاحقة افرد أحزاب تحالف الحرية والتغيير والشيوعيين في المدن التي لم تصلها الحرب باعتبارهم خلايا نائمة للتمرد، وأودعت بعضهم السجون والمعتقلات ومارست ضدهم شتى انواع التعذيب.

حملتهم مسؤولية الانتهاكات

يأتي ذلك كون القوى المدنية لم تعلن تأييدها لأي من أطراف الحرب، وحملتهم جميعا مسؤولية الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها المدنيون في كل مناطق سيطرتها، إضافة إلى تدمير البنية التحتية. وهو ذات الموقف الذي يتبناه الاتحاد الافريقي والوسطاء الدوليون والاقليميون، كما عبّر عنه منبر جدة.

واختارت الجبهة المدنية المتكونة من قوى سياسية ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات وطنية المعروفة اختصاراً بـ(تقدم) التحرك خطوة للأمام ومغادرة مربع الادانة والشجب. والتقت في اليوم الثاني من الشهر الجاري، بقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو حميدتي، وتوصلت معه إلى اتفاق أديس ابابا الذي ينادي بوقف إطلاق النار، والدخول في عملية سياسية تفضي الى تسليم السلطة للمدنيين.

وتأتي هذه الخطوة استجابة للدعوة التي تقدمت بها (تقدم) لقائدي الجيش والدعم السريع، لعقد اجتماعات مشتركة مع كل طرف، تسبق لقاء القائدين في جيبوتي بدعوة من منظمة (الايغاد) الذي كان مقرراً ان ينعقد في الاسبوع الاول من هذا الشهر. لكن مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة أكد لبعض القنوات انهم لم يتلقوا دعوة من جبهة (تقدم) لعقد اجتماع، ما دفع السيد عبد الله حمدوك رئيس الجبهة ورئيس الوزراء السابق لتجديد دعوته على صفحته الشخصية.

“ لا قيمة له”

مراقبون اعتبروا “حديث عقار لا قيمة له، لأن الدعوة لم تكن في الأساس موجهة لمجلس السيادة الفاقد للشرعية منذ انقلاب ٢٥ أكتوبر من عام ٢٠٢٢ وإنما موجهة لقائد الجيش السوداني كطرف في الحرب، دون أية اعتبارات أخرى”، والجبهة المدنية لا تقيم وزناً لرئاسة البرهان لمجلس السيادة، ولا تعترف له هو وحميدتي باي شرعية تخولهم الحديث باسم دولة السودان التي يعتبرها الاتحاد الافريقي في حكم الغائبة، وبالإضافة الى ذلك لا توجد جهة محلية او اقليمية او دولية تعترف بمؤسساتها الحالية، بما فيها وزارة الخارجية ومجلس السيادة. وهذا ما يجعل موقف الجيش وقائده البرهان أكثر تعقيدا مما هو عليه قبل اتفاق أديس ابابا الاخير، خصوصاً ان “حميدتي قد أعلن انه على أتم الاستعداد للتوقيع فورا على اعلان وقف الحرب، اذا توصل لاتفاق مع قيادة الجيش السوداني”. وهذا ما اظهر البرهان بأنه الطرف الرافض لوقف الحرب واطالة معاناة المدنيين كونه يعمل على تسويف حضور اللقاء المرتقب.

ويبدو أن البرهان كان يعول على ان حميدتي قد مات بالفعل، وان حضوره بمساعدة الذكاء الاصطناعي، ولذلك هو لن يحضر اي لقاء مرتقب على مستوى قيادة القوى المتحاربة.

هذه القناعة تعززت عند دعاة الحرب بمن فيهم قيادة الجيش، بعد اعلان الايغاد عن تأجيل اللقاء بين الرجلين في نهاية شهر كانون الاول الماضي، بطلب من الدعم السريع الذي بررته بـ”أسباب فنية”. في حين ان جهات قريبة من هذا الملف، ارجعت طلب الدعم السريع لتأجيل اللقاء الى تزامنه مع أعياد الميلاد التي تمنع حضور مراقبين دوليين واقليميين، كما يريد قائد الدعم السريع الذي أعلن مرارا انه لا يثق في قائد الجيش، ويريد ان يشهد عليه أكبر حضور دولي واقليمي.

وفي هذا الوقت، استغل حميدتي فرصة ظهوره الذي اربك حسابات خصمه في جولات اقليمية شملت معظم الدول التي لها تأثير مباشر على الصراع خاصة أعضاء منظمة الايغاد.

ويأتي هذا التطور مع بداية التحرك السياسي في النزاع ودخول المدنيين فيه بقوة عقب فشل منبر جدة الذي أكد عدم قدرة العساكر على وقف الحرب. كما يأتي في اعقاب قمة الايغاد الأخيرة في جيبوتي التي طلبت من قيادة الطرفين الجلوس المباشر وانهاء الحرب. وهي خطوة أيّدتها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي.

وقررت الجبهة المدنية (تقدم) ان تلتقط القفاز بعد هذه التطورات، بطلب لقاء قادة الحرب، والذي تكلل باتفاق أديس ابابا مع قائد الدعم السريع.

عرض مقالات: